Sunday 31th October, 1999 G No. 9894جريدة الجزيرة الأحد 22 ,رجب 1420 العدد 9894


احتجاج فني,, ورسالة لكل محرر واعٍ,, ولكل ناقد بصير

يا ابوحمد,.
أنا احسب ان الشعر صعب المواريد
ماهو غدير ينضحه كل قصاد
ويوم امتلى هالجو حشو ومفاريد
راع الجمل معذور لو كسّر شداد
هذا الاحتجاج الفني,, الذي صرح به الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن بعد أن غلفه بنكهة الشعر,, يجب أن تسمعه كل أذن يهمهما أمر هذا المارد الشعر ,, لأن هذا الاحتجاج يحمل وجهة نظر رائد من رواد الكلمة، ونجم تستمد الساحة الشعبية جلّ وهجها من أضوائه الأدبية وسراجه الشعري ومدّه الفني.
فهل هذا الاحتجاج دعوة لتصحيح الوضع القائم بتصفية وجود المحسوبين عليه فنياً؟ أم هو محاولة ايجاد عذر للخروج من الساحة بعد أن سئم من بعض ما يطرح فيها؟! وذلك بتكسير شداد الشعر ليتعذر المسير.
إن هذا الاحتجاج -في الواقع- لايمكن أن يكون لمحاولة ايجاد بعض الأعذار لمغادرة الساحة، ولا يمكن أن يقول بذلك إلا مفتقد للحكمة,, وما هذا الاحتجاج إلا دعوة صادحة النبرة واضحة البيان لمن بأيديهم زمام المبادرة من فئة رؤساء التحرير ومحرري الصفحات لتنقية الأجواء مما يعكر صفوها من الشعر الذي هو دون المستوى المنشود، لضمان عدم تخريب الذائقة الشعرية، ولتكامل البناء في المنجزالشعري لكي يواصل مسيرته نحو الآفاق الإنسانية الرحبة، والمواقع الأدبية الجميلة.
ففي الحقيقة ان الشعر الآن قد أصبح ضريحاً كبيراً للمعاني الميتة، المكفنة بالألفاظ المهترئة,, للدرجة التي أصبح فيها الندب واجباً لكل محرر واع، ولكل ناقد بصير أن يقفا حازمين في وجه تلك الدُمى المتطفلة على ساحة الشعر,, وذلك لكي لا تصبح الساحة الشعبية ثلاجة كبيرة تضم رفات الموتى من المعاني المتلبسة بزي الشعر,, وما بعض المجلات المهتمة بالشعر الآن إلا ثلاجات يحتفظ فيها برفات الشعر الميت.
فالشعر حياة وروح,, وهو الطاقة ذاتية الاشتعال من روحه تستمد الكلمات حياتها,, وتقتبس الألفاظ بريقها,, ويأخذ المعنى رونقه وبهاءه ومطابقته للواقع المعايش، لأنها جزء منه.
فكما أن الوردة تفوح اذا كانت الحياة تخالط بشاشة قلبها,, والشمعة تتوهج اذا كانت روحها باقية,, كذلك الشعر.
وكما ان الجسد ما هو إلا مجموعة من الآلات التي تحركها الروح الكامنة فيه,, وهو بغياب هذه الروح تفقد آلاته المتعدة الحركة والحياة والمعنى,, كذلك الشعر.
فما الأوزان والقوافي والألفاظ والمعاني إلا أدوات آلات لايصال المعنى بأوضح وأوجز طريق,, فإذا غابت روح الشعر لم تكن هذه الأشياء إلا أثراً بعد عين.
إننا في الحقيقة نرى الآن شعراً يحمل أجزاء محنطة من قصائد ناجحة ناضجة اطلقها شعراؤها في سماء الإبداع فخلدتها موهبتهم في سمع الزمن عندما مدت قصائدهم بروح الشعر إكسير الحياة .
ونحن أيضاً نرى في واقع الساحة الشعبية -وهذه الطامة الكبرى على مستوى الشعر- نرى قصائد لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، فهي في وجودها مع بقية القصائد كوجود شاعرها عندما يجمعه مجلس أدبي مع شعراء فطاحل.
فلكل غيور نقول: هناك خطورة العدوى,, والإيحاء الجماعي,, الذي من شأنه أن يجعل كل من في الساحة نسخا مكررة,, فالمسؤولية كبيرة على المعنيين في الأمر، للوقوف في وجه تأسيس مرحلة ترتكز أعلامها خارج حدود خط السير الطبيعي للفنون التي تنشد التقدم- وذلك كما يتراءى لنا، وكما تراءى قبلنا لصاحب هذا الاحتجاج- فنحن نخشى ان تكون هذه المرحلة عبارة عن عثرة لجواد الشعر كما تشير بوادر الملاحظات الأولى,, لأن عثرة جواد الشعر المتعلقة بالزمن تقاس بقرون السنوات لا بآحادها ولا بعشراتها، فلا نريد حقيقة أن تكون عثرة جواد الشعر في زمننا -ان كانت له عثرة- فالتاريخ لا يرحم بل هو يقيد تفاصيل الأشياء والحوادث، وهو ليس لأحد على أحد، بل هو للجميع وعلى الجميع.
وأخيراً: انظروا معي في عين الخيال بهذه الصورة لجواد الشعر: عنانه في ارتخاء,, وصهوته في انحدار الى الأمام,, وفارسه في مقدمة صهوته في حالة اندفاع غير طبيعي,, والأرض وعرة,, والحر شديد,, فما هذه الصورة إن لم تكن بداية تفاصيل وقوع العثرة المحذورة.
لقد أخلى الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن مسؤوليته في التصدي لوجود الغث من الشعر والأسماء الطفيلية التي تقتات من أضواء ساحة الشعر الشعبي وذلك عندما صرح لكل أذن واعية في هذا الاحتجاج ذي الأبعاد,, وبقيت المسؤولية الكبرى على عاتق رؤساء التحرير والمحررين ومعدي الصفحات,.
وكل احتجاج وآذان الجميع بخير.
نيف الذكري

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
لقاء
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved