تعيش الدول المصدرة للنفط في هذه الايام مرحلة جديدة من التفاؤل نتيجة للتحسن النسبي في اوضاع اسواق النفط العالمية الناتج عن ارتفاع اسعار النفط, ولعل هذا التفاؤل يكتسب اهمية خاصة لكونه يأتي في مرحلة زمنية بدأ الكثير من المحللين يرون بقرب نهاية منظمة الاوبك خاصة بعدان اثبتت التجارب والسنون عجزها عن تحقيق مصالح الدول الاعضاء وبعد ان اخذت بعض الدول الاعضاء في المنظمة تتجاوز علانية حصصها الانتاجية المقررة كما حدث لفنزويلا التي اعلنت في اكثر من مناسبة انها ستزيد انتاجها بغض النظر عن الكم المحدد لها, ولعلنا فيما سيأتي نناقش الاوضاع السائدة في الاسواق النفطية لنتعرف على مصادر النجاح ومواطن الفشل من خلال تعرفنا على الاسباب التي ادت الى هذه المرحلة الزاهية نسبياً في اسواق النفط العالمية.
يمكن باختصار الاشارة الى اهم الاسباب التي ادت الى الانخفاض الكبير في اسعار النفط العالمية خلال عام 1998م تأتي على النحو التالي:
1- انخفاض الطلب العالمي من النفط نتيجة للازمات الاقتصادية التي تعرضت لها معظم الدول الصناعية وبشكل خاص الدول الآسيوية والتي ادت الى انخفاض معدلات النمو في هذه الدول وبالتالي الى انخفاض الطلب على النفط خاصة في ظل ارتفاع المرونة الداخلية للطلب على النفط.
2- الازمات الاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها معظم الدول المنتجة والمصدرة للنفط مما دفع بهذه الدول الى زيادة انتاجها من النفط كوسيلة لتأمين الدخل اللازم للمحافظة على سير العملية التنموية والامنية في هذه الدول والذي بدوره زاد من العرض العالمي من النفط خالقاً فجوة كبيرة بين المعروض والمطلوب من النفط ومؤدياً الى انخفاض الاسعار العالمية وبشكل متسارع.
3- اسعار النفط العالمية المنخفضة اصلاً والتي لم تعد كافية لتأمين الدخل اللازم في ظل مستويات الانتاج السائدة ما ساهم في الضغط على الدول المصدرة لزيادة الكميات المنتجة والتي ادت في النهاية الى زيادة ومضاعفة الفجوة بين المعروض والمطلوب في اسواق النفط العالمية.
4- التجاوزات العلنية والسرية للحصص الانتاجية المقررة داخل المنظمة ما ساهم في اضعاف قناعة الدول المنتجة والمصدرة للنفط بالقرار الاداري داخل المنظمة.
5- زيادة الانتاج النفطي من خارج المنظمة مع عدم قدرة المنظمة على اخضاع هذه الدول لسيطرتها الادارية والذي بدوره ساهم في زيادة قناعة الدول الاعضاء في المنظمة بعدم جدوى الالتزام بالحصص المقررة لعدم رغبتها في تحمل تكاليف تصحيح الوضع السائد في الاسواق العالمية لوحدها.
6- غياب التنسيق الدولي بين الدول المنتجة والمصدرة للنفط داخل المنظمة وخارجها مما اخضع السوق الى حرب اقتصادية خفية ربما لا ينطبق عليها سوى قاعدة ما يعرف بمعضلة السجناء ب Prisoners Dilemma حيث اصبح من مصلحة الدولة المصدرة للنفط عدم الالتزام بحصتها الانتاجية لزيادة احتمال عدم التزام بقية الدول الاعضاء بالحصص المقررة.
7- سيكولوجية اسواق النفط العالمية التي لم تكن تلعب لصالح الدول المصدرة للنفط حيث ادت عدم قدرة منظمة الاوبك على خلق مجال تطبيقي كاف لقراراتها السابقة الى زيادة قناعة المتعاملين في اسواق النفط العالمية بعدم قدرتها المستقبلية على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الماضي وبالتالي فان استجابة العناصر النشطة في الاسواق العالمية لقرارات المنظمة اصبحت تسير في الاتجاه المعاكس لمضمون القرار, بعبارة اخرى بدلاً من ان يسارع المضاربون في الاسواق العالمية على زيادة طلبهم من النفط في الوقت الحاضر لتلافي الزيادة المتوقعة في الاسعار المستقبلية، اصبح لديهم القناعة الكافية بعدم قدرة القرارات المتخذة على احداث اي تأثير مضاد لمصالحهم النفطية مما يضعف من ردة الفعل المطلوبة تجاه القرار, وفي هذا الخصوص نعيد التذكير بماحدث اواخر السبعينيات عندما لعبت توقعات المضاربين والمستهلكين دوراً كبيراً في زيادة الطلب على النفط وبالتالي في ارتفاع الاسعار النفطية.
ولكن عندما اثبتت التجارب ان التهديدات والقرارات المتخذة داخل المنظمة لم تعد قادرة على تجاوز حدود طاولة النقاش، اصبحت هذه التوقعات تلعب في غير مصلحة المنظمة والدول المصدرة بشكل عام.
واذا كانت العوامل المشار اليها بعاليه قد ادت الى تدهور اسواق النفط العالمية خلال عام 1998م فما الذي تغير حتى تنتعش الاسعار النفطية وتتحسن الاحوال في الاسواق العالمية خلال الفترة المنصرمة من عام 1999م؟ على الرغم من ان الكثير من المحللين النفطيين يرجعون السبب في ذلك الى الجهود الدولية التي بذلتها المملكة العربية السعودية لتحقيق التنسيق المطلوب بين الدول المنتجة للنفط داخل وخارج المنظمة كما حدث ولازال يحدث بين المملكة العربية السعودية وفنزويلا والمكسيك، الا انه يمكن ابراز بعض العوامل الاخرى التي كان لها دور رئيس في احداث النقلة النوعية التي نتمنى الا تكون مؤقتة في اسواق النفط العالمية, ولعل اهم هذه العوامل يأتي على النحو التالي:
1- زيادة الطلب العالمي نتيجة لتحسين الاوضاع الاقتصادية في الدول الصناعية وبشكل خاص في النمور الاسيوية التي استطاعت وبسرعة فائقة التغلب على مسببات الازمة الاقتصادية الحادة هذا بالاضافة الى الزيادة الكبيرة في الطلب على النفط في الدول النامية.
2- تردي الاوضاع الاقتصادية في الدول المصدرة للنفط مما دفعها الى اتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح الاوضاع في الاسواق النفطية خاصة في مجال التنسيق الدولي بين الدول المنتجة للنفط حيث لم يعد بامكان هذه الدول تحمل الانخفاض الكبير في ايراداتها النفطية.
3- التنافس الاقتصادي بين الدول ذات النفود السياسي والاقتصادي القوي مما دفع ببعض هذه الدول الى تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية لتحقيق الاتفاقات النفطية داخل المنظمة وخارجها.
4- الضغط الكبير الذي تعرضت له الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص من قبل شركات النفط الامريكية حيث تعرضت هذه الشركات الى خسائر كبيرة في الايرادات والقيمة السوقية للاسهم.
5- التقارب السياسي بين الدول الاعضاء في المنظمة وبشكل خاص بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الايرانية والذي بدوره سهل من عملية التنسيق بين هاتين الدولتين في مجال السياسات النفطية.
6- قناعة المملكة العربية السعودية بأهمية التنسيق بين المنتجين من خارج المنظمة وعدم الاعتماد على ما يتخذ داخل اروقة المنظمة حيث قادت مدعومة بثقلها الاقتصادي في مجال النفط التحرك الدولي المؤثر الذي ضم الى جانبها فنزويلا والمكسيك والذي شجع بقية المنتجين على الدخول او التجاوب مع هذا التحرك.
7- ارتفاع معدلات الالتزام بالحصص المقررة للدول المشاركة في الاتفاقات النفطية من داخل وخارج المنظمة مما ساهم في تخفيض الفائص في الاسواق العالمية والمخازن الاستراتيجية.
8- واخيرا وليس اخر الجدية الملحوظة في تحركات الدول المصدرة للنفط مما ساهم في تحسين سيكولوجية المتعاملين في الاسواق النفطية لصالح الدول المصدرة حيث بدأ العالم يشعر بأن التحركات الدولية قد نجحت بالفعل في التأثير على الاسواق النفطية كما شعر بان هذه التحركات جادة في وملتزمة في قراراتها مما دفع ببعض المضاربين والمستهلكين في الاسواق النفطية الى زيادة الطلب رغبة في تحقيق مكاسب مستقبلية او تلافي ارتفاعات اخرى مستقبلية.
ولكن في ظل هذا التحسن الملحوظ ماذا يجب على الدول المصدرة للنفط ان تفعل؟ اعتقد ان المسؤولين النفطيين في الدول المصدرة للنفط يدركون اهمية المحافظة على الاستقرار في الاسواق النفطية وبالشكل الذي يحقق مصالح الدول المصدرة ولا يضر بمصالح الدول المستهلكة وبالتالي فان من الضروري ان تعمل جهدها في التعرف على السعر العالمي الذي يحقق هذاالهدف حتى لا تنساق وراء المكاسب الوقتية التي ربما يعقبها خسائر جسيمة كما حدث في بداية الثمانينات, يجب على الدول المصدرة للنفط ان تدرك انها لن تستطيع مجابهة الدول المستهلكة سياسياً او اقتصادياً وبالتالي عليها ان تتخذ القرار المناسب الذي يرضي او على الاقل لا يغضب الاطراف ذات العلاقة ولعل تلويح الولايات المتحدة الامريكية باستخدام مخازنها الاستراتيجية لمواجهة قرارات الدول المصدرة للنفط خير دليل على ان مساحة التحرك المسموح به للدول المصدرة للنفط ليست بلا حدود, اعتقد ان من مصلحة الدول المصدرة للنفط الا تستفز الدول المستهلكة حتى تتجنب الاجراءات الحادة التي لن تقل بأي حال من الاحوال عما كان في بداية الثمانينات عندما تحركت وكالة الطاقة الدولية لحماية مصالح الدول المستهلكة.
د, مفرج بن سعد الحقباني
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية