* القاهرة- مكتب الجزيرة- محيي الدين سعيد
تعرضت العلاقات بين ايران وفرنسا - كما هو الحال مع علاقاتها بدول كثيرة في اوروبا الغربية- الى التدهور الحاد في نهاية الثمانينات بسبب قضايا حقوق الانسان وفتوى خوميني باهدار دم الكاتب سلمان رشدي التي لا تزال سارية المفعول حتى الآن.
لكن هذه العلاقات بدأت تسير في طريق التطبيع منذ ما يقارب العام، ووجدت دول اوروبا الغربية انه من الضروري فتح حوار وقنوات اتصال مع الجانب الايراني رغم ان الظروف التي سببت تدهور العلاقات لم تتغير كثيرا.
في هذا الاطار جاءت زيارة الرئيس الايراني محمد خاتمي مؤخرا الى العاصمة الفرنسية باريس التي التقى فيها بكبار المسئولين الفرنسيين وفي مقدمتهم الرئيس جاك شيراك، وهي الزيارة التي تأجلت من قبل بعد مطالبة الجانب الايراني بإجراء تعديل في البروتوكول الفرنسي الذي يرى في تقديم الكحوليات شكلا من اشكال التكريم لضيوف باريس.
وقد اقتضى انهاء هذه العقبة البروتوكولية شهرا من التفاوض بين الجانبين انتهى باعلان الجانب الفرنسي الغاء المآدب الرسمية التي تقام على شرف خاتمي وهو امر نادر في تاريخ البروتوكول الفرنسي مثلما كانت زيارة الرئيس الايراني ايضا نادرة حيث انها اول زيارة رسمية لفرنسا منذ عشرين عاما.
ورغم ان الطبيعة تدخلت ايضا ليتم تأجيل زيارة الرئيس الايراني هذه المرة لمدة ساعتين فقط كانت هي المدة التي تم فيها مواجهة عقبة الضباب الكثيف الذي احاط بطائرة خاتمي قبل هبوطها في باريس، لينتهي الامر بنزول خاتمي ضيفا على مسئولي قصر الاليزيه وليطلق منه عدة رسائل الى كل دول العالم وليس الى فرنسا فقط.
وكانت اولى الرسائل ان ايران بدأت السعي المنظم لكسر العزلة التي تفرضها الولايات المتحدة عليها وانها اختارت العاصمة الفرنسية باريس كنقطة بداية لهذا السعي ولتكون باريس هي بوابة طهران الى الاتحاد الاوروبي.
وكانت الرسالة الثانية التي حملها خاتمي ان بلاده ليست كما تصورها واشنطن للعالم كله كدولة راعية للارهاب وانما هي دولة متفتحة على العالم ورئيسها يتحدث بصدق عن الحوار بين الحضارات والتعددية.
اما الرسالة الثالثة فهي ان ايران هي طرف محايد في عملية السلام وسوف تكف عن مناوأة العملية الجارية في الشرق الاوسط، حيث اكد الرئيس الايراني ان بلاده لن تتدخل في الشئون الداخلية لاي دولة في المنطقة كما انها لن تسعى الى فرض خيارات ما على اي طرف من اطراف عملية التسوية.
ان الرسالة الرابعة فتتمثل في ان ايران تسعى لان تكون احد عناصر الاستقرار في المنطقة وقد تحدث شيراك مع خاتمي عن تقديره للتقارب الذي يتم بين ايران والسعودية، خاصة انه تقارب قد يدفع ايران الى الكف عن اثارة عدم الاستقرار في منطقة الخليج.
ولان فرنسا تعلم جيدا ان هناك صراعا حادا يدور في طهران بين الجناح المتشدد وبين الجناح المعتدل فقد بدا واضحاً حرص المسئولين الفرنسيين على انجاح زيارة خاتمي لبلادهم بل ان فرنسا اعلنت قبل 24 ساعة من الزيارة ان منظمة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الايراني لا وجود قانونيا لها في فرنسا وانه يجري تحمل وجودها الآن لان الكثير من اعضائها يحملون الجنسية الفرنسية وازداد هذا الحرص وضوحاً عندما اعلن وزير الداخلية الفرنسي بيير شفيمان عن وجود تهديدات خطيرة ضد الرئيس الايراني وهو الامر الذي كان مقدمة ثم غطاء لعمليات التمشيط والقبض التي تمت في اوساط المعارضة الايرانية، كما قامت فرنسا ايضا وقبل ايام من زيارة خاتمي بمطالبة ايطاليا والمانيا بمنع دخول المعارضين الايرانيين، وذلك فضلا عن عدم السماح لعدد من الايرانيين الذين يحملون الجنسية الكندية بالدخول الى فرنسا بعد وصولهم الى مطار رواسي.
وساهمت هذه التهيئة الفرنسية في ان يتطرق الحديث بين الرئيسين شيراك وخاتمي الى كل المجالات وكل النقاط التي كان يجب على الجانبين اثارتها في هذه الزيارة، فتحدث الرئيسان عن العلاقات الثنائية وعملية السلام في الشرق الاوسط وقضية اليهود الايرانيين الثلاثة عشر الذين اعتقلتهم السلطات الايرانية بتهمة التجسس لصالح اسرائيل، كما تحدثا عن الوضع في ايران وقضايا حقوق الانسان واحترام الحريات الاساسية.
والتقى الرئيس الايراني مع وفد رفيع المستوى من رجال الاعمال الفرنسيين حيث تباحثوا سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وزيادة الاستثمارات الفرنسية في ايران.
وتحدث خاتمي امام المؤتمر العام لمنظمة اليونيسكو بباريس عن الحوار بين الحضارات واكد ان هذا الحوار سيساهم في بناء التفاهم بين الشعوب واقرار السلام في انحاء العالم,, مشيرا الى ان الدول التي تستند إلى قوتها العسكرية والاقتصادية وتفضل منطق القوة لتحقيق اهدافها لا يمكن ان تشارك في هذا الحوار، ذلك انه لا يمكن فرض السلام من خلال الهيمنة والقوة.
ولم تخل زيارة الرئيس الايراني لباريس من بعض الاعتراضات التي تمثلت في عقد منظمة مجاهدي خلق مؤتمرا صحفيا في اليوم الثاني للزيارة في قلب باريس احتجاجا على اعتقال الشرطة الفرنسية لاعضاء المنظمة.
كما تظاهر يهود فرنسيون يتقدمهم هنرى هايدنبرج رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في باريس احتجاجا على اعتقال اليهود الثلاثة عشر, لكن المؤكد ان الزيارة سجلت نجاحا باهرا في العلاقات الفرنسية الايرانية وسوف تشهد انطلاقة كبرى في جميع المجالات حيث يتوقع فوز الشركات الفرنسية بالعديد من المشاريع في ايران رغم قانون اماتو الامريكي الذي يفرض عقابا باهظا على الشركات الاوروبية التي تتعامل مع ايران وهو القانون الذي ترى فرنسا انه ليس من حق الولايات المتحدة ان تفرضه على شركات غير امريكية.
كذلك سوف تقدم فرنسا قروضا لايران تبلغ مليارا ونصف المليار دولار لتمويل المشاريع المشتركة بينهما خلال السنوات القادمة، خاصة انه وضح ان فرنسا تريد النزول بكل ثقلها في المجال الاقتصادي الايراني.
ويتوقع ايضا ان يتم اعادة افتتاح المركز الثقافي الفرنسي في طهران قريبا خاصة ان فرنسا تعول اهمية كبرى على العلاقات الثقافية بين البلدين.
|