Tuesday 2nd November, 1999 G No. 9896جريدة الجزيرة الثلاثاء 24 ,رجب 1420 العدد 9896


قد يقود البشرية للغاب
فقدان الثقة,, داء العصر

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من جملة المميزات التي يتحلى بها هذا العصر العجيب الغريب الذي نعيش فيه فقدان الثقة بين البشر الى درجة صار المرء معها لا يثق حتى بنفسه,, كما انه اصبح لا يوجد من يثق به ثقة عمياء,, وبدون قيد او شرط مهما سمت اخلاقه ورسخت قدمه في دنيا الصدق والأمانة, فالانسان بات في نظر الناس كاذباً مخادعاً محتالاً,, حتى يثبت مع كر السنين والشهور انه على خلاف ذلك,, وهو متهم حتى تظهر براءته بعد عمر طويل,, وبعد ان يكون في غالب الأحيان قد غيبه الثرى,, وعندئذ فقط، يقال: رحمه الله,, كان رجلاً شريفاً كريماً فيتفنن الراثون والمعددون في تعداد صفاته,, والتباكي على حسن أخلاقه,, حتى ولو لم يكن على شيء من هذه الصفات.
ومسألة الثقة المتبادلة هي في رأيي من اهم شروط النهوض بالمجتمع وحين لا تكون ثقة,, لا يكون مجتمع سعيد وتعود عندئذ البشرية الى عصور الغاب حيث الذئب لا يأمن شر الذئب وحيث النمر لا يرتاح للفيل وحيث الحيوانات لا يثق الواحد فيها ببني جلدته في الغاب.
والثقة أمر هام في تعامل البشر مع بعضهم البعض في البيع والشراء ان لم تثق بالبائع فانك تساومه وقتاً طويلاً ثم تخرج معه على خلاف,, ودون ان تبتاع شيئاً,, في السياسة ان لم تكن الثقة موجودة,, من الصعب تنفيذ القانون.
في الأدب إن كنت تعرف ان أديباً او صحفياً او مصلحاً يغير مبادئه كما تغير المرأة تسريحة شعرها يحل الاحتقار له في نفسك محل الاحترام الطبيب ان لم توله ثقة كاملة فمن المستحيل ان تتداوى عنده,, وكذلك المحامي ان كنت تشك في مقدرته على تحصيل حقوقك,, ولن انسى ذلك الشاعر الذي كان ينظم قصيدة عصماء في مطلع كل انتخابات, فقد كان يحشو قصيدته مديحاً وتعظيماً بالفائز ويقول فيه ما لا يقال الا في اعاظم الرجال,, ولكنه كان يترك مكاناً فارغاً لاسم الفائز,, فإذا نجح زيد كان هو الممدوح واذا فاز خصمه كان التكريم والتقريظ من نصيبه, يسر أحدهم اليك بقصة او حادثة,, أو يروي لك حديثاً,, فأول ما يفعل في بدء القصة وآخرها ان يستخلفك بعدم روايتها لأحد,, فكأنه واثق سلفاً من عدم الثقة بك,, أو كأنه مقتنع انك ستنقل كلامه على الملأ,, أو كأنه يحثك على ان تذيع الخبر بين الناس,, لغاية في نفسه, تشترك في عمل تجاري مع احد الناس فتتلهى وانت وشريكك عن عملكما وعن ازدهاره بمراقبة كل منكما الآخر.
لي صديق اعرفه من عدة سنوات طلب مني ان ارافقه الى محل تجاري ليبتاع طقماً مثل طقمي ولاحظت ونحن نتحدث مع صاحب المحل ان صديقي العزيز يراقبني من طرف خفي ليرى ان كنت اطلب عمولة من صديقي صاحب المحل, تلعب ورقاً او طاولة زهر - النرد - او داما ,, فعليك عوض التفكير باللعب والتغلب على خصمك بأن تراقبه ان كان يغش في الورق,, (يمسك زهرا),, او يتلاعب بالفيش .
تروي قصة فعليك ان تقسم انها صحيحة فور انتهائك من سردها,, ويروي احدهم لك حادثة فتسأله على الفور صحيح .
وتبلغ الثقة ذروتها اذا احوجك الدهر للاستدانة انه مسكين من يحتاج الناس خصوصاً اذا كانوا من طائفة المرابين الأفاضل,, فالمدين بشتى التأمينات والرهونات, ولعل الثقة تبلغ ذروة البشاعة عندما تكون معدومة بين أفراد العائلة الواحدة حيث لا يثق الزوج بزوجته,, والاب بأبنائه والأخ بأخيه,, والجميع بالخادمة, والثقة مصيبة عندما تفقدها في شخص تسلمه أملاكك أو بيتك,, او شيئاً عزيزاً عليك,, وأزمة الثقة هذه اعتبرها من ابشع الأزمات التي تلحق ببعض الناس,, فأنت ان لم تكن واثقاً من نظافة الماء,, هل تشربه؟ ان لم تكن واثقاً من الطاهي,, هل تأكل طعامه؟ وان لم تكن واثقاً من متانة الكرسي,, فهل تجلس عليه؟ الجريدة ان لم تكن واثقاً من صدقها وصراحتها,, هل تنتظرها كل صباح وتتلقفها قبل رغيف الخبز؟صحيح قد تطرأ أزمات مالية,, واقتصادية,, وأخلاقية,, ولكن ازمة الثقة اشد هذه الأزمات,, بل انها تتسبب الى حد كبير في خلق الأزمات وطبيعي ان تشتد الأزمة الاقتصادية عندما تفقد الثقة بين التجار وبين الناس بين المتمول والمستدين,, وهذه الضائقة الاقتصادية المالية تجر الى أزمة اخلاقية,, فعندما يشتد الفقر تسوء الاخلاق في غالب الاحيان؟, قلة الثقة تظهر اكثر ما تظهر حين تكون مسافراً من بلد الى بلد,, وتقف على الجمارك,, ويسألك الموظف بلطف: هل تحمل شيئاً ممنوعاً؟ تجيب بالنفي,, ولكنه مع ذلك، ومع شدة لطفه يتفضل ويفتح حقيبتك,, ويبعثر محتوياتها وهو يختلس النظر اليك ليقرأ على قسمات وجهك ان كنت لا سمح الله من المهربين المحترفين,, أو من أحفاد آل كابوني ,انعدام الثقة يظهر واضحاً جلياً بين الرئيس والمرؤوس,, وهؤلاء مفروض فيهم ان يثق كل واحد منهم بالآخر ثقة عمياء,, حتى تستقر الأمور,, وتصلح الاحوال, وثقت بسائق سيارة طالما تعاملت معه، وطلبت اليه ان يوصلني الى مكان قريب وتصنعت الاستقراطية ولم اساومه,, فطلب مني خمساً وعشرين ريالاً,, بينما الأجر الحقيقي لا يتجاوز العشر ريالات,إن انعدام الثقة بين الناس من اشد امراض العصر فتكافىء المجتمع,, واذا انعدمت الثقة ساءت الأحوال,, أين تجد اليوم - كما في الماضي - من يأتمنك على ماله وعرضه وأولاده, اين الذي ان عرفك في ضيق جاءك عارضاً المساعدة والمساهمة بأي مبلغ من المال, دون ثناء او كفالة؟
لقد انعدمت الثقة الى درجة تنكر معها الناس غالب الناس للصداقة والاخلاق العربية التي كانت مضرب المثل بين الشعوب من ايام السموأل وحاتم وجعفر,, وغيرهم من الاعراب الأشاوس.
بقيت كلمة اخيرة,, وهي ان انعدام الثقة إن كان امراً مكروهاً,, فالحذر واليقظة,, وعدم الثقة ثقة عمياء صفات هي على العكس مطلوبة ومحبوبة في هذا العصر المريض.
مالك ناصر درار
المدينة المنورة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
محاضرة
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved