الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
مما لا شك فيه أن الاجتماع والائتلاف أمران مطلوبان شرعا كما قال الله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) وضدهما الافتراق والاختلاف أمران مذمومان شرعا ، وههنا بعض الاسباب التي يمكن أن تقي المسلمين من الافتراق والاختلاف:
الأمر الاول:ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره، وان كان من علم الشريعة , فمنه ما هو مطلوب نشره وهو غالب الشريعة، ومنها ما لا يطلب باطلاق، أو يطلب نشره بالنسبة الى حال ، او وقت ، أو شخص ، فانه وان كان حقا فانه قد لا يحسن فهمه على الوجه الصحيح عامة الامة ، وقد جاء في الصحيح عن علي وابن مسعود : "حدثوا الناس بما يفهمون وفي لفظ:"بما يعقلون "أتريدون ان يكذب الله ورسوله ",
وفي حديث معاذ في الصحيحين :(( أفلا أبشر الناس ؟قال: لا تبشرهم فيتكلوا)) الحديث.
وفي البخاري عن ابن عباس وعبدالرحمن بن عوف قال:"قال لو شهدت امير المؤمنين(عمر ) اتاه رجل فقال: ان فلانا يقول: لو مات امير المؤمنين لبايعنا فلانا,فقال عمر : لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون ان يغضبوهم ، قلت لا تفعل فان الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون على مجلسك ، فأخاف ان لا ينزلوها على وجهها فيطيرها كل مطير، وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة ، فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والانصار ، ويحفظوا مقالتك ، وينزلوها على وجهها ، فقال: والله لاقومن في اول مقام أقوم فيه بالمدينة ".
الامر الثاني: أن لا يذكر للمبتدىء من العلم ما هو حظ المنتهي ، بل يربى بصغار العلم قبل كباره ، قال ابن عباس في قول تعالى :( كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) الآية,قال:"يربون الناس بصغار العلم قبل كباره "رواه البخاري.
الامر الثالث: الاعتناء بقاعدة: سد الذرائع ، وهي نوعان: احدهما: أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته ,الثاني : ان تكون مفسدته راجحة على مصلحته ، فهو هنا أربعة اقسام :
1 وسيلة موضوعة للافضاء الى المفسدة كشرب المسكر المفضي الى مفسدة السكر , والزنى المفضي الى اختلاط الانساب وفساد الاعراض,
2 وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوصل الى المفسدة ، مثاله : كمن يريد النكاح قاصدا به التحليل,
3 وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوصل الى المفسدة لكنها مفضية اليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها ، كالصلاة في أوقات النهي ، وتزين المتوفي عنها زوجها في زمن عدتها .
وسيلة موضوعة للمباح ، وقد تفضي الى المفسدة ، ومصلحتها أرجح من مفسدتها ، كالنظر الى المخطوبة , وفعل ذوات الاسباب في أوقات النهي ,
وههنا بعض الامثلة من الكتاب والسنة على ذلك :
1 - قال تعالى :( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) الآية, فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب انما هو لله ، واهانة لآلهتهم لكونه ذريعة الى سبهم الله تعالى، وكان مصلحة ترك مسبته تعالى، أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم ، وهذا كالتنبية، بل كالتصريح لمنع الجائز سببا لفعل ما لا يجوز,
2 - قوله تعالى لكليمه موسى وأخيه هارون : (اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى ) , فأمر تعالى أن يلينا القول لأشد أعدائه كفرا وأعتاهم , لئلا يكون اغلاظ القول له مع انه حقيق به ذريعة الى تنفيره وعدم صبره لقيام الحجة , فنهاهما عن الجائز لئلا يترتب عليه ما هو اكره اليه تعالى ,
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة ، لئلا يكون ذريعة الى تنفير الناس عنه ، وقولهم أن محمدا يقتل أصحابه ، فان هذا القول يوجب النفور عن الاسلام ممن دخل فيه ، ومن لم يدخل فيه ، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم ، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل,
4 - أنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد وأمرهم بالعفو والصفح ، لئلا يكون انتصارهم ذريعة الى ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الاغضاء واحتمال الضيم، ومصلحة حفظ نفوسهم ودينهم وذريتهم ، راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة ,
5 - نهيه عن قتال الامراء والخروج على الأئمة وان ظلموا ، أو جاروا ما اقاموا الصلاة ، سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع ، فانه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم ، اضعاف أضعاف ما هم عليه من منكر ، والامة في بقايا تلك الشرور الى الآن ، وقال عليه الصلاة والسلام :(( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )) متفق عليه , سدا لذريعة الفتنة ,
ونحن في هذا البلد المبارك قد أنعم الله علينا بنعمة الاجتماع في الدين ، حيث ولي أمرنا يحكم بيننا بالكتاب والسنة ، وعلماؤنا على منهج الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة .
أدام الله نعمة الاجتماع على هذه البلاد ووقاها شر الافتراق والاختلاف وحفظ الله ولاتها وعلماءها وشعبها وجميع المسلمين .
والله الموفق ،،،،،،
* المدير العام لفرع وزارة الشؤون الاسلامية بمنطقة حائل.