الحمد لله وبعد :
فإن الوظيفة أمانة يسأل عنها الموظف يوم القيامة لقوله - صلى الله عليه وسلم-: إنها أمانة وإنها خزي وندامة يوم القيامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها - رواه مسلم - فمن حقها:
أ - الا تسند إلا لمن هو اهل لها مؤتمن عليها: (إن خير من استأجرت القوي الأمين) ومتى ما أسندت إلى غير كفؤها كان ذلك تقصيراً في الامانة وإمارة على قرب قيام الساعة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- سئل: متى الساعة؟ قال: إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير اهله فانتظر الساعة رواه البخاري، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم-: إنا لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه متفق عليه.
ب - ومن حقها ان ينصح الموظف للأئمة المسلمين وعامتهم فإن الدين النصيحة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يأخذ على اصحابه عند البيعة النصح لكل مسلم والنصيحة: حيازة الحظ أو الخير للمنصوح لها ومن معانيها السلامة من الغش والخيانة.
ج - ومن حقها الرفق بالمراجع باعطائه ما يستحق وصرفه واقناعه بالبرهان عما لا يستحق دون ان يكلف اعباء مالية للاسفار او الانتظار وتكرار المراجعة فيما لا طائل تحته قال - صلى الله عليه وسلم-: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة متفق عليه، وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة ولا يسيأن الموظف معاملة مراجعيه ولو أساؤوا إليه فإن كظم الغيظ والعفو عن الناس من اسباب السبق إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين، وليتذكر الموظف العاقل حسن معاملة يوسف - عليه السلام - لاخوانه حتى شهدوا بفضله واحسانه قائلين: (إنا نراك من المحسنين) مع انهم قد أساؤوا إليه ابلغ الاساءة حيث فرقوا بينه وبين أبويه وألقوه في غيابة الجب وباعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين وقالوا لأخيه الذي هو اصغر منه إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل - يعنون يوسف عليه السلام - فأي اساءة إلى مسؤول اعظم من ذلك ومع ذلك اجابهم يوسف - عليه السلام - بقوله: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين).
ومن حقها ألا يحبس الموظف المعاملة عنده مدة ليتشفى من مراجعه او ليقدم معاملة صديق له او لغير ذلك من الاسباب فإن ذلك من الظلم العظيم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم-: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب متفق عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم-: إن الله ليملي للظالم - يعني يتركه بعض الوقت تغريراً به - حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
ومن حقها ان يحفظ مال الوظيفة ويؤديه بكل امانة وألا يقبل هدية على عمله من مراجع او غيره من عامة الناس فإن ذلك رشوة ادلة حكمها فقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم- رجلا على الصدقة فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم- من جباية الصدقات قال: هذا لكم وهذا أُهدي إليّ فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: اما بعد فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا جلس في بيت أبيه، وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة إلخ متفق عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم-: من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره فما أوتي منه اخذ وما نهي عنه انتهى رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم-: من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولا يأتيه يوم القيامة .
ومن حقها ان يحتسب وقت دوامه في الوظيفة عبادة واجبة عليه لله تعالى يرجو ثوابه عند الله تعالى وان يمضي وقت الدوام كله في الاصلاح والاحسان واعانة صاحب الحق على تحصيل حقه وكف الظالم عن ظلمه وما لا يستحقه مع الرحمة بالصغير والمرأة واجلال ذي الشيبة المسلم والمسكين والغريب والضعيف ونحوهما فإنما يرحم من عباده الرحماء، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه.