*تحقيق: عبدالله الأسمري مكة المكرمة
إن الله عز وجل يخلق ويصطفي ويجتبي ما يشاء من خلقه عز وجل، قال تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار فله وحده الحكمة البالغة فيفضل بعض خلقه على بعض، ومن ذلك تفضيله تعالى لبعض الأيام والشهور كيوم عرفة ويوم الجمعة ويوم النحر ويوم عاشوراء وليلة القدر وشهر رمضان، وجعل من الشهور أربعة حرم إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم,, الآية التوبة 36 .
وما نحن بصدده في هذا التحقيق هو ما يظنه بعض الناس ويبتدعه في بعض المواسم والشهور والأيام ولم يأمرنا الشارع سبحانه وتعالى أو نبينا صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك، ومن هذه الأيام والشهور شهر رجب وشعبان وغيرهما فترى من يخص شهر رجب بصيام أو عمرة ويسمونها الرجبية ومنهم من لا يزكي إلا في رجب ومنهم من يخصه بصلاة أو يعمل فيه أعمالاً تعد من أعمال الجاهلية.
تعريف البدعة
في البداية يقول الشيخ عثمان بن مسفر الزهراني رئيس هيئة مكة المكرمة المساعد معرفاً البدعة: تطلق البدعة في اللغة على الشيء المخترع على غير مثال سابق، أما اصطلاحاً:فقد عرفها الشاطبي رحمه الله بقوله: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه كتاب الاعتصام ج1/36 فالمعنى اللغوي إذا أعم وأشمل من المعنى الشرعي.
يقول ابن حجر رحمه الله : فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً فتح الباري ج/13/253 ففي اللغة إذا بدعة حسنة وبدعة سيئة، أما في الشرع فليس فيه بدعة حسنة بل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ,, وكل بدعة ضلالة حديث صحيح رواه مسلم، ودين الله جل وعلا كامل لا يحتاج إلى من يبتدع فيه، قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي المائدة آية 3 .
بدع رجب
وحول هذه البدع ومواسمها يقول رئيس هيئة مدركة ورهاط الشيخ عياد المباركي: هناك بعض الأشهر والمواسم والأيام ظن الناس أن لها مزية ولم يرد ذلك على لسان الشارع, ومن ذلك ما يعتقده البعض في شهر رجب من اعتقادات باطلة,, يوردها الشيخ المباركي في النقاط التالية:
أولاً: معنى شهر رجب:
سمي رجب بذلك لأن الجاهلية كانوا يرجبونه ويعظمونه ويتركون القتال فيه من قولهم رجل أرجب إذا كان أقطع لا يمكنه العمل.
ثانياً: مكانة رجب بين الشهور:
شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله عز وجل فيها: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم الآية 36 التوبة, وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم وثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر الذي بين جماد وشعبان .
ثالثاً: بعض البدع التي تحدث في شهر رجب ويعتقده الناس:
1- إن في الجنة نهرا يقال له: رجب ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل.
2- من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر.
3- اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.
4- رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.
5- فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار.
6- من فرج على مؤمن كربة في رجب أعطاه الله تعالى في الفردوس قصراً مد بصره.
7- في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان كمن صام مائة سنة وقام مائة سنة.
8- من صلى السابع والعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة حط الله عنه ذنوب 60 سنة، وهذا استدلال أهل البدع فهذه الأحاديث ضعيفة لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
رابعاً: ما يتعلق بشهر رجب من أحكام:
1- القتال في رجب كان ممنوعاً ثم نسخ المنع وأصبح القتال في رجب مباحاً.
2- كان الناس في الجاهلية يذبحون لهذا الشهر تعظيماً له وتسمى تلك الذبيحة بالعتيرة فجاء الإسلام فأبطل ذلك كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا فرع ولا عتيرة رواه البخاري.
ليلة الإسراء
من جهته تحدث فضيلة مدير إدارة القضايا والتحقيق بفرع الرئاسة العامة بمنطقة مكة المكرمة الشيخ/ أحمد بن قاسم الغامدي مستشهداً بقوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وقال تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله,, وقال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد رواه مسلم, وقال: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة , قال ابن رجب: ينبغي أن تكون أعمال العاملين تحت أحكام الشريعة وتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جارياً تحت أحكام الشرع موافقاً لها فهو مقبول ومن كان خارجاً عن ذلك فهو مردود جامع العلوم ج 1/177 فكل ما أُحدث مما لا أصل له في الدين يدل عليه، فهو بدعة مردودة وضلالة والدين بريء منه .
ليلة الإسراء والمعراج لم تثبت شرعاً
يؤكد بعد ذلك فضيلة رئيس هيئة القنفذة الشيخ أحمد الشمراني أنه من العجب أن نرى البعض يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج، حيث إن هذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها ولله الحكمة البالغة ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم إما بالقول أو بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عنه صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا من شيء في الدين بل هم السابقون لكل خير فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه والنبي صلى الله عليه وسلم أنصح الناس للناس وبلغ الرسالة غاية البلاغ وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليس من الإسلام في شيء.
وفي ختام حديثه يدعو الشمراني كل صاحب بدعة أن يتوب إلى الله عز وجل ولا يكون سبباً في احداث في هذا الدين ما ليس منه ويكون بذلك مخالفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فينطبق عليه قوله تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون وينطبق عليه ما ورد فيه حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا .
ليلة النصف من شعبان
ويمسك بالحديث مرة أخرى فضيلة مدير عام القضايا الشيخ أحمد الغامدي فيقول: إن أكثر مما يقع الناس فيه من البدع الاحتفال بليلة النصف من شعبان وذلك بسبب الجهل بأحكام الشرع وبسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتشبهاً بالملل الأخرى من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم,, مشيراً إلى أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بصيام يومها وقيام ليلها، عمل لم يأذن به الشارع الحكيم ولا عمل هو به ولا أحد من أصحابه، وإنما أحدثه المتأخرون من العباد حتى بالغ الناس فيها وجعلوا لها صلاتاً وأذكاراً وطقوساً، فتصدى علماء الإسلام وأنكروا على الناس إسراعهم في احياء هذه الليلة فقد قيل لابن أبي مليكة إن زياداً يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته.
وعن زيد بن أسلم قال: ما أدركنا أحداً من مشايخنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ولا يرون لها فضلاً على ما سواها، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول,, .
وحسب المسلم أن يكون متبعاً لهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال عز وجل: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
وقال سبحانه: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا , وأما بالنسبة إلى ما ورد في فضل الصلاة فيها أو احيائها فكله موضوع أو ضعيف.
ويستشهد الشيخ الغامدي بما قاله العلامة الشوكاني في الفوائد المجموعة والحافظ العراقي في تخريج الأحياء والنووي في المجموع، وجمال الدين القاسمي في اصلاح المساجد ولا ينافي ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: يطلع الله تبارك إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع الخلق إلا لمشرك أو مشاحن صححه الألباني في السلسلة الصحيحة, ويرشد إلى حق الله عز وجل بتوحيده ونبذ الشرك عنه والى حق العباد بترك الشحناء والبغضاء بينهم.
أضرار البدعة
ومن جهته يضيف رئيس مركز هيئة محافظة الخرمة الشيخ ثواب بن هادي السبيعي، قائلاً: إنه لا يخفى على ذي لب وبصيرة أضرار البدع وأثرها السيىء على عقيدة المسلم من حيث هو فرد أو جماعة وذلك من خلال التلبيس على عقول بعض البسطاء وذلك بتصوير الأباطيل حقائق وتحسين البدع وجعلها مقبولة في بعض المجتمعات أو الطبقة التي لا تفهم من دينها وعقيدتها إلا القليل وذلك يتم باسم محبة الدين ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام مما لا أصل له في الدين وما أنزل الله به من سلطان كالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في شهر رجب مثلاً أو غيره من الشهور أو كالاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم فإنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه احتفل لنفسه أو أقر شيئاً من ذلك على عهده أو فعله السلف الصالح من بعده وهم خيار الأمة وقدوتها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ويصدق ذلك قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ، وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وعن العباس بن معاوية, قال: وعظنا رسول صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا: قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة لأولي الأمر منكم وإن تأمر عليكم عبد حبشي رأسه كأنه زبيبة، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
الشاطحون عن جادة الحق
من جهته نبه رئيس مركز هيئة محافظة الجموم الشيخ فريد مكاوي إلى قضية الاستدلال وطرق استنباط الاحكام والمناهج والمبادئ التي هي من أهم قضايا المنهج والتي تعتبر هي من أهم مفترق الطرق بين أهل السنة والجماعة وأهل البدعة والضلالة, فقد تميز منهج أهل السنة والجماعة ككل وفي كل القضايا بالمنهجية الواقعية المنهج الذي يستقي أحكامه ومنهاجه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما أهل البدع فإنهم قد ضلوا ضلالاً بعيداً وشطحوا عن جادة الحق والصواب وإن ادعوا أنهم يستقون هذا من نهجهم من الكتاب والسنة.
فكل يدعي وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاك
ويستعرض الشيخ مكاوي أهم ملامح منهج أهل البدع في الاستدلال فيقول: كل ما هو خارج عن منهج أهل السنة تجد منهم عنده تكلفا في الاستدلال على معتقده وعمله هذا، فهو يناقض بعضه بعضاً في مواطن بعكس أهل السنة فإنهم لا يتكلفون ذلك، وذلك لوضوح أصولهم وعصمتها فالكتاب والسنة والاجماع مصادر معصومة من الزلل إذا فالخلاف بين أهل السنة وبين أهل البدعة ليس خلافاً جزئياً أو فرعياً بل هو خلاف في الأصل، ناهيك عن الأخلاق والسلوك والأعمال وتكمن أهمية هذا الموضوع في أن الخلاف قد ينشأ في جزء من جزئيات الأصل فيتولد الخلاف حتى يطيش صاحبه كالمعتزلة مثلاً فقد كان الخلاف بينهم وبين أهل السنة خلافاً لفظياً في مبدئه فتطور هذا الخلاف حتى أصبح لهم منهج له قواعده وأصوله، وذلك انما هو بسبب التهاون ببدايات الخلاف والجهل بالأصول التي كان عليها أهل السنة والجماعة.
وأهل البدعة لهم منهج في الاستدلال على معتقداتهم وأعمالهم حيث تميز المبتدعة على اختلاف فرقهم بالتقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعدم تعظيم ما جاء في الكتاب والسنة.
الشيخ المباركي,, رئيس هيئة مدركة ورهاط:
أهل البدع استدلوا بأحاديث ضعيفة لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في عظم هذا الشهر
|