الحمد لله الذي جعل رابطة الإسلام فوق كل رباط وما عداها مآلها الاندثار والانقطاع، احمده سبحانه واشكره ان رتب على تآلف القلوب وسعادة الدنيا والآخرة وأي تآلف على غير محبة الله فمداه قريب، ووقته قليل، وعما قليل يزول، وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له القائل: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين، يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا انتم تحزنون، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين).
واشهد ان محمداً عبده ورسوله الذي أنار برسالته قلوب من آمن به، وجمع بين شتاتهم فهو رحمة للمؤمنين وحجة على المعتدين، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم سنته، وأوضح بهم طريقته حيث ساروا عليها متآلفين متعاونين يجتنب كل منهم ما يؤذي الآخر ويضره.
أما بعد:
فيا أيها الناس,, اتقوا الله، وكونوا مع الصادقين في تقواه والعاملين بما يحبه ويرضاه، طامعين في رحمته خائفين يوم لقاه، يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن.
عباد الله,, إن الواجب على المسلم تنفيذ حق الله عليه امراً ونهياً، مما يتصل به سبحانه او يتصل بخلقه، وما يتصل بخلقه نُهِيَ المسلم عن فعل كل ما يؤذي اخاه المسلم او يضره مما يسبب الحقد في قلبه عليه، فالإسلام دين عبادة، دين معاملة، دين أخلاق، قال صلى الله عليه وسلم في حسن المعاملة بينك وبين اخيك المسلم: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) فهذا النهي عن ان تقول للمشتري بعد شرائه أبيعك أقل من هذا ثمناً او اعطيك سلعة اجود من سلعته.
فالواجب عليك اجتنابه بعد بيعه، ومثل ذلك الاستئجار، فلا يصح ان تقول للمستأجر بعد استئجاره من اخيه، عندي لك بيت اقل من الأجرة، او تعيب ما استأجره او ما اشتراه، فتؤذيه اذا جعلته غير صالح، او تؤذي البائع ان اراد المشتري او المستأجر محاولة الرد وبطلان العقد.
ومثل ذلك ان تعطي العمال اجرة اكثر ممن يشتغلون عنده ومستمرون معه فلربما افسد عمله عليه لا سيما ان كان قد تعب في التماسهم واجتلابهم، كما ان الواجب على العمال الوفاء بعقدهم وعهدهم، وان لا يخلوا بعملهم وان ينكروا على من اراد ان يعطيهم زيادة على اخيه، وان يذكروه بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فلو كنا نعمل عندك فهل ترضى ان يزيدنا احد غيرك فنترك عملك، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع بعضكم على بيع بعض).
الشراء اي لا يشتري احدكم على شراء اخيه بمعنى لو باع احد سلعة بمائة تأتي تقول انا اشتريها بمائة وعشر، ومثله (السوم) فلا يسم بعضكم على سوم اخيه وذلك اذا أعلن عن بيع السلعة فسامها احد اخوانك المسلمين الى سومه، وهم ببيعه فلا تزد، اما اذا لم يرض بالسوم وطلب الزيادة فلا مانع ان تزيد ومثل ما تقدم (الخِطبة) قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يَخطِب أحدكم على خطبة أخيه إلا أن يأذن أو يترك) بمعنى اذا خطب احد المسلمين له زوجة فركنوا اليه، فلا يحل لك ان تخطب حتى يأذن او يترك، وكذلك لا يحل لامرأة اخرى او وليها ان يأتوا اليه ويقولوا نزوجك احسن مما خطبت كل ما تقدم يا عباد الله، من حق المسلم على المسلم فحقه عليك تفرحه ولا تحزنه، وأن تؤمنه ولا تخونه قال عمر بن عبدالعزيز: (اجعل كبير المسلمين عندك أباً وصغيرهم ابناً، وأوسطهم أخاً).
وقال بعض العلماء: (ليكن حظ المؤمن منك ثلاث: إن لم تنفعه فلا تضره، وان لم تفرحه فلا تغمه وإن لم تمدحه فلا تذمه).
فما اعظم الإسلام واهله اذا اخذوا بتعاليمه، وسموا بأهدافه وآمنوا بغاياته.
فاتقوا الله أيها المسلمون لعلكم تفلحون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا كأنما يصعدُ الى السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون، وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذّكرون).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.