* كتب - المحرر
لم يعد خافياً على احد ماتعانيه الاقليات والجاليات المسلمة- خاصة المقيمة داخل المجتمعات الغربية- من مشاكل في التأقلم مع عادات وتقاليد هذه المجتمعات، دون التخلي عن العديد من القيم والتقاليد الإسلامية، كارتداء الحجاب والزي الاسلامي، ومشكلة الاختلاط خاصة في المدارس، والذبح على غير الطريقة الاسلامية، والخضوع للقوانين الوضعية التي تصطدم مع احكام الشريعة الإسلامية السمحة.
ومع اهمية وحتمية العمل على حفظ هوية هؤلاء المسلمين، تعالت الاصوات التي تنادي الى توحيد جهود علماء الامة في ايجاد فقه معاصر يستقي فتاواه من روح السنة النبوية الشريفة.
وامام هذا المطلب الحيوي والعاجل، رأت الجزيرة الالتقاء مع عدد من المختصين بالعمل الإسلامي لبحث أهمية وكيفية ايجاد هذا الفقه.
بداية الظاهرة
المتحدث الاول كان الامين العام للمجلس الأعلى للشؤون الاسلامية الدكتور صالح بن حسين العايد الذي يرى ان العيش في غير بلاد الاسلام ذو خطر عظيم على المسلم، ولذلك منع الدين الحنيف الاقامة في بلاد الكفار إلا لضرورة، وبشروط قاسية.
وقال: لكن الضروات اليوم كثرت، وتنوعت، فألجأت الى وجود جاليات مسلمة في تلك البلاد، بل واصبح يدخل في دين الله افواج من غير المسلمين، فنتج عن ذلك ظاهرة بارزة تمثلت في وجود أقليات مسلمة في مجتمعات كافرة تخضع لانظمة وقوانين مخالفة للتشريع الإسلامي، كما انها تقوم على عادات وتقاليد غير منسجمة مع الشريعة الغراء، ولذلك قد يبدو امامها الالتزام بأحكام الاسلام عسيراً على المتمسك بها، وغريباً في عيون غير المسلمين، ومن هنا بدا الملتزم بدين الحق كالقابض على جمر، فطوبى له ولإخوانه الغرباء.
واضاف الدكتور العايد قائلاً: ثم انه اذا لم يقع في الحرام فلا شك في انه سيستنشقه، لان الحرام اطبق على البر والبحر والجو، فالربا في كل مجال، اذا اودع المسلم ماله في بنك او مصرف فعقده مشتمل على الربا، وان اراد قرضاً فلابد من الربا، واذا اراد بناء منزل فلا محالة من الربا، وان استخرج بطاقة ائتمانية فالربا يترصده، وهل يستطيع في تلك البلاد احد ان يحمل في جيبه او يختزن في بيته نقوداً؟ واذا سلم من الربا فهل سيسلم من التأمين؟ لا يستطيع ان يشتري سيارة او يقودها بلا تأمين، ولابد من التأمين الصحي,, الخ.
استيراد الفتاوى الجاهزة
ثم قال: وحيث ان كثيراً من الأقليات الاسلامية يندر فيها العلماء الذين ترجع إليهم في الفتوى حول المستجد في نوازلها، لم يكن لها بد من استيراد الفتاوى الجاهزة من علماء الإسلام في بلاد الاسلام، كما نستورد نحن المسلمين في بلاد الاسلام المخترعات الغربية والشرقية، فنتكيف معها، وليس لازماً ان تكون هذه الأشياء ملائمة لنا، وكذلك شأن اخواننا من الأقليات الاسلامية، تصلهم الكتب والاشرطة المحتوية على الفتاوى التي روعيت فيها مجتمعات واجواء تختلف عن المجتمعات والاجواء التي انتقلت إليها, ومن هنا بدت تلك الفتاوى محتاجة الى التلاؤم مع الظروف المستجدة، وما احوج المفتي حينئذ الى ان يحيط بأحوال المستفتين!
وما اشد حاجة المستفتين الى من يفتيهم بما جد عليهم مما يعرف بفقه النوازل.
واكد الدكتور العايد بأنه شاهد كثيراً من العلماء والطلاب الذين قدموا الى الولايات المتحدة الامريكية في جولات على المراكز الاسلامية، خلال فترة عمله بادارة معهد العلوم الاسلامية والعربية في واشنطن، وعرف منهم انهم واجهوا نوازل تحتاج الى فتوى خاصة، وكل من عاش في بلاد الغرب ادرك الحاجة الى فتاوى خاصة بالمغتربين.
واشار الى ان فضيلة الشيخ/ صالح بن منصور الجربوع مدير مكتب الدعوة في أمريكا آنذاك قد بادر بالفعل الى جمع النوازل الخاصة بالأقليات الاسلامية، وعرضها على عدد من علمائنا شارحاً لهم الأحوال الدقيقة والظروف المحيطة بمكان المستفتي، واجتمعت لديه فتاوى جديرة بالنشر والتوزيع.
واختتم الامين العام للمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية حديثه بقوله: ومما سبق تتضح ضرورة معايشة المفتي احوال المستفتين حقيقة باقامته بينهم، او حكماً بان يتصورها تصوراً كاملاً على الاقل قبل ان يصدر فتواه، والله اعلم واحكم.
يلزمنا دراسة للأولين
ومن جهته اكد الشيخ محمد صفوت نور الدين رئيس جماعة انصار السنة المحمدية بمصر ان النبي _ نهى عن التبدي، ونهى ان يقيم المسلم بين ظهراني المشركين، لذا فإن المسلم لا يقيم بين المشركين إلا لحاجة او ضرورة فإذا انقضت الحاجة تجارة او طلب علم لايجده في بلاد المسلمين او زالت الضرورة عاد الى بلاد المسلمين.
واضاف فضيلته بأن المسلمين قديماً كانوا يخرجون الى بلاد الكفر بتجارتهم، ليستغنوا بالتجارة عن دنيا الكفار ويدعوهم الى دينهم، فانتشر بهم الاسلام لعملهم بدينهم بغير موالاة ولا مداهنة، فما كانوا يحتفلون مع المشركين باعيادهم، ولا يشابهونهم في زيهم، ولايرتكبون محرماتهم من شرب خمر او تعامل بالربا او تبرج النساء.
وقال الشيخ نور الدين: ومن المسلمين من عاش في مجتمعات كافرة، فقد بقوا ثلاثة عشر عاماً في مكة بين المشركين، وهاجر من هاجر الى الحبشة فبقوا فيها سنين طويلة منها ست سنين بعد الهجرة، بخلاف السنوات التي كانوا فيها بالحبشة قبل هجرة المسلمين، الذين بقوا قبل صلح الحديبية في قبائلهم مثل دوس وغيرهم، ولم يهاجروا إلا في العام السابع للهجرة وكانت احكام الشرع يعملون بها.
واكد فضيلته: ان دراسة احوال هؤلاء المسلمين الاوائل من الامور اللازمة للتعرف على ماشرع الله لهؤلاء، وماقاله لهم الرسول _ فيما سألوه عنه، وذلك حتى يمكن تدوينه في كتب خاصة، تكون زاداً لمن يقيم في بلاد الكفر، ليتعرفوا كيف يعملون في غربتهم، وحتى لا يعملوا إلا بشرع صحيح، ويقتدوا في ذلك بهدي الاسلام القويم.
مقولة لا تستند إلى أساس
المتحدث الثالث كان رئيس المجلس الإسلامي في المانيا الاستاذ صلاح الدين الجعفراوي الذي استهل حديثه قائلاً: كلنا يعلم ان الامام الشافعي -رضي الله عنه- غيّر بعض فتاواه عندما انتقل من العراق الى مصر,, ونحن في اوروبا انتقلنا من بلاد المسلمين الى بلاد تختلف تماما في عاداتها فضلاً عن دينها عن الاسلام، وعليه فإننا نتعرض الى العديد من المشاكل اليومية لايتسع المجال لشرحها او تفصيلها، وبالتالي لابد من السعي لدعم علماء المسلمين لايجاد فقه يعالج تلك القضايا دون المساس بالاصول والالتزام بسنة المصطفى _.
واضاف الجعفراوي بقوله: ان السلطات المحلية تطالب الاقليات الاسلامية بالاندماج في المجتمعات الغربية، ونحن كمسؤولين عن قطاعات من هذه الاقلية نقول انه لابد من الاندماج الايجابي الذي يحافظ على الاصول,, فلا ننسلخ من قيمنا ونلتزم بديننا.
واوضح رئيس المجلس الاسلامي في المانيا ان المجتمعات الغربية بها العديد من الجوانب الجيدة التي تعتبر من أسس الاسلام، كالحفاظ على الروح والعدل والحفاظ على البيئة والالتزام بالوقت والنظافة,, الخ,,فلماذا لا تسعى الاقليات الى الرقي بمستوى الالتزام بهذه القواعد مع الالتزام بقيمنا الاسلامية التي ستعمل حتماً على النهوض بهذه المجتمعات من الناحية الروحية، والاجتماعية، والاخلاقية؟
ثم قال الجعفراوي: ان المقولة التي تدعو المسلمين المقيمين في الغرب الى العودة الى البلاد الاسلامية، وترك الغرب لا تستند الى أي أساس، فأين هي المناطق التي تستطيع استيعاب هذه الملايين؟ وما العمل بأبناء الاجيال الثاني والثالث الذين يعتبرون أوروبيين، ويعول عليهم الشيء الكثير في بناء مجتمعهم؟ بل ومنهم من بدأوا بالفعل يأخذون ادوارهم في هذه المجتمعات كأعضاء في البرلمان والادارات المختلفة، وممكن ان يعدلوا مستقبلاً في سياسة هذه الدول.
واردف الاستاذ الجعفراوي قائلاً: انها ليست مقولة تقال ويظن قائلها انه اعطى الحل، فقضية الاقليات المسلمة في الغرب تحتاج الى بحث متأن ومستفيض، وعلاج هادىء لكافة القضايا التي تعترضها، ونحن نحتاج بالفعل الى فقه يتناسب وواقع هذه الاقليات ويراعي ظروفها ويعالج مشاكلها بشيء من التدبر.
واختتم الاستاذ صلاح الدين الجعفراوي حديثه بقوله: ولعل المجال يتسع مستقبلاً لبحث بعض هذه القضايا بشكل من التفصيل.
|