* كانت خطواتنا الأولى في رحاب الجامعة خطوات وجلة مشفقة.
* فالدراسة الجامعية كانت تحيط بها في أذهاننا هالة من الغموض المهيب, كنا نتصور اساتذة الجامعة مخلوقات مترهبة,, تمشي الهوينى، متسربلة أروابها السوداء،
محملقة من خلف نظاراتها السميكة،
متمتمة أورادها العلمية الغامضة،
* وكنا ننظر الى المحاضرات موضوعا وقاعات على أنها أبوابنا المفتوحة على مصاريعها الى ساحات الحكمة والعلم والنضج الشخصي.
* لقد اعتقدنا حينذاك أننا خلفنا وراءنا شقاوة الفلكة والمعكارة وعبث الصبية، وهذرهم،
واننا مقبلون على عالم جديد,.
مزدحم بالآمال، والمطامح، والتطلعات، والحكمة المفرطة.
* أخذنا نتحسس طريقنا في أروقة كلية التجارة، وقاعاتها، متعرفين على معالمها المادية، وأعلامها البشرية.
بدءاً بأبي زامل ، فرّاش العمداء الشهير،
وانتهاء بالأستاذ حسين السيد عميد الكلية الأكثر شهرة ورهبة.
* استوعبتنا الجامعة حياة، وعلما،
وزمالة طيبة مباركة نعتبرها من أثمن ما قدمته لنا,.
وكل ما قدمته الجامعة لجيلنا، وأجيال سبقت وأخرى لاحقة ثمين,, وجليل.
* لقد أحضرت تلك الرفقة الطيبة الى ظلالها الوارفة أبناء الوطن الكبير من انحائهم المتباعدة، والنائية
وصهرتهم
ومزجت لهجاتهم، وأمزجتهم، وأهازيجهم ومشاعرهم، وأفكارهم.
* كنا نجتمع فتختلط في مطابخنا نكهات السليق، والجريش، والهريس، والمشخول
وكنا نسمر : فتتعالى أصواتنا بالسامري,, والمزمار، ومواويل الصيد الخليجية.
* استطاعت الجامعة ان تجمعنا في عاصمة الوطن،
فعززت الانتماء الأشمل،
وعصفت بالمحليات الضيقة،
ورسخت في سنوات الشباب الخصبة الدعائم الفكرية والعاطفية للوحدة الأنموذج.
* من هذا المنطلق كانت ومازالت مشاعرنا قوية,, دائمة تجاه جامعتنا الأم، وتجاه جامعاتنا جميعا حين تجمع القلوب,, ولا تكتفي فحسب بتجميع العلوم والأفكار.
ومن هذا المنطلق يأتي اقتراحي بأن يتبنى التعليم العالي في بلادنا سياسة تتيح لشبابنا
بل وتجبرهم ان لزم الأمر
على الانتقال والتجوّل في أرجاء الوطن الرحيب.
* قد يتأتى هذا عن طريق تنويع التخصصات في جامعاتنا بدلا من توحيدها، أو قد يتأتى عن طريق تميز جامعاتنا المختلفة بتخصصات معينة تشدُ اليها رحال الطامحين الى التميز
من شبابنا بغض النظر عن مناطقهم،
وقد يتأتَّى ذلك بأكثر من أسلوب.
* فالمهم ان تعنى السياسة التعليمية بتنشيط الانتقال والترحال لطلب العلم بين مناطق بلادنا لما في ذلك من فوائد وطنية واضحة بالاضافة الى الفوائد التربوية، والعلمية المحتملة اذا ما بُنيت تلك السياسات على أسس مدروسة.
* لقد انتشرت الجامعات في بلادنا,.
ونشرت معها في أنحاء الوطن الحبيب أضواء العلم والمعرفة في زخم نهضة تعليمية جبارة.
* فلنسع عن سبق عمد واصرار على ألا يتقوقع شبابنا في مناطقهم الى جوار جامعاتهم المحلية
ولنشجعهم على ارتياد ردهات الوطن الرحبة,, الشاسعة,, من البحر ,, وحتى الخليج
***
أهل بلادي
* أهل بلادي يصنعون الحب
كلامهم أنغام
ولغوهم بسّام
وحين يسغبون يطعمون من صفاء القلب
وحين يظمأون يشربون نهلة من حب
ويلفظون حين يلتقون بالسلام
عليكم السلام.
عليكم السلام.
صلاح عبدالصبور