Sunday 7th November, 1999 G No. 9901جريدة الجزيرة الأحد 29 ,رجب 1420 العدد 9901


من يترك موقعه أولا
كلينتون أم صدام حسين؟
د, وحيد عبدالمجيد

لا يثير استغرابا ان تؤكد واشنطن عدم اهتمامها بما تردد عن رسالة عراقية اليها عبر الاردن, فما زال اسقاط نظام بغداد وليس الحوار معه هو ما تسعى اليه الولايات المتحدة.
ولكن سيكون على الرئيس الامريكي بيل كلينتون ان يخوض سباقا مع الزمن اذا اراد تحقيق تغيير في العراق قبل ان يغادر البيت الابيض في يناير 2001م.
وهناك ما يدل فعلا على ان كلينتون يتمنى تحقيق انجاز بهذا الحجم قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية والاخيرة، حتى اذا لم يكن بحاجة ماسة الى عمل كبير جديد على الصعيد الدولي يحسب له, فالانجاز العظيم الذي حققه في ازمة كوسوفا لا يقل قيمة عن انجاز سلفه جورج بوش في الخليج ولكنه يظل اقل اهمية مما حققه رونالد ريجان في مجال البنية العسكرية والتكنولوجية والمعلوماتية التي مكنت الولايات المتحدة من بناء قدرات هائلة تتجاوز بكثير ما يتوافر لحلفائها وخصومها على حد سواء.
وأيا يكن الامر فالاكيد ان تغييرا في العراق ينطوي على اطاحة نظام الحكم او حتى رئيسه يعتبر انجازا كبيرا في حد ذاته يتوق اليه كلينتون ويكفي ما سينسب اليه في كثير من الدوائر الاعلامية والسياسية الغربية بل العالمية من فضل في ازاحة نظام ادت سياساته المغامرة الى اضفاء صفات الشياطين عليه.
ومع ذلك ما زال هذا الانجاز يبدو بعيد المنال لاسباب تتعلق بحدود القوة الامريكية لا برغبة اصحابها, فليست هناك قوة بلا حدود مهما تعاظمت, كما ان اهدافا كبرى من هذا النوع تستلزم تكلفة مرتفعة وخاصة على المستوى البشري, ولذلك تدخل هذه التكلفة ضمن العناصر الاساسية المحددة لصنع القرار وربما تصير هي العنصر الاول.
المصلحة الأمريكية
ولكن هذا يختلف جوهريا عن القول بأنه لا مصلحة للولايات المتحدة في احداث تغيير جذري في العراق, فهذه قولة تشيع من وقت الى اخر وترتبط بسطوة نظرية المؤامرة على جانب يعتد به من العقل العربي.
وهي تستند الى اسانيد انطباعية تحكمها الصورة السيئة لامريكا اكثر مما تعتمد على ادلة واقعية ولا يكفي القول ان واشنطن اوقفت عملية عاصفة الصحراء في فبراير 1991م قبل ان يسقط النظام العراقي كدليل على ان اسقاطه لم يكن مرغوبا, فالثابت ان ادارة جورج بوش وقعت في ذلك الوقت تحت ضغوط من شركائها العرب في التحالف الدولي كي يتم وقف اطلاق النار فور تحرير الكويت.
وكانت الدول العربية التي مارست هذه الضغوط مدفوعة باعتبارات متعددة تجمع بين قلقها على وحدة العراق واهتمامها بعدم اختلال ميزان القوى في منطقة الخليج لمصلحة ايران وحرصها على الاوضاع في الشارع العربي.
واستجابت الولايات المتحدة لهذه الضغوط لان الاتجاه الغالب في ادارتها اقتنع بالمبررات العربية دون ان يتخلى عن هدف التغيير الجذري في العراق.
ولكنه راهن على امكان انجاز هذا التغيير من داخل النظام العراقي نفسه اي عبر انقلاب عسكري تقليدي او انقلاب قصر, وهذا هو الرهان الذي خاب حتى الان.
أزمة بوش
وكانت خيبته احد العوامل التي ساهمت في اسقاط الرئيس الامريكي السابق جورج بوش في انتخابات العام 1992م, صحيح انه لم يكن هذا هو العامل الرئيسي وراء هزيمته التي نجمت عن عوامل داخلية بالاساس.
ولكن لا يصح اغفال اهمية العجز عن اطاحة صدام حسين وما ادى اليه من انتقاص من قيمة الانجاز الامريكي في حرب الخليج الثانية, فقد وجد كثير من الناخبين انفسهم ازاء انجاز خارجي غير مكتمل وبالتالي يصعب اعتباره تعويضا عن اختلالات داخلية تفاقمت ولم يبذل بوش جهدا كافيا لازالتها وخصوصا على الصعيد الاقتصادي.
واستغل منافس بوش الرئيسي في تلك الانتخابات استمرار صدام حسين في الحكم, صحيح ان هذا الاستغلال كان حذرا ولكن اثيرت في سياقه نقطة ضعف مهمة في موقف بوش.
ولا ننسى ان صدام حسين نفسه تعمد تصعيد تحديه للسياسة الامريكية خلال الحملة الانتخابية سعيا الى الانتقام من بوش ورهانا على تغير اولويات السياسة الخارجية الامريكية اذا وصل المرشح الديمقراطي الى البيت الابيض.
وكانت هذه هي الفترة التي تسارعت فيها التحركات الامريكية الرسمية لاطاحة صدام حسين قبل ان يتوجه الناخبون الى صناديق الاقتراع في 3 نوفمبر 1992م واعتمدت تلك التحركات على جهاز المخابرات الامريكية رغم ان سجله مليء بالاخفاقات في اعمال من هذا النوع.
ولم تتوقف محاولات هذا الجهاز منذ ذلك الوقت, فقد واصل كلينتون الاعتماد عليه بعد ان خلق وجودا له في شمال العراق, كما تم تطوير خطط لدعم المعارضة العراقية في الداخل والخارج.
ما بعد صدام
ولذلك لم يعد هناك اساس لافتراض ان الولايات المتحدة تقول عكس ما تفعل فالاصح هو انها لم تستطع ان تحول كلامها عن التغيير الى فعل.
فالولايات المتحدة ليست بحاجة الى وجود صدام حسين لضمان وجودها العسكري في منطقة الخليج فهي لن تقدم وسائل لمواصلة هذا الوجود بعد التغيير في العراق فهذا التغيير سينعكس بالضرورة على المعادلات والتوازنات السياسية في منطقة الخليج, بل وفي عموم الشرق الاوسط على نحو يخلق ديناميكية جديدة تحصل واشنطن من خلالها على دور اكبر وتحقق مصالح اكثر.
خذ مثلا ما سيترتب على وجود نظام جديد في العراق لا يعادي الولايات المتحدة، ان لم يرتبط بها من استئناف الصراع الضاري بين بغداد وطهران.
فقد اختارت ايران تهدئة هذا الصراع اعتقادا في ان لها مصلحة في استمرار المواجهة بين العراق والولايات المتحدة والاكيد ان طهران كسبت بدرجة او بأخرى من تحول العراق الى العدو الرئيسي لواشنطن في المنطقة بعد ان كانت هي نفسها في هذا الموقع.
كما ان الخط السياسي الذي تلتزمه طهران يفرض عليها عدم معاونة الشيطان الامريكي وفقا للغة التيار المحافظ الايراني، ولو ضمنيا في اعتدائه على العراق, ولكن ايران وجدت في حقيقة الامر مصلحة لها في استمرار النظام العراقي الحالي, ولذلك لم تستثمر الفرصة المتاحة لها للتدخل في جنوب العراق لزعزعة الاوضاع وتشجيع تمرد على هذا النظام بعد ان اغمضت عينيها عن المذابح التي تعرض لها المتمردون الشيعة في ربيع العام 1991 واصمت اذنيها عن استغاثتهم بها عندما تعرضوا لمذابح خلال قمع القوات العراقية للتمرد.
ورغم ان ايران تؤوي بعض قادة المعارضة العراقية من الشيعة الا انها لا تسمح لهم باكثر من نشاط اعلامي محدود سقفه بعقد مؤتمر صحفي من حين الى اخر.
ولكن ما ان يحدث تغيير في العراق سيؤدي الى تحول في السياسة الايرانية نتيجة تبدل اهم ركيزة لها الان هي ان استمرار النظام الحالي افضل من قيام نظام تحت الوصاية الامريكية فإذا جاء نظام تعتبره طهران تابعا لواشنطن والارجح انها ستعتبر اي نظام بديل كذلك ستعود الى مناصبة العراق العداء.
ولما كان مرجحا كذلك الا يحدث تحسن ملموس بين واشنطن وطهران في المدى القصير والمتوسط، سيكون واردا ان تتصاعد المواجهة التي هدأت بين الطرفين مرة اخرى, وليس مستبعدا والحال هكذا ان تتحسن بسرعة العلاقات بين النظام العراقي الجديد ودول مجلس التعاون الخليجي بينما يتراجع التحسن الذي حدث بين بعض هذه الدول وبين ايران في الشهور الاخيرة.
وفي هذه الحال ستكون هناك حاجة الى وجود امريكي اكبر في منطقة الخليج لتأمين النظام العراقي الجديد وليس فقط الدول التي كان نظام صدام حسين يهددها وعندئذ ايضا ستركز واشنطن على احتواء ايران باساليب جديدة بدلا من الاحتواء المزدوج لها مع العراق اعتمادا على وجودها في بغداد بموجب الوضع الجديد الذي سيترتب على وجود نظام حكم مختلف.
أي انقلاب؟
وعلى هذا النحو تبدو مقولة ان المصلحة الامريكية تقتضي الحفاظ على صدام حسين مقولة ضعيفة ليس لأن الولايات المتحدة لا تعطي اولوية لمصلحتها، ولكن لكون هذه المصلحة ستتعزز عبر اسقاط النظام العراقي الحالي اكثر مما تتوافر في وجوده.
فالمشكلة اذن ليست في عدم حماس واشنطن لتحقيق تغيير في العراق وانما هي في صعوبة هذا التغيير, لقد بدأ المنسق الامريكي الحالي لشؤون المعارضة العراقية ريتشاردوني عمله بالتحدث مجددا عن الانقلاب القادم الذي سيأتي بنظام عسكري لبعض الوقت في العراق وهذا كلام مكرر سمعناه كثيرا من مسؤولين امريكيين على مدى اكثر من ثماني سنوات منذ ان توقع الرئيس جورج بوش ان يعود الجيش العراقي المثخن بجراح الهزيمة الى بغداد ليطيح من قاده الى المهانة.
ومع ذلك ما زالت واشنطن تراهن على ضابط ما داخل العراق اكثر مما تعتمد على المعارضة الخارجية التي لا تساعد اوضاعها على امكان الاعتماد عليها رغم ما يبدو من اهتمام امريكي بتفعيلها في الشهور الاخيرة منذ اصدار قانون تحرير العراق في اكتوبر الماضي.
ويبدو ان الولايات المتحدة مقتنعة تماما بأنه اذا لم يحدث انقلاب، لن يكون ممكنا تحقيق التغيير الذي تسعى اليه في العراق, ولذلك تتركز جهودها في السعي الى تدبير هذا الانقلاب الذي يبدي كلينتون اهتماما شخصيا به لتكون ازاحة صدام حسين الهدية التي يقدمها للعالم قبل ان تنحسر عنه الاضواء بعد 14 شهرا تقريبا.
وهذا عامل اخر ذو طابع شخصي يضاف الى الاعتبارات الموضوعية التي تؤكد ان هناك سعيا امريكيا حقيقيا لاحداث تغيير في العراق بخلاف ماهو شائع في كثير من الاوساط العربية من ان لواشنطن مصلحة في بقاء صدام حسين في الحكم.
ولكن يتوقف الامر على مدى قدرتها على ان تحقق ما عجزت عنه لاكثر من ثماني سنوات وهو العثور على من يقود انقلابا وتأمينه في ظروف بالغة الصعوبة بالنسبة الى اي متمرد على نظام متمرس في مواجهة اي تفكير في الانشقاق قبل حدوثه.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved