Sunday 7th November, 1999 G No. 9901جريدة الجزيرة الأحد 29 ,رجب 1420 العدد 9901


متفرقات,, وإنسانيات
د.كمال الدين عيد

ثلاثة موضوعات مختلفة سيطرت على فكري هذا الأسبوع, لم أستطع التخلص من دقّها على الرأس حتى كتابة هذا المقال.
(1)
* فلسفة التقديم للكتاب
وهي فلسفة وتقليد عرفناه منذ الصغر, بعض الكُتب يلجأ مؤلفوها إلى البحث عن مُقدم يستهل مُؤلفه - الذي عادة ما يكون جديدا لكاتب ناشىء لم يتسق عوده بعد - بعديد من الكلمات التي تقدم الكاتب أو المؤلف الجديد إلى القراء, ومن المعروف والتقليدي ان يتجه المؤلف الجديد الى واحد من عمالقة الأدب او الفكر لعمل المقدمة او الاستهلالية, ومن الطبيعي كذلك ألا يقبل عملاق أو مفكر أدبي أو ناقد له سمعته هذا الواجب، إلا بعد قراءته وتمحيصه والتأكد من جودة وأصالة الكاتب الجديد, وتزخر الكتب - خاصة التي تبحث في العلوم الأدبية والانسانية - بالمئات من هذه المقدمات التي تساعد الكُتاب الناشئين في اول طرقهم على الانتشار، طالما احتوت هذه المؤلفات - حتى في بداية طريقها - على فكر ناضج يستفيد منه القُراء وترضى عنه الجماهير, وعلى سبيل المثال لا الحصر - وفي مجال الكتابات الأدبية والفنية - قدم كبار المفكرين مقدمات لكتاب ناشئين هم اليوم قد بلغوا مراحل النضج، مؤكدين صدق كلمة التقديم التي كتبها عمالقة منذ اكثر من ربع قرن أو يزيد (زكي نجيب محمود، توفيق الحكيم، حسين فوزي وغيرهم), ولكم اسفت ان بعضا من اصحاب المناصب الثقافية قد أخطأوا الطريق الصحيح لفلسفة المقدمة للكتاب, وهي فلسفة ترتكز على فكر لامع للمقدم، وتاريخ طويل في التخصص، وسمعة عريضة تسندها مؤلفات علمية أو أدبية, وكلها ركائز هامة في الشخصية تتيح للمؤلف الجديد مساحة جديدة على ارض الواقع الأدبي او العلمي أو الفني في مستهل حياة النشر والانتشار,أقول هذا بمناسبة ما اطلعت عليه من الكتب المترجمة عن الفنون في المهرجان الدولي للمسرح التجريبي, فسند التقديم للفكر لا للوظيفة او المنصب، إذ الفكر والتفكير مستمران، أما غير ذلك فلا، فلا قفز على التاريخ او لوى عنقه بسيطرة الوظيفة.
(2)
* من الدراما إلى الكباريت وبالعكس.
ومعذرة لاستعمال الكلمة الانجليزية Cabaret والتي تعنى بالقاموس حانة او ملهى او مطعم يقدم برامج غناء ورقص، وهي نفس لفظة (كباريه) باللغة الفرنسية والتي شاعت بعد الحملة الفرنسية على مصر.
نعرف ان المسرح العربي قام في بداياته على مترجمات من الدراما الفرنسية، خاصة اعمال الفرنسي موليير.
وحتى المسرح السعودي فقد بدأ بسعودة مسرحية موليير (طبيب رغم أنفه) إلى طبيب بالمشعاب, لكن,, هل الترجمة السعودية جاءت حرفية لاحداث المسرحية الفرنسية؟ بالطبع لا, فالسعودة او التعريب الى المسرح السعودي قد راعى المناخ والبيئة والاخلاق والتقاليد, هكذا تفعل بقية دول العالم لكي تضمن الحفاظ والمحافظة على أديانها وتاريخها وتراثها وقومياتها أيضا, وبتقدم الحركات المسرحية في الوطن العربي، بدءاً من ولادة المسرح العربي في لبنان مرورا بمصر وسوريا واليمن ودول الخليج العربي، برزت مسرحيات جيدة النوايا، وأخرى اجتماعية واقعية اتجهت الى معالجة القضايا الحيوية في كل بلد عربي, وعندما قويت حركة النقد الاجتماعي تصدى المسرح لكل الطفرات الغريبة على المواطنين، وعالجت درامات الستينيات والسبعينيات - في كل الوطن العربي تقريبا - مشكلات هامة، مشاركة بذلك رغبات المواطنين المشاهدين في مشكلاتهم ووجدانياتهم وأحاسيسهم, وخلال عقدين من الزمن سجل المسرح العربي درامات تاريخية وقومية ووطنية ألهبت حماس الجماهير حتى وصل جمهور المسرح في مصر في ستينيات القرن إلى ما يزيد على المليون متفرج بفضل سياسة جماهيرية رشيدة احترمت عقول الجماهير - أيا كان مستواها الفكري - كانت تدور في رأس الصديق الدكتور عبدالقادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزيرالثقافة المصري آنذاك, لكن,, ما هو حال المسرح العربي اليوم؟هناك من يدعي انه على أحسن حال, لكن الجماهير التي انصرفت عنه في جُل أرجاء الوطني العربي تقول بغير ذلك, والرأي العام عادة ما يصدر عن الجماهير وليس عن التصريحات الرسمية او الصحفية, وكل الشواهد الفنية وبرامج المسارح وأسماء المسرحيات المعروضة في اغلب مسارح الوطن العربي تمتلئ بالرقص والاستعراض والاغاني والموسيقى والاستكشات,, اي والله,, وتبحث هنا وهناك عن الدراما او الثقافة او التوجيه او التثقيف، فلا تعثر لأي منها على اثر, وينفض الجمهور غير العابئ بهذه المنكرات والباحث عن المتعة النظيفة او الكلمة غير المسفة او الموقف الدرامي الاخلاقي او الصورة التوجيهية للابناء والبنات,, ينفض عن لعبة المسرح إلى حال سبيله، ويوصل هذا الموقف الشاذ في تاريخ المسرح العربي في الثمانينيات والتسعينيات إلى هجر النقاد والادباء ساحة المسرح الثقافي، لانهم لا يجدون شيئا نافعا يكتبون عنه، او مفيدا من الدراما يحللونه ويفسرونه, فالكلمة خاوية، والفكر مشطوب عليه، وقواعد ارسطو قد جف مدادها، بعد ان احتل الحوار البارد متون (المسرحيات!!) المعاصرة.
ولشد ما يؤلمني انني شاهدت المسرح الايطالي في روما عام 1994م، ثم المسرح الانجليزي والفرنسي في لندن وباريس عام 1996م, ولم أجد في اي من مسارح الدول الثلاث إلا درامات خلت تماما مما يعتنقه المسرح العربي من رقص واستعراض وغناء وسخافات, لا تزال هذه المسارح في برامجها السنوية (الريبرتوار) تقدم نفائس الادب الدرامي لشكسبير، إبسن، موليير، آرثر ميللر، كورني، راسين، تشيكوف، وعشرات من اعلام الدراما معاصرين وغير معاصرين, ولم يكن ابتعاد مسارحنا العربية إلا بداية السقوط الفكري والافلاس التربوي الذي شجع انطلاقة المسارح الخاصة التي لا يهمها إلا الكسب المادي وحصيلة شباك التذاكر المسرحي, لعلني أشير إلى حقيقة تاريخية هامة، وهي أن كل مسارح أوروبا أو أغلبها على الاقل قد بدأ بعروض التسلية والكباريت لتحقيق الترفيه (مسرح الضوضاء والدخان) Schall und Rauch في ألمانيا، (مسرح مونمارتر) Montmartre في باريس, لكن هذه الكباريهات الأوروبية قد تحولت بعد ذلك الى درامات تحمل صبغات سياسية واجتماعية وفنية، في تركيز منها على اسلوب الباروديا parody، وهو أسلوب المحاكاة التهكمية الساخرة على نحو يثير الضحك والهزء، كما استعملت العروض الساتيريات satire بالهجاء في الاغاني, وفي 19 أغسطس من عام 1902م يُغير النمساوي المخرج ماكس راينهاردت Max Reinhardt (9/9/1873 - 31/10/1943م) اسم الكباريت الى المسرح الصغير Kleines Theater لتختفي عروض الكباريت التافهة إلى عروض نقدية اجتماعية, وتبدأ هذه الرحلة الدرامية الجديدة - والمحترمة - في 13 أكتور - بعد أقل من شهر واحد - بدراما أوجست استرندبرج المعنونة (ثمل عاطفي) Brott och Brott في اربعة فصول مسرحية لتحل محل الرقص والغناء والاستعراض,وأستخلص في نهاية الفقرة الثانية من المقال، انه بينما يتحول مسرح أوروبا من عروض الكباريت إلى الدراما النافعة، يتحول - وللاسف الشديد - مسرحنا العربي من الدراما إلى الكباريت,, واحسرتاه.
(3)
* لمسة إنسانية للطفل السعودي:
يوم الثلاثاء تحتل محاضراتي بقسم الاعلام المساء كله, أحاول الاستراحة والقراءة في صباح ذلك اليوم في هدوء جميل، في الساعة الثانية بعد الظهر دق جرس الشقة حيث أسكن, فتحت الباب فإذا بي في مواجهة سيدتين لا أعرفهما، ومعهما رجلان احدهما يرتدي معطفا ابيض والآخر يحمل عدة أدوات طبية, قالت احدى السيدات,, عندكم أطفال؟ قلت لا,, ردت نحن حملة التطعيم ضد شلل الاطفال,, حياكم الله أيها الجنود وأعوان الحملة من الجنسين, ترتادون البيوت في القيظ لتحملوا الأمصال والحماية لجيل صغير من ابناء هذا الوطن، رعاية طبية يندر ان توجد في اقطار عربية اخرى, حفظ الله راعي هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين ورجاله الافذاذ.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved