** تحقيق : عبيد العتيبي
لا يكاد ان يخلو بيت من وجود مراهق او مراهقة في مرحلة حساسة من العمر ما بين الطفولة والرجولة وهي مرحلة الشباب, وتحتاج الى رعاية حكيمة من قبل الابوين والاخوة والمجتمع بعيداً عن نعت المراهقين بالالقاب البذيئة والتصرفات الطائشة حتى لا تتأثر نفسياتهم بتلك المعاملة القاسية والتي قد تزيد من تعنت المراهقين وتفلت زمام تربيتهم المطلوبة, هذه القضية الهامة طرحت امام عدد من التربويين فماذا قالوا عنها؟:
مرحلة حساسة
في البداية التقينا بالشيخ سعود بن سعد الرشود خبير الشؤون الاسلامية بوزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد وامام وخطيب جامع العبداللطيف بحي الشفاء ليتناول الموضوع من ناحية شرعية فقال: انها قضية جديرة بالطرح، فلا يكاد يخلو بيت من وجود مراهق او مراهقة,, والمراهقة من اخطر المراحل التي يمر بها الانسان في مراحل حياته العمرية اذا لم تحظ بالتوجيه السليم، وتبدأ عند بعض علماء النفس من البلوغ الى اكتمال نمو العظام واستقرار النمو العضدي عند الفرد، والتصور العام لها انها مرحلة انتقالية، وينبغي ان يفهم ان هذه لها تجاربها الخاصة، وهذا ما يجب ان يدركه الآباء والامهات والقائمون على التربية فهي قابلة للتشكيل والتغيير بسرعة قياسية وفي فترة وجيزة من النقيض الى النقيض، وان دل ذلك على شيء فانما يدل على حساسية هذه المرحلة,, ونجد ان الدين الاسلامي الحنيف تقضي شرائعه بتوجيه الطفل وامره بالصلاة وهو ابن سبع فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: مروا اولادكم بالصلاة وهم ابناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم ابناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع .
واضف الى ذلك ان الطفل اذا كان في هذه السن الباكرة غير مكلف ولا مأمور امراً يترتب عليه الثواب والعقاب فانما يؤمر بذلك امر تربية وتعليم حتى يتمرن على ذلك منذ الصغر، فاذا ما بلغ سن التكليف اصبح يحسن ما كلف به علماً وعملا واصبت نفسه تقبل ذلك عن علم، وفي الحديث السابق تدرج في التربية يتناسب مع سن الطفل ففي سنين التمييز الاولى يكتفي فيها بأمره بما يستطيع من العبادات لان الطفل في هذه المرحلة مطواع يحب المحاكاة والتقليد فاذا بلغ سن العاشرة وقد نمت معلوماته وزاد تميزه اصبح يميل الى الاستقلال عن والديه شيئاً فشيئاً.
كما اوصى الشيخ الرشود بان يكون هناك ضبط في التربية، فتجمع بين الحزم والحكمة لان هذه المرحلة تتطلب ذلك اي لابد من المتابعة والملاحظة فيقابل التهاون منه بالحزم والتقصير بالتأديب حتى يشعر بجدية المسألة وقال: لذا لا يمكن باي حال من الاحوال حل مشاكل المراهق بالهروب منها او تجاهلها وفي الوقت نفسه لا يمكن تلبيتها بدون قيد ولا شرط، فعلى سبيل المثال لا الحصر جانب العبادات فان المراهق بحاجة الى الصلاة والى اداء الحج والعمرة مع الرفقة الصالحة,, الخ فيمكن توجيه المراهق الى هذه الامور بطريقة عفوية وغير مباشرة وفي وقت مبكر بعيداً عن الاسلوب الاملائي المباشر لكي يشعر المراهق بالطمأنينة وازالة ما ينتابه من الخوف عند حدوث المتغيرات عقلية كانت او نفسية او اجتماعية وايضا اشباع الحاجات الامنية لديه والتأكيد على نبذ المخاوف وتجنب السخرية والاستغراب واحتقاره امام الآخرين، ومما يؤسف له ان بعض الآباء والامهات قد يلجأون الى انتقاد ابنائهم والاستهزاء بهم وعزهم بالالقاب بسبب فشلهم في المواقف الاجتماعية، وهذا ما يجعل المراهق يلجأ الى اقرانه ليلتقي بهم ويشتكي لهم، ومادام الامر كذلك فلابد ان يعرف المربي شروط الرفقة الصالحة وصفاتها واهميتها وخطرها على المراهق ويكون ذلك من خلال اعطائه من المعلومات والمواعظ ما يبصره بأهمية الجليس الصالح وخطر الجليس السوء.
وتوجه الشيخ الرشود بكلمة اخيرة الى الآباء والامهات والمربين فقال: لابد من العناية بالطفل منذ نعومة اظفاره وقبل سن المراهقة وتوجيهه وتذكيره بأن الله خالقه من اجل عبادته حيث قال سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وان يوجه المراهق بطاعته سبحانه ثم بحقوق الوالدين وانهما سبب وجوده بعد الله في هذه الحياة وان يعود على القيام ببعض المسؤوليات كالاشراف على الاسرة والقيام بشؤونها احياناً وخصوصاً في غياب ولي الامر، كما يجب علينا جميعاً تلمس احتياجات المراهقين والتعامل معها بحكمة واسلوب غير منفر.
توجيه وارشاد
ويرى د, عبدالرحمن بن عبدالله الخضيري الاستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بجامعة الامام ان مرحلة المراهقة تعد من اكثر مراحل عمر الانسان اهمية، ففي هذه المرحلة تطرأ على الانسان تغيرات بعضها جسمية وبعضها فكرية ونفسية وقال: اذ يحس الطفل انه بلغ مبلغ الرجال وينتظر ان يعامل معاملتهم وان يعتد عليه كما يعتمد عليهم، وقد يظهر على بعضهم شيء من التصرفات تحتاج عند المربي الى التوجيه والارشاد، والشباب في هذه المرحلة بين نظرتين: الاولى: نظرته الى نفسه التي بناها على ما يحسن ويراه من تغيرات في جسمه تشعره بانه تجاوز مرحلة الطفولة وصار رجلاً، ومن ثم يستحق ان ينظر اليه انه رجل ويتعامل على هذا الاساس,الثانية: نظرة المحيطين له وهي انه مازال لديه شيء من الطفولة وان هذه الدرجة التي بلغها ليست كافية للقول بأنه بلغ مبلغ الرجال اذ لايزال ينقصه الكثير من التجارب والخبرات, وهذا يؤثر عليه نفسياً وسلوكياً لان المجتمع لم يعطه ما يستحق من المعاملة، وتختلف ردود افعال المراهقين تجاه ذلك ولكنها تتفق جميعها في محاولة جذب انتباه الآخرين نحوهم لذا يجب على الوالدين اظهار قدر من الاحترام والتقدير لرأي المراهق على انها وجهات نظر قابلة للنقاش.
وحول ما ينبغي عمله لاجتياز المراهق هذه المرحلة بسلام فقد عدد الدكتور الخضيري طرقاً منها:
1 عدم اشعار المراهق بانه مازال طفلاً بل يعامل على انه راشد الى قدر كبير.
2 اذا اخطأ في امر ما فيجب ان لا نعنفه على ذلك وبان سببه صغر سنه وقلة خبرته.
3 اسناد بعض الاعمال الخفيفة اليه لكي يشعر بالثقة بنفسه وهذا يهذب سلوكه.
4 محاولة استغلال نشاطه فيها يفيده من اعمال كحفظ القرآن الكريم.
5 المراقبة غير المباشرة للمراهق ولا سيما فيها يتعلق باختياره لاصدقائه.
كما اكد د, الخضيري على ان لا نبالغ في التعامل مع هذه المرحلة وقال: ولا نكرر هذه اللفظة المراهقة خاصة امام المراهقين، والمبالغة في معالجة هذا الموضوع قد تأتي بنتائج غير جيدة وعكسية، من جانب المراهق واهله، فمن جانب المراهق فقد يظن انه حالة خاصة فتكون مواقفه سلبية من كل ما يقال له، ويستمر في تصرفاته التي تهدف الى جذب الانتباه حتى ولو كانت مضرة, واما من جانب الاهل فقد تدفع بعضهم الى الافراط في اللين والدلال للمراهق، وتدفع آخرين الى الافراط في الشدة والحزم.
وكلا الفريقين غير مصيب، فالاولى سلوك مسلك وسط بين الشدة واللين، ومن اهم ما يساعد على ذلك تناول ظاهرة المراهقة تناولاً واقعياً فلا نهملها اهمالاً تاماً ولا نطرحها بما يصور انها خطرة صعبة الحل.
كسل وخمول
كما تحدث صالح بن عبدالرحمن اليحيى مدير معهد الشفا الثانوي التجاري عن مرحلة المراهقة واعتبرها مرحلة انتقال جسمي وعقلي وانفعالي واجتماعي لذا فيقع على عاتق الوالدين والمربين الاهتمام بالمراهق حتى يستطيع ان يعبر هذه المرحلة بامان بعيداً عن الانحرافات السلوكية ولا يقع فريسة لبعض الامراض النفسية وقال: هذه المرحلة تسبب كسلاً وخمولا لذا فعطاؤه يقل في الواجبات المترتبة عليه فعند تكليفه لابد من ان تكون الاعمال تتناسب مع جهده وإلا فان انفرط فسيكون مندفعاً وبالتالي محاكاة من حوله بعيداً عن تقبل الاوامر، والبعد كل البعد عن تقريعه ونقده بطريقة منفر بل يقال له ممتاز ويعدد له جوانبه الجيدة ويعرج بشيء بسيط وبشكل غير مباشر على خطئه, وهناك من لايعي مسألة المتابعة فيتعامل معها بشكل تجعل المراهق ينفر بل ويصر على خطئه.
ويواصل اليحيى حديثه مشيراً الى دور الاسرة والمجتمع وارتباطهم ارتباطاً وثيقاً بهذه القضية وقال: يجب على المربي من اب او استاذ عندما يريد التعامل مع هذه الفئة ان ينزل الى مستواهم حتى يستطيع ان يخرجه من حالة الانطاوائية التي يمر بها المراهق، وايضاً ان تكون له مشاركة في اتخاذ القرارات داخل الاسرة، والاهتمام بمسألة ضرب الامثال كفلان احسن منك في كذا,, وانت كذا، وبعد ان يجتاز ما سبق من خطوات ويحس الوالدين انه قادر على تحمل المسؤولية يفضل المبادرة بتزويجه مبكراً ليحقق اشباع رغباته النفسية والجنسية والاجتماعية وذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج الحديث,واضاف حسام محمد حسن اخصائي علم النفس باسهام في هذه القضية وقال: عندما يقع المراهق في اي مشكلة فانه في هذه الحالة يكون امام عدة مشاكل نفسية وفكرية واجتماعية واقتصادية,, وهم يقعون بين اصناف ثلاثة:
أ شباب صالح مستقيم ب شباب حائر مضطرب ج شباب منحرف، فبالنسبة للصنف الاول فلا خوف عليهم،اما عن الصنف الثاني فيحتاج الى جهد من المربين وثقافة اسلامية واسعة وواعية تستقى من القرآن الكريم والسنة النبوية,اما الصنف الثالث فهؤلاء من تاهوا الطريق بعد دخولهم مرحلة المراهقة فاصبح الشباب منهم يقلد من حوله من جلساء السوء ويحاكي ما يقومون به من سلوكيات خاطئة حتى ولو لم يكن مقتنعاً بها وسبب ذلك هروبه من جو الاسرة التي تؤمن بمبدأ المتابعة ولكن عندما ننظر كيف تكون تلك المتابعة فانك تقف حائراً اذا انها تكون ضد مصلحة المراهق فهي تتعامل بالشدة والحزم والتوبيخ وعمل المقارنات بينه وبين أقرانه، علماً انه يمر بهذه المرحلة التي يحدث له فيها تغيرات جسمية ونفسية وعقلية، وتشتد غرائزهم بعد ان نضجت الغدد الكامنة وصارت تؤدي وظيفتها الحيوية وتلح على الشباب ان يشبع حاجته منها,, وهنا يأتي دور الاسرة و المدرسة وقبلها المسجد ولا نقف مكتوفي الايدي ونصدر بعض التوجيهات النظرية والنصائح اللقمانية، فقط.
واختتم حسام حديثه مؤكداً على عدة امور هامة منها:1 قيام الاسرة بدورها في التربية ولنتذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ,2 انشاء اعلام اسلامي فعال قادر على مواجهة تيارات الاعلام الغربي الفاسد,3 ايجاد تعاون تام بين المدرسة والمنزل,4 تفعيل دور المسجد 5 اقامة المشاريع المثمرة ومعسكرات العمل المنظمة لتعليم الشباب ما ينفعهم واستغلال طاقاتهم فيما يفيد.
|