يوجد تسعون في المائة من المدارس الابتدائية في العالم، التي تبلغ نحو اربعة ملايين مدرسة في البلدان النامية، ويكافح نحو 500 مليون طفل من اجل التعليم في هذه المدارس، وعلى عكس اقرانهم في الدول المتقدمة يلتحقون بمدارس ابتدائية حديثة مجهزة حسنة التنظيم وجيدة التمويل يواجه التلاميذ في البلدان النامية والفقيرة مصاعب كبيرة، فغالبا ما يلتحقون بفصول في مدارس سيئة البناء والتجهيزات قد لاتعمل الا 500 ساعة في العام (900 ساعة في الدول المتقدمة), ولايزيد دعم هذا التعليم عما قيمته دولاران من المواد التعليمية لكل طفل (52 دولارا في الدول المتقدمة).
والمنهج الدراسي سيىء التصميم، والمدرس لم يتلق سوى عشر سنوات من التعليم (16 سنة في الدول المتقدمة), وغالبا ما يضم الفصل اكثر من 45 طالبا (مقابل 20 طالبا في البلدان المتقدمة) ناهيك عن سوء التغذية والامراض المزمنة والرعاية الصحية السليمة.
ونتيجة لذلك فان المدارس في الدول النامية اقل انتاجية منها في الدول المتقدمة، فلا يزيد من يستكملون تعليمهم الابتدائي عن نصف الاطفال في سن الدراسة، ونحو نصف الملتحقين يتسربون قبل نهاية مرحلة التعليم الابتدائي في الدول منخفضة الدخل، وحتى الذين يستكملون التعليم الابتدائي لايتعلمون الا القليل نسبيا.
فقد يتعلمون القراءة والكتابة، وقدرا بسيطا من الحساب، لكنهم يفتقرون فيما يبدو الى القدرة على تطبيق معارفهم ومهاراتهم الذاتية على المشكلات غير المألوفة مثل تعليمات اعطاء الدواء او قراءة قصيدة شعرية.
ومن اسباب عدم انتاجية المدارس الاولية في الدول النامية سوء تمويل النظم التعليمية، فمتوسط المصروفات المتكررة العامة بالنسبة لتلميذ المدرسة الابتدائية كنسبة مئوية من اجمالي الناتج القومي قد انخفض نحو 50%، وانخفضت القيمة الحقيقية من 41 دولارا الى 31 دولارا في الدول المنخفضة الدخل.
وفضلا عن ذلك كثيرا ما يعاني التعليم الابتدائي من الجهود لتخفيض المصروفات حين تضطلع تلك الدول بتدابير التكيف الاليمة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية العالمية والمحلية، الامر الذي جعل كثيرا من هذه الدول تعمد الى تخفيض نسبة الانفاق على التعليم العام.
ونظرا الى ان بلادنا تعتبر من احدى الدول النامية فان الامر يستوجب ممن هم على رأس الهرم الاداري من مخططين واداريين وتربويين في كل من وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات التفكير برؤية استراتيجية نحو تحسين ظروف المدارس في بلادنا والارتقاء بالتعليم والتحسينات الادارية لكي تنجح جهودهم في تحسين العملية التعليمية في المدارس الابتدائية بشكل خاص والمدارس الاعدادية والثانوية بشكل عام، حيث تتطلب تلك الجهود التركيز على التدريب الاداري للمديرين لزيادة احتمالات وصول المدخلات الاساسية للمدارس واعادة الهيكلة التنظيمية لضمان حسن استخدام المدخلات وجمع المعلومات بانتظام لتزويد الادارة بالمعلومات عن تأثير برامجها على تحصيل التلميذ وعلى سائر المؤشرات التعليمية.
وفي هذا الصدد تشير الابحاث والنظريات والتجارب الى هناك عددا من المجالات التي يمكن ان تنجح فيه الجهود لتحسين العملية التعليمية بالمدارس الابتدائية والمتضمنة على سبيل المثال وليس الحصر تحسين المناهج الدراسية، وجودة تصميم المواد التعليمية والوقت المستغرق للتعليم والتدريس الفعال.
فالمنهج الدراسي في المدارس الابتدائية كما هو معلوم شديد التشابه على النطاق العالمي، فلا تدرس فحسب نفس المواد بل كذلك تعطى لها نفس الاهمية النسبية: فنحو 35% من وقت الدراسة يخصص لتعليم القراءة والكتابة و18% للاعداد.
ورغم انه لايوجد فارق واضح في تركيز المناهج الدراسية بين الدول المتقدمة والنامية فانه يعاب على كثير من مناهجنا التعليمية سوء في تصميم المنهج الدراسي من حيث المضمون والمحتوى الامر الذي يشكل صعوبة لدى التلاميذ وهو اسلوب قد يساهم في انخفاض عام لمستويات التحصيل العلمي لديهم.
ويمثل المدرس الفعال احد المجالات الرئيسية في تحصيل الطلاب حيث تبين الشواهد والملاحظات على وجود علاقة طردية وحميمة بين مستوى المدرس وتمكنه ومعرفته وتحصيل التلاميذ, فالتدريس الفعال يتوقف بالدرجة الاولى على ممارسة المدرس التربوية، ذلك ان كثيرا من مدرسينا يستخدمون اساليب لاتسهل التعلم ومنها تركيز التدريس للفصل بأسره على شرح ومحاضرات المدرس وحفظ التلاميذ عن ظهر قلب، وقلة فرص مشاركة التلاميذ بنشاط التعليم وقلة المراقبة المستمرة لتعلم التلاميذ اذ يؤدي استخدام مثل هذا الاسلوب الى انتاج تلاميذ يعجزون عن تطبيق معرفتهم في مختلف وسائل الحياة الفعلية ويجعل البيئة التعليمية اقل تشويقا.
ومجمل القول هو ان هناك الكثير من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من السياسات والبرامج التي استخدمتها الدول المتقدمة في تنشيط التقدم السريع في التعليم الابتدائي اهمها ان الالتزام الحكومي، تسانده المصروفات المالية، امر ضروري, وان التخطيط والادارة اللامركزيين، وخاصة بالنسبة لمواقع المدارس وتخصيص الموارد المستهدفة اداة هامة لضمان العدالة والكفاءة.
كما ان زيادة المشاركة الجماعية المحلية من سكان الاحياء في تنمية المدارس من خلال التخطيط المحلي عن طريق مجالس المناطق في البناء وفي اوجه الدعم الاخرى ومشاركة الآباء، يمكن ان تزيد الضغط على المدرسين وادارات المدارس لتحسين الاداء والله المستعان.
* متخصص في التخطيط الاستراتيجي