Monday 8th November, 1999 G No. 9902جريدة الجزيرة الأثنين 30 ,رجب 1420 العدد 9902


اللجنة الوزارية لدراسة الهيكل الإداري ونظام الموظفين
نموذج لاستراتيجية المملكة في إدارة التغيير
د. عبد الرحمن احمد هيجان

يمر العالم اليوم كما هو الحال في جميع عصوره من وقت لآخر بحالة من حالة التغيير، وحيث اننا جزء من هذا العالم فلابد وان نتأثر ونستجيب لهذه التغييرات بما يتفق وخصائصنا السياسية والادارية والاقتصادية والثقافية، بحيث نحافظ على ذاتنا كمجتمع سعودي عربي مسلم، ولا ننفصل في نفس الوقت عن العالم الذي نعيش فيه ونتأثر به ونؤثر فيه.
وكما اشرت سلفا فان العالم يمر بحالة من التغيير الذي يمس جميع مجتمعات اليوم غنيها وفقيرها صغيرها وكبيرها، غير ان ما اود التأكيد عليه هنا هو اننا عندما نتحدث عن التغيير فانما نتحدث في الواقع عن انواع من التغيير ربما يكون من ابرزها نوعان اساسيان هما: التغيير المخطط والتغيير غير المخطط, ففيما يتعلق بالتغيير المخطط فانه يعتبر بالنسبة لجميع صانعي القرار بل والمنظرين الوضع المثالي بالنسبة لاي عملية تغيير، ذلك ان مثل هذا النوع من التغيير عندما يحدث على مستوى الفرد والجماعة والمنظمة او الدولة فانما يعني في حقيقة الامر اعطاء الفرصة لراسمي التغيير لكي يسهموا في تشكيله وصياغته ومن ثم توجيهه واحتوائه مما يجعلهم اكثر قبولا وحماسا لتنفيذه والتفاعل معه وان كان ذلك لا يعني بالضرورة ضمان النتائج الايجابية بالنسبة لما قد يترتب عليه.
بالمقابل فاننا عندما نتحدث عن التغيير غير المخطط او العشوائي او المفروض احيانا، فانما نتحدث في واقع الامر عن تخطيط يرفضه منطق ارادة الفرد او سيادة الدولة وذلك لان مثل هذا التغيير يسلب المستوى الذي يقع عليه: (فردا او منظمة او دولة) حريته ودوره في المشاركة في مثل هذا التغيير ومن ثم احتوائه وتوجيهه.
من هذا المنطلق البسيط اعود فأذكر قليلا بتجربة المملكة العربية السعودية في ادارة التغيير خلال مراحل تكونها ونموها, لقد مضى على المملكة العربية السعودية منذ نشأتها الى اليوم مائة عام عاشت خلالها وتعايشت مع كثير من الاحداث والتغييرات التي استطاعت بتوفيق الله وقدرته ان تتعامل معها وتستفيد تجاربها فيها سواء الناجحة منها او غير الناجحة، وهي تجارب نعتز بها جميعا لانها تمثل رصيدنا الحاضر كما تعكس في نفس الوقت توجهاتنا نحو التغيير.
لقد مرت المملكة العربية السعودية خلال مائة عام بتجارب متعددة في مجال توجيه وادارة التغيير وان شئت فقل الاصلاح الاداري بكل ابعاده وقسماته التي شملت الانظمة والتعليمات والقوى العاملة والتقنية والثقافة والاستفادة من الخبرة الاجنبية وبناء الخبرة المحلية لقيادة وتوجيه عملية الاصلاح الاداري فيها، لقد واجهت المملكة عملية التغيير فيها منذ نشأتها بعدة وسائل تمثلت في اصدار الانظمة والتعليمات سواء اكان ذلك في مجال الشؤون المالية او شؤون الموظفين او الشؤون الادارية الاخرى حيث كانت هذه الانظمة والتعليمات بمثابة الضوابط والاسس التي تحكم سلوك الافراد والجماعات المؤثرة والمتأثرة بعملية التغيير, بل لقد كانت هذه الانظمة والتعليمات بمثابة الموجهات بالنسبة لاية جهود اصلاحية ادارية لاحقة سواء فيما يتعلق بعملية التخطيط او التنفيذ او التنمية الادارية بشكل عام, على ان جهود مواجهة التغيير في المملكة العربية السعودية لم تقتصر على مجرد سن الانظمة والتعليمات، بل لقد رافقها تكوين المجالس واللجان والاجهزة التي كانت رائدة وفعالة في عملية ادارة وتوجيه التغيير بما يتوافق ومتطلبات التنمية السعودية من جهة وظروف وخصائص المجتمع السعودي من جهة اخرى.
هذا التفاعل مع التغيير وتوجيهه وتقبله كان واضحا ايضا من خلال العقلية السعودية المتفتحة التي لم تغلق على نفسها الابواب، بل لقد كانت منفتحة منذ بواكير نشأتها على العالم من حولها حيث رأت في مجال الاستفادة من الخبرات الاجنبية سواء اكانت هذه الخبرة على مستوى الفرد او المنظمة عاملا مهما في تمكينها من تحقيقها لاهدافها ومراميها, لقد استعانت المملكة العربية السعودية بالخبرات الاجنبية سواء ما كانت منها مرتبطة بهيئة الامم المتحدة او المؤسسات الاخرى العالمية مثل البنك الدولي للانشاء والتعمير، حيث كان لمثل هذه الاستفادة دور كبير في نجاح واستمرار عملية التنمية والاصلاح الاداري كما كان لهذه التجربة في الاستفادة من الخبرات الاجنبية دور كبير في بناء الخبرة السعودية المحلية في ادارة عملية التغيير والاصلاح وغيرها من مؤسسات التنمية الادارية الاخرى مثل وزارة الخدمة المدنية ومعهد الادارة العامة والعديد من كليات الادارة التابعة للجامعات السعودية, لقد حققت جهود مثل هذه اللجان والمجالس والاجهزة نجاحات ملحوظة في عملية التغيير والتنمية الادارية.
ولما كانت عملية التغيير والتنمية الادارية في المملكة متواصلة، فان خطط واستراتيجيات ادارة ومواجهة مثل هذا التغيير قائمة ومستمرة ايضا، تحت رعاية وتوجيه حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، هذه الاستراتيجيات تمثلت في الوقت الراهن في تشكيل اللجنة الوزارية المعنية بدراسة الهياكل الادارية لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين برئاسة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام والتي عقدت اجتماعها الاول في مكتب سموه بالمعذر.
ولما كانت الرؤية واضحة بالنسبة لمتخذي القرار حول مهمة هذه اللجنة والخطوات التي يمكن ان تتبعها في سبيل تحقيقها لأهدافها، فان ذلك لا يحول دون طرح بعض التصورات والاقتراحات التي نعتقد انها من الممكن ان تساهم في دعم ومساندة هذه اللجنة على تحقيق المهام المناطة بها، ذلك ان مهمة دراسة الهيكل الاداري لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين تمثل خطوة رائدة في ادارة عملية التغيير ورسم معالم المستقبل وذلك لكونها تشمل جميع مؤسسات الدولة والنظام الذي يحكم الموظفين العاملين في هذه الدولة مما يحتم ضرورة وجود منهج واضح المعالم في التعامل مع هذه المهمة، هذا المنهج يمكن ان يتم خلاله ما يلي:
اولا: تحديد رؤية واضحة لما نتصور ان يكون عليه مستقبل منظماتنا الراهنة في العقود القادمة, هذه الرؤية يجب ان تأخذ في الاعتبار وضع هذه المؤسسات من حيث طبيعة سياساتها ومهامها وتجاربها وامكاناتها الحالية في تحقيق اهدافها وذلك كله في ظل ظروف وثقافة مجتمعنا الخاصة ومعطيات المستقبل بما يحركه من تغييرات محلية وعالمية تحتم علينا التجاوب معها وفق منهج مدروس يحافظ على خصوصياتنا كما يبرز اسهامنا وتجاربنا مع طروحات وقضايا العالم المتغيرة.
ثانيا: تبني نموذج او منهج يمكن من خلاله تحديد او تشخيص معالم مشكلات الهيكلة الادارية لمؤسسات الدولة وكذلك نظام الموظفين, هذا النموذج ينبغي ان يساعدنا في التعامل مع كل مؤسسة على حدة وكذلك انظمة الموظفين بحيث يراعي الخصوصية والتكامل فيما بينها ذلك اننا من خلال هذا النموذج من الممكن ان نعرف او نحدد اولويات المعالجة بالنسبة لوضع الهياكل الادارية للمؤسسات وطبيعة وحجم المشكلات التي تواجه هذه المؤسسات ونوع المؤسسات التي تدل على وجود هذه المشكلات ودرجة حضورها سواء من حيث عدد مرات تكرارها او طول المدد التي تستغرقها هذه المشكلات في الظهور الى جانب تأثير الظروف البيئية والمكانية على ظهور مثل هذه المشكلات.
ثالثا: ان معرفة وتشخيص الوضع الراهن بالنسبة لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين يقتضي بالضرورة ان يتبع هذه الجهود جهود اخرى يمكن من خلالها التعرف على طبيعة الاسباب التي ادت الى ظهور هذه المشكلات بالنسبة لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين, هذه الاسباب من الممكن التوصل اليها من خلال اتباع منهج البحث العلمي الذي يمكن من خلاله حصر هذه الاسباب ومعرفة اولوياتها ثم طبيعة العلاقة بينها وبين العديد من المتغيرات سواء تلك المتعلقة منها بالعوامل الادارية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع او تلك المتعلقة بخصائص هذه المؤسسات او خصائص العاملين بها او المستفيدين من الخدمات التي تؤديها, ذلك ان التركيز على توضيح هذه الاسباب سوف يساعد متخذي القرار على اعادة النظر مرة اخرى في طرحهم وتصورهم لحقيقة واقع المؤسسات الادارية ونظام الموظفين كما انه سوف يساعدهم ايضا على وضع التصورات او البدائل والحلول التي يمكن من خلالها مواجهة الواقع ومن ثم معالجته بما يحقق التوازن بين الوضع الراهن ومتطلبات المستقبل.
رابعا: ان طرح البدائل او الحلول بالنسبة لمعالجة واقع مؤسسات الدولة ونظام الموظفين يتطلب ضرورة ان تكون لدينا القدرة على طرح اكبر عدد ممكن من هذه البدائل وتخصيص وقت كاف لذلك وعدم البت فيها قبل التأكد من الحصول على ما امكن من هذه البدائل بعد ذلك تأتي الخطوة المهمة في عملية التعامل مع هذه البدائل, وهو القيام بدراستها وتقييمها وذلك لن يتأتى الا من خلال وضع معايير محددة وموضوعية يمكن على اساسها المقارنة بين هذه البدائل والاختيار من بينها بما يحقق مهام وتطلعات اللجنة الوزارية المعنية بدراسة الهيكل الاداري لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين.
هذه المعايير لابد ان تأخذ في الاعتبار ايضا ثقافتنا وامكاناتنا المادية والبشرية وطبيعة الوقت الذي سوف يستغرقه تطبيق مثل هذه البدائل وظروف علاقتنا بالعالم من حولنا ثم النتائج المحتملة لتطبيق مثل هذه البدائل وبعد ذلك لابد ان تكون لدينا خطة واضحة لتطبيق البدائل التي تم اختيارها لادارة التغيير بالنسبة لهيكلية مؤسسات الدولة ونظام الموظفين, هذه الخطة ينبغي ان تكون منسجمة مع المعايير التي تم على اساسها اختيار هذه البدائل او الحلول المفضلة كما انها لابد ان تكون قابلة للتنفيذ والتقييم,ومن اجل دعم نجاح جهود اللجنة الوزارية المعنية بدراسة هيكلة الادارة ونظام الموظفين فان هناك بعضا من النقاط الختامية التي ينبغي التذكير بها والتي لا اعتقد انها غائبة عن اذهان المعنيين في هذه اللجنة, اولى هذه النقاط تتمثل في ضرورة وجود معايير واضحة بالنسبة لاختيار الاشخاص او المؤسسات التي ستقوم بهذه المهمة بحيث تكون من بين هذه المعايير قابلية هؤلاء الاشخاص او المؤسسات على التعامل مع التغيير وعدم مقاومته ذلك ان وجود الاشخاص المقاومين للتغيير الذين يفضلون التشبث بالحاضر والماضي ربما يمثلون معوقا رئيسيا بالنسبة لأية جهود اصلاحية تتبناها اللجنة في خططها الامر الذي يحتم ضرورة وجود التوجه الواضح لدى هؤلاء الاشخاص فيما يتعلق بقبول التغيير وادارته, النقطة الثانية ان عمل اللجان او فرق العمل الفرعية المعنية بالدراسة لابد ان يسبقه اعداد جيد يتمثل في عقد الدورات التدريبية القصيرة لأعضاء هذه اللجان والفرق بحيث تمكنهم هذه الدورات من التوحد على الهدف والرؤية المشتركة ومن ثم الوسائل التي يمكنهم اتباعها في اداء مهمتهم الى جانب تحديد الاساليب التي يمكنهم من خلالها تزويد بعضهم بعضاً بالتغذية المرتدة عن نتائج اعمالهم, هذه الدورات التدريبية من الممكن ان تكون في شكل حلقات او ورش عمل كما انها من الممكن ان تنفذ في البداية من خلال اشخاص من خارج هذه اللجان على ان يتولى بعد ذلك اعضاء هذه اللجان تنفيذ مثل هذه الدورات وخاصة اذا ما تعلق الامر بتقديم التغذية المرتدة, هذه الدورات يجب ان تكون مخططة ومستمرة الى نهاية المشروع بما يضمن تلافي وتصحيح اي اخطاء قد تنشأ خلال عملية الدراسة, النقطة الثالثة ان عملية دراسة الهيكل الاداري لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين تقتضي بالضرورة ان تكون لدينا النظرة الايجابية التي تحول بيننا وبين الحكم على الوضع الراهن بمجمله على انه سلبي ايجابي بل يجب ان نستفيد من ايجابيات الوضع الراهن كما نحاول تصحيح سلبياته وكل ذلك من خلال استثمار الخبرة المحلية بالدرجة الاولى في هذه المهمة لأنني على ثقة من انها قادرة على ذلك, النقطة الرابعة والاخيرة والمهمة تتمثل في المعلومات, ان كل ما سبق من جهود يمكن ان تأخذنا في الاتجاه غير الصحيح اذا لم تكن لدينا قاعدة من المعلومات الصحيحة تمكننا من دراسة مشكلات الوضع الراهن ورسم بدائله ووضع الخطط المناسبة لتطبيق هذه البدائل, هذا التأكيد على المعلومات يتطلب ضرورة ان تكون هناك آلية واضحة يمكن من خلالها الحصول على هذه المعلومات بيسر وسهولة والتأكد من دقتها وحفظها وتصنيفها واسترجاعها بما يخدم غرض اللجنة الرئيسية وفرق او لجان العمل الفرعية المكلفة بالدراسات الخاصة بالهيكلة ونظام الموظفين,وختاما فانني اتوقع لهذه اللجنة الوزارية المعنية بدراسة الهياكل الادارية ونظام الموظفين النجاح في مهمتها كما آمل ان يتوفر لها الدعم الاعلامي والعلمي من المؤسسات العلمية والاعلامية وان تقدم لطلاب وطالبات الادارة كحالة حقيقية على الاستراتيجية السعودية لادارة التغيير.
*مدير عام الاستشارات معهد الإدارة العامة -الرياض

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved