Thursday 11th November, 1999 G No. 9905جريدة الجزيرة الخميس 3 ,شعبان 1420 العدد 9905


مرحباً هيل عداد السيل
\د, فهد حمد المغلوث

بهذه العبارة الترحيبية الجميلة، يستقبلك أهالي الباحة فور وصولك إليهم والتقائك بهم، وكأنك على موعد مسبق معهم.
وتلك العبارة الترحيبية الجميلة التي يستقبلك بها أهل الجنوب تشعر بالفعل انك لست غريباً، بل مع أهلك وناسك، لأنك تلمس وبشكل عملي هذا الاستقبال الحار بك الذي تقابل به لمجرد نزولك من سلم الطائرة الى ارض الباحة أو عسير أو بأي وسيلة أخرى توصلك لهذا البلد المضياف أو ذاك ولتسمع بنفسك تراحيب ولا أجمل.
وبهذه الترحيبة الودودة تشعر بعمق الضيافة العربية الأصيلة وبطبيعة ابن الجنوب الطيبة ومسارعته للمنافسة في استضافتك وتعبيره عن سعادته بقدومك وبمن معك من ضيوف.
يالهم من كرماء، يظللونك بكريم ضيافتهم، كما هي جبالهم الشاهقة تظللك من كل جانب، تحتويك فتمنعك من البعد عنهم والانتقال لغيرهم، بل تمنعك من الاتصال بالعالم الخارجي عن طريق الهاتف الجوال في أماكن معينة كما هو الحال في الباحة، وكأن هذه الجبال الشاهقة التي تعيقك وتمنعك عن الاتصال بالعالم الخارجي، كأنها تقول لك: لم العجلة؟ فأنت بين أهلك، في منزلك، فدعنا ننفرد بك ونستمتع معك، ودعنا نُحسن ضيافتك، ولا داعي لأن تنشغل عنا بأمور أخرى يمكنك تأجيلها أو قضاءها أو الالتفات إليها فيما بعد.
والعبارة الترحيبية الرئيسية التي عنونت بها المقال، هي سمة مميزة لأهالي الباحة، ولها معان ومدلولات عميقة تدل على مضمونها على الكرم الذي تعود عليه أهالي الباحة مع ضيوفهم، لأنهم أهل منزل وليسوا غرباء، وكذلك الحال مع أهل الجنوب جميعاً.
ومرحباً هيل تعني ان الترحيب كبير جداً بقدر الهيل أو ما يهيله الشخص بيديه ويراكمه من كل شيء تقريباً، لأنه يرمز إلى الكثرة، كما أن الهيل هنا مرتبط بالقهوة العربية وأحد مكوناتها الأساسية والذي يعني الكرم، وكان أهالي الباحة من شدة فرحتهم بضيفهم وحبهم له ورغبتهم في تكريمه، كأنهم يقولون له: مرحباً بك وأهلاً بحجم جريان السيل الذي لا يتوقف، بل يجري متدفقاً في الأودية والشعاب ليشمل بخيراته كل القرى المجاورة له والقريبة منه والمتعطشة إليه والتي لا تستطيع ان تستغني عنه .
وللعلم، فإنه لمن الممتع حقاً ان هناك عبارات ترحيبية جميلة للضيوف تميز كل منطقة من مناطق ومحافظات الجنوب عن غيرها وان كانت تتداخل وتتكرر فيما بينها ومن ذلك مثلاً: ان أهل الباحة يستقبلون ضيوفهم بالعبارة التالية: مرحباً هيل عداد السيل .
وأهل الطائف يقولون: مرحباً عد السيل .
وأهل عسير أبها يقولون: مرحباً ألف أو مرحباً تراحيب المطر أو مرحباً تراحيب الحيا الحياة .
وأهل نجران يقولون ارحبُّوا وتقال بالتشديد والمد كزيادة في الضيافة والكرم.
أما أهل جيزان فيقولون: مرحباً ألف أولوف .
وهذا بالتأكيد مع بعض الفروقات البسيطة إلا أن ما يجمعها هو الكرم وحسن الضيافة.
والحقيقة ان ما دعاني للتحدث عن ا لباحة وأبها، هو انني تشرفت مع بعض من زملائي بزيارة للباحة منذ أيام وبمفردي لأبها حيث الطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة والجبال الشامخة والأودية السحيقة التي لها جمال لا يمكن أن تبرزه سوى عدسة مصور محترف أو ريشة فنان متذوق أو كلمات شاعر مرهف الحس.
يا الله تخيلوا اسماء لمواقع جغرافية وتاريخية وكذلك لقبائل وغيرها كنا نسمع عنها ونقرؤها في كتب الجغرافيا والتاريخ منذ كنا صغاراً، ولم نكن نستوعبها أو نعي ما تعنيه تماماً واذا بنا في هذه الرحلة القصيرة جداً نراها على الطبيعة وكأنها شاهد عيان على العصر الذي نعيشه كأنها شاهد على هذه النهضة العمرانية والثقافية التي نعيشها وعلى هذا التطور السريع الذي نلمسه في كل مناحي الحياة.
والحقيقة ان من لا يعرف الباحة أو أبها والمناطق المجاورة لها والمشابهة لها جغرافياً ويريد أن يزورها ويستمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة الآسرة التي وهبها الله إياها، والواقعة فوق قمم الجبال الشاهقة وبين الوديان السحيقة، فلا بد ان يكون قوي القلب على الأقل في مواقع وأماكن معينة لأنه لو لم يكن كذلك، فسوف يضع يده على قلبه ويغمض عينيه، وهو يسير بالسيارة على تلك الطرق السريعة المتعرجة المشقوقة في وسط الجبال الشاهقة التي تكفي بالكاد لسيارتين والتي تخترق الجبال وبين المنعطفات الخطيرة والتي لا ترى عن يمينك وشمالك سوى أودية سحيقة ليس لها قرار, أما إن كان معك سائق مطيور أو الله بالخير أو لا يعترف بشيء اسمه سرعة قصوى ، فكان الله في عونك، لأنه سوف يخفق قلبك مائة مرة في الدقيقة، لانك مع كل منعطف سريع خطر سوف تشعر بانك تهوي/ من عل انت ومن معك.
لذا، فأنت في حالة من شد الاعصاب والتوتر، ولا تشعر سوى برجليك متسمرتين مكانهما لا شعورياً تجاه فرامل السيارة من وقت لآخر وكلما أحسست بخطر السقوط وكأنك انت السائق! وبيديك تمسك مقبض باب السيارة أو أي شيء آخر قريب منك وكأنه من سوف يحميك! ولسان حالك يقول: إذا الله وصلنا بالسلامة، وهذا أنا وهذا أنتم اذا شاهدتم وجهي في هذا المكان مرة أخرى! .
أما لو كانت معك نساء وأطفال، فقد تتمنى أنك لم تأت لهذا المكان من الأصل لان ما تشاهده منهم من مشاهد الهلع والخوف وما تسمعه من صراخ سوف يجعلك في حيرة من أمرك اتبكي أم تفرح للموقف! وأعتقد انكم فهمتم القصد، ولا داعي للتفصيل أليس كذلك؟
وبغض النظر عن مثل تلك المواقف المخيفة، تظل هناك مشاهد جمالية لا تتمنى سوى ان تظل بجانبها تتأمل جمال صنع الخالق فيما أبدع.
انظر إن شئت عقبة الباحة، انظر تلفريك أبها والسودة والحبلة، أنظر لقمم الجبال المغطاة بالضباب، وكذلك الأودية وبالذات في الفجر ووقت الغروب، فماذا تشاهد؟ كل مشهد من تلك المشاهد له طبيعة جمالية مختلفة! خذ مثلاً قمة تهلل بل خذ مثلاً الجبال الواقعة في منطقة السودة بأبها، فأنت حينما تقترب منها تجد تلك القردة قادمة إليك تلعب مع بعضها البعض وتتراقص طرباً لقدومك، وكأنها تتوقع منك موزاً أو أكلاً، وحينما تغيب الشمس تراها وقد بدأت تغادر المكان لتنزل الى أسفل الأودية لتودعك، تجلس أنت بالساعات تراقب ما يدور حولك حتى اذا بدأ المغيب بدأت تشعر بلسعات برودة خفيفة تلفح وجهك وبقية أجزاء جسمك، ومع ذلك فأنت في قمة السعادة لانك تشعر بهواء طبيعي نقي بارد تستنشقه رئتاك بعدما تعودت استنشاق هواء المدن الملوث بعوادم السيارات وأدخنة المصانع.
تشعر بهدوء غير طبيعي وقت الغروب بين سفوح الجبال لا تشعر به كما لو كنت في مدينة أخرى كثيرة الصخب حتى في المساء!
تشعر بابداعات مختلفة رائعة تنهال عليك من وحي خيالك لمجرد وجودك في هذه الأجواء الرومانسية الطبيعية، تشعر بنفسك شاعراً وانت لم تنظم الشعر في حياتك، تشعر بنفسك مخرجاً سينمائياً تختار المناطق والمناظر الجميلة التي تستحق التصوير، وأنت ربما لم تعرف ابجديات التصوير.
وبين هذا وذاك تشعر ان هناك شيئا ما ينقصك لتكتمل معالم الجمال في رحلتك وهذا ما سوف تكتشفه في الهمسة المقدمة لك.
همسة
كثيراً ما نبحث عن الجمال,.
بعيداً عنا وهو قريب منا!
بجانبنا وهو بين أيدينا!
لا يفصل بيننا وبينه,.
سوى قرار منا!
***
وحينما نجد ذلك الجمال,.
حينما نشعر بروعته,.
حينما نتذوق طعمه,.
حينما تتفتح شهيتنا عليه,.
حينما نستمتع به,.
نتمنى لو لم نكن بمفردنا,.
بل مع من نحب,.
كي يشاركنا فرحتنا,.
لتكتمل سعادتنا,.
***
لنبدأ رحلة جديدة,.
نتمنى أن تكون خلوداً,.
رحلة رائعة,.
أكثر من رائعة,.
طرفاها الحب والدلال,.
مستقبلها الود والآمال,.
غايتها العيش في أحضان الجمال,.
في أحضان الدفء الحقيقي,.
في أحضان من يشعرك بالأمان,.
***
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
فنون تشكيلية
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved