Thursday 18th November, 1999 G No. 9912جريدة الجزيرة الخميس 10 ,شعبان 1420 العدد 9912


الأمير البار
أ.د . محمد بن سعد بن حسين

ابواب البر رحبة، وحديثي هذا عن بر الوالدين وحسب، وانما وقفته عليه لسببين:
اولهما: ان بر الوالدين اهم من كل بر.
وثانيهما: ان ابواب البر العامة عند الامير قد تحدث فيها كثيرون، لم ار احداً منهم تحدث عن بر الوالدين عنده مع كونه في ذلك مثلاً يحتذى، لا لكونه عملاً جليلاً حض عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة وحسب، بل ولكونه عند الامير مثالياً لكون الوالدين ليسا في حاجة اليه عملياً، وان كان من الوجهة النفسية مطلوب، لان كل نفس تهش للبر وترتاح اليه، وايسره الكلمة الطيبة والوجه الطلق الذي هو من المعروف كما ورد في الحديث الشريف وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا وان من المعروف ان تلقى اخاك بوجه طلق، وان تفرغ من دلوك في اناء اخيك , رواه الشيخان.
والبر ذروة المعروف، وذروة البر بر الوالدين، وما برهما الا نعمة من الله يمن بها على من اراد له الخير والصلاح في دنياه واخراه.
وهو، أعني البر بالوالدين، من الامور العظيمة التي حض عليها الباري سبحانه وتعالى في كتابه العزيز فقال جل من قائل: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب الاية 2 من سورة المائدة.
والبر كلمة جامعة يدخل في مدلولها كل عمل صالح من اعمال الدنيا والدين، ولذا قال تعالى في الآية الكريمة: ولكن البر من اتقى سورة البقرة الاية 189.
فالبر من سمات المتقين ذلك ان المقصود في هذا هو العمل الصالح الذي اريد به وجه الله قبل كل شيء.
وابواب البر كثيرة ورحبة أولاها بالعناية بر الوالدين، ثم الاقرب فالاقرب.
وفي بر الوالدين والاحسان اليهما جاءت الآيات الكريمة مؤكدة على ذلك.
قال تبارك وتعالى: واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً , سورة البقرة الآية 83.
وقال: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً سورة النساء الآية 36, وقال: قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً , سورة الانعام الآية 151, وقال: وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً سورة الاسراء، الآية 23, وقال: ووصينا الانسان بوالديه احساناً سورة الاحقاف الاية 15.
فلعظم شأن بر الوالدين قرن الله الاحسان اليهما بالامر بعبادته والنهي عن الاشراك به، ورسم حدود واسلوب التعامل معهما بالنهي عن التأفف منهما ورفع الصوت عليهما في مناجاتهما، والامر بالتواضع لهما وبالدعاء لهما، وزاد الامر بمصاحبتهما بالمعروف حتى وان جاهدا في صد الابن او البنت عن الخير وحاولا دفعهما الى الشرك الذي لم يرخص في معصيتهما الا اذا امرا به، قال تعالى: ووصينا الانسان بوالديه حسناً وان جاهداك لتشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما اليّ مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ، سورة العنكبوت الآية 8 وحض عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومما جاء في ذلك قوله: عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من احق الناس بحسن صحابتي؟ قال: امك, قال: ثم من؟ قال: ثم امك، قال: ثم من، قال: ثم امك، قال: ثم من: قال ابوك, وفي رواية قال: امك، ثم امك، ثم اباك، ثم ادناك فأدناك, رواه الشيخان.
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم انفه، رغم انفه، رغم انفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من ادرك والديه عند الكبر او احدهما، ثم لم يدخل الجنة رواه مسلم.
وعنه ايضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يجزي ولد عن والده الا ان يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه, رواه مسلم, وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد، رواه الترمذي.
وعنه ايضاً قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن منه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد رواه الشيخان, وفي رواية جاء رجل فقال: جئت ابايعك على الهجرة وتركت ابويّ يبكيان، قال: فارجع اليهما فاضحكهما كما ابكيتهما.
وعن معاوية بن جاهمة قال: ان جاهمة رضي الله عنه قال: يا رسول الله اردت ان اغزو وقد جئت استشيرك فقال: هل لك من ام، قال: نعم، قال: الزمها فان الجنة عند رجليها, رواه النسائي.
وعن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت علي امي وهي مشركة، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت علي امي وهي راغبة، أفأصل امي؟ قال: نعم، صلي امك, رواه الشيخان.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بروا آباءكم تبركم ابناؤكم، وعفّوا تعف نساؤكم, رواه الطبراني, وزاد في رواية عن عائشة ومن اعتذر الى اخيه فلم يقبل عذره لم يرد على الحوض.
وتقول العامة: البِرّ سلف اي انه لون من ألوان الإقراض لابد من ان يرد.
وبر الوالدين الى كونه واجباً دينياً هو ايضاً مما كان يحرص عليه العربي من اقدم ايامه ولهم في ذلك حكايات واشعار منها ماهو نصح وارشاد وتوجيه.
ومنها ماهو ثناء على البارين ومدح لهم.
ومنها ماهو ذم للعقوق والعاقين، وذلك كله كثير في كلامهم قديماًوحديثاً.
واحسب ان فيما اوردناه من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة ما يكفي.
غير اني استحسن ايراد هذه الابيات التي تصور مرارة العقوق وهو قول امية بن ابي الصلت في ابنه:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً
تعل بما احنى عليك وتنهل
اذا ليلة نابتك بالشكوى لم ابت
لشكواك الا ساهراً اتململ
كأني انا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وانني
لأعلم ان الموت حتم مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
اليها مدى ما كنت فيك اؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك انت المنعم المتفضل
فليتك اذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن
علي بمال دون مالك تبخل
زعمت بأني قد كبرت وعبتني
ولم يمض لي في السن ستون كمل
وسميتني باسم المفند رأيه
وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل
تراقب مني عثرة او تنالها
هبلت وهذا منك رأي مضلل
وانك اذ تبقي لجامي موائلاً
برأيك شاباً مرة لمغفل
وما صولة الحق الضئيل وخطره
اذا خطرت يوما قساور بزل
ولكن من لا يلقى امراً ينوء به
بعدته ينزل به وهو اعزل
فهذه الخصلة حميدة لا في خلق المسلم وحده، بل وفي اخلاق غير المسلمين وفي حق اي والد، مسلماً كان او غير مسلم، وهذا دليل على عظم شأنه.
واهم اسباب حصول البر للمرء سببان:
اولهما: ان يريد الله للمرء الخير في الدنيا والاخرى كما اسلفنا وثانيهما: ان يكون الوالدن او احدهما باراً بوالديه.
واذا كان لابد من ان يكون لكل حديث حدث يمليه ويدفع الى الكتابة فيه، او التحدث عنه، فان ما املى عليّ الكتابة في هذا الموضوع ما علمته مما لحظه غيري من عكوف صاحب السمو الملكي الامير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود على خدمة والده إمام المسلمين وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لا لانه محتاج الى مثل هذا منه، ولكن لانه، اعني الامير، يريد ذلك، وذلك رد لما قدمه والداه لوالديهما من بر.
وليس من الضرورة ان يكون الوالد محتاجاً الى هذا البر، ومع ذلك فانه يؤنسه ويشرح صدره، الى كونه اهم اسباب الألفة والمودة، وهذا يعني ان للبر مدارج اخرى غير مدارج المادة والعمل.
انه يفتح في النفس منافذ للسرور والائتناس، وأي شيء احب الى الانسان من ان يرى ابنه يلازمه كظله، وهذا ما عليه الامير/ عبدالعزيز بن فهد.
انه خلق الكرام، كبار النفوس الذين يعشقون مكارم الاخلاق ويسعون في مرضاة الله، ثم رضاء الوالدين، اللذين لابد من ان تكون تربيتهما هي المنطلق الاول لهذا الخلق، وبخاصة الوالدة التي على يدها وبأخلاقها تتكون النشأة الاولى ذات الاثر البالغ في تكوين اخلاق الابناء ذكوراً وإناثاً ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن احق الناس ببره قال صلى الله عليه وسلم: امك ثم امك ثم امك ثم أباك , فكرر بر الام ثلاثاً لما لها من فضل على ذريتها وحدب عليهم حملاً وولادةً وإرضاعاً وتنشئة وتوجيهاً.
الامير رعاه الله مثال لذلك الابن المنشأ على مكارم الاخلاق والا لما كان على ماهو عليه.
ربما اكون من اقل الناس اتصالاً بالامير عبدالعزيز الا في مناسبات عامة، وقد يكون هذا من مظاهر تقصيري في مثل هذه الواجبات الاجتماعية، ولكن ماذا اصنع وانا استسلم للورق والاقلام ورفاق العمر الكتب هؤلاء الرفاق الذين لم يخلفوا ظني في يوم من الايام، ولذا فاحأديثي عنهم طوال وصحبتي لهم اطول بمسافات، وانا بهم سعيد، ولاسلوب صحبتهم مجيد.
اقول ربما كنت اقل الناس اتصالاً بهذا الامير الشهم، غير اني رأيت والرؤية هنا علمية خلقاًجميلاً املى عليّ الاشادة والثناء عليه، انه البر، هذا الذي مجّده الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وقرن الكتاب العزيز حقه بحق الباري سبحانه وتعالى وذلك فيما اسلفنا في صدر الحديث.
من حق هذا الرجل اذن ان نثني عليه بما هو اهله، وأيسره الاشادة بهذا الخلق النبيل.
ان البر خلق عظيم، وان فعل الامير من ذلك يحسن احتذاءه لا لكونه خلق هذا الامير الشهم وحسب، بل لما أمر الله به في كتابه العزيز ، وامر به رسوله النبي الكريم على ما اسلفنا في صدر هذا الحديث، فهنيئاً للامير بخلقه.
وهنيئاً لوالديه العظيمين به وبخلقه الذي نشيد به دعوة للخلق النبيل والفعل الجميل عسى ان يكون فيه عظة وتذكير، الى مافيه من قضاء لحق الصالحين الذين من حقهم على ارباب الاقلام الاشادة بفضائلهم لكون مثل هذا من واجبات القلم النزيه الذي يؤدي حق الله عليه، ثم حق هذا المجتمع الذي هو فيه آخذاً ومعطياً، فله وعليه واجبات وحقوق أيسرها مثل هذا.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــى
محليــات
فنون تشكيلية
مقـالات
المجتمـع
الفنيــة
الثقافية
الاقتصادية
منوعـات
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
الريـاضيـة
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved