Thursday 25th November, 1999 G No. 9919جريدة الجزيرة الخميس 17 ,شعبان 1420 العدد 9919


فضل العرب على الغرب اقتصاديا
د, زيد بن محمد الرماني*

لقد تعددت المعابر التي سلكتها الحضارة العربية الاسلامية في وصولها الى الغرب الاوروبي فكانت ثلاثة معابر اختلفت فيما بينها من حيث النشاط وكمية المنقول الثقافي وهذه المعابر هي: بلاد الشام وصقلية والاندلس.
ان نظرة فاحصة للمنقول من عناصر الحضارة العربية الاسلامية والطريق الذي عبره تدلنا على ان الاندلس كانت الجسر الاهم في عملية انتقال الحضارة العربية ذلك لان الاحتكاك الاوروبي بالعرب استمر مع المشرق وصقلية فترة ثلاثة قرون بينما استمر ثمانية قرون في الاندلس.
ففي ميدان الصناعة تجلت مهارة العرب واضحة في كثير من الصناعات مثل صناعة النسيج والجلود والورق والخزف والزجاج.
فمن ناحية النسيج اشتهر العرب في صنع انواع عديدة منه واقبلت اوروبا في العصور الوسطى على المنسوجات العربية اقبالا كبيرا.
وقد انتقلت معظم الصناعات العربية الى الغرب الاوروبي عن طريق عرب الاندلس وصقلية والمغرب فصناعة الجلود اشتهرت بصورة مميزة في مدينة قرطبة حتى اطلق الاوروبيون على النوع الممتاز من الجلود اسم الجلد القرطبي .
واهتم العرب ايضا في الصناعات المعدنية معتمدين على المناجم المتوفرة من نحاس وزئبق وحديد وفضة وذهب واتقنوا الصناعة الفولاذية وصناعة السلاح والسيوف التي اشتهرت في طليطلة وصناعة مفاتيح الابواب.
يعتقد لوبون ان يكون الاوروبيون قد اقتبسوا صناعة الحلي الذهبية عن تلك السلع العربية التي دخلت اوروبا عن طريق التجارة او التي جلبها الصليبيون معهم عند عودتهم من المشرق العربي.
ويذكر كريستي في كتابه تراث الاسلام وغوستان لوبون في كتابه حضارة الاسلام انه عندما ازدهرت التجارة بين الشرق والغرب اقبل الامراء الايطاليون اقبالا منقطع النظير على التحف والحلي العربية.
ان اهم ما استفادته اوروبا كان صناعة الورق عبر المغرب والاندلس كما اشار الى ذلك الادريسي سنة 1150م مثال على ذلك.
وعندما عرف الاوروبيون الورق عن العرب في ذلك التاريخ اطلقوا عليه اسم الصحائف الدمشقية نظرا لان دمشق كانت سوقا رئيسا لتجارة الورق في ذلك العصر.
وكانت اولى المصانع التي اقامها العرب لصناعة الورق في الاراضي الاوروبية في صقلية واسبانيا.
يقول الدكتور ابراهيم زعرور في كتاب المؤثرات الحضارية العربية الاسلامية من صقلية انتقلت صناعة الورق الى ايطاليا ومن اسبانيا الى غرب اوروبا.
ويشهد على اثر العرب في هذا الجانب تعدد المصطلحات العربية المتعلقة بالورق وصناعته والتي ما زال بعضها مستخدما بلفظه العربي في اللغات الاوروبية.
ايضا نقل الغرب عن العرب صناعة الخزف التي انتشرت في اسبانيا وما زالت المتاحف الاوروبية تحوي كثيرا من الاواني الخزفية التي صنعت تقليدا لاواني عرب الاندلس ويستدل على هذا التقليد مما عليها من كتابات عربية محرفة.
كما استفاد الاوروبيون من العرب الاندلسيين على صعيد صناعة الفن التي كانت وما زالت لها اهميتها القصوى في الحياة الاقتصادية.
فعن العرب اخذ الاوروبيون وخاصة في ايطاليا واسبانيا صناعة طراز من السفن سمي العشاري من عرب الاندلس ويبدو ان تلك السفن سميت بالعشاريات لانها كانت تتسع لعشرة اشخاص.
ولان العرب هم اول من استخدم السفن ذات الاشرعة الثلاثية فقد اقتبس الغرب من العرب مبدأ الشراع المثلث وطوروه مما مكنهم من بناء سفن ضخمة.
وللعرب في الاندلس فضل السبق في تعليم الغربيين صناعة الزجاج والكريستال التي ابتكرها ودل عليها العالم العربي الاندلسي عباس بن فرناس خلال القرن التاسع الميلادي وقد اشار الى ذلك الدكتور على احمد في كتاب المؤثرات الحضارية العربية والاسلامية في الغرب الاوروبي .
وقام الاندلسيون كذلك بتعليم الغرب الاوروبي طريقة تبليط الدور والشوارع وانارتها في الليل وطريقة استخدام الريح في تحريك طواحين الاقوات الهوائية.
ولم يقصر العرب في مجال الزراعة فعن طريق الاندلس وصقلية عرف الغرب الاوروبي طريقة دراسة طبيعة الارض وتحليلها كي تزرع في المحصول المناسب الذي يمتاز بوفرة انتاجه وجودته.
وحتى لا تنهك الارض بزراعات متعددة كان العرب ينوعون الزراعات بالتناوب.
وقام العرب بتعريف الاوروبيين على مسألة العناية بالحدائق العامة والخاصة من حيث اختيار الموقع وتنوع الاشجار والنباتات.
وقد استقل علم الزراعة العربي في اسبانيا عن مباحث الطب والنبات ليصبح في اسبانيا يتمتع باستقلال تام.
ومما يجدر ذكره ان محاصيل عديدة زرعت في الغرب الاوروبي من خلال عرب الاندلس وصقلية مثل محصول الذرة والقمح القاسي والارز والسكاكر والحلويات وزراعة السبانخ والزعتر البري والكرز والرمان وجوز الهند والحامض واليوسفي.
ومن اجل صناعة العطور استقدم العرب الى اوروبا العديد من النباتات العطرية مثل العصفر والوردة الشامية او الدمشقية.
وكان هناك ايضا الياسمين والزنبق الذي تحول ليصبح شعار ملوك فرنسا والنيلوفر والسوسن ثم النباتات البصلية كالزعفران والنرجس والاقحوان.
وقد ظهرت هذه النباتات والخضار خلال القرن الخامس عشر الميلادي في كثير من مناطق اوروبا الى جانب كثير من انواع الفواكه كالتين والعنب والتفاح والخوخ والسفرجل والاجاس.
ولم يتوقف تأثير العرب على الغرب عند هذا بل ان العرب هم الذين علموا الاوروبيين طريقة حجز الماء وتجميعه في سدود او مستودعات ونقله بعد ذلك عبر قنوات مفتوحة ورفعه بواسطة دواليب الماء والنواعير واول ما وصلت هذه الوسائل الى بلجيكا وهولندا كان اعتبارا من القرن الرابع عشر الميلادي.
وقد تعلم الاوروبيون من العرب كيفية حفر الترع والقنوات التي كانت مجهولة قبلهم وطوروا الى جانب ذلك الدورات الزراعية وفن استخدام الاراضي الزراعية من اجل محصول وفير غزير.
وهكذا فان المؤثرات العربية في حقول الصناعة والزراعة والتجارة والحرف ما زالت بارزة المعالم في اوروبا.
ختاما اقول ان الفوائد التي اهداها العرب الى الاوروبيين في ميدان الاقتصاد والحياة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي بمجالاته المختلفة كثيرة لا حصر لها وما اشرنا الى شيء منه يثبت السبق الاقتصادي للعرب على الغرب.
*عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الاسلامي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved