يبدو ان المدعو حمزة باشراحيل ابتلش, من الواضح انه فهمها وحسبها خطأ، وربما راح ضحية للعجوز المتصابية هالة سرحان, وبصراحة اذا شاهدت هذه المرأة تنطط على الشاشة أشعر بالغثيان, على كل حال أم كلثوم ماتت منذ ما يقارب الثلاثين سنة وجماهيرها اصغر واحد فيهم لا يمكن ان يقل عن اربعين سنة, وحتى اذا كان لها جماهير اظنهم فقدوا زخم حضورها الفني في اذهانهم, ولم يعد يبقى من أم كلثوم الا بعض الشباب اللبناني في برامج الهنك والرنك على حد تعبير الطيب صالح.
فجمهورها الحقيقي رحل عن الدنيا ومن بقي منه لا شك فقد آذانه التي كان يسمع بها أم كلثوم، فأغانيها تنتسب لوجدان فترة امتلأت يوماً ما بالأماني والاحلام والأوهام, تحطمت كلها دون استثناء,, لم يبق منها شيء يسند أم كلثوم نفسها لو عادت فكيف بمنديلها, من يستطيع الآن ان يسمع أغنية راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر البلاد أي بلاد نحرر؟ , فالفن العربي اصبح فناً آخر لا يمكن ان يتعرف عليه منديل أم كلثوم كما ان المجريات تؤكد ان الاخ باشراحيل ليس له صلة ودّية مع عالم اليوم, واذا أصرَّ الاخ حمزة باشراحيل على الاحتفاظ بمنديل أم كلثوم فأنا على ثقة أنه سيضطر يوماً من الأيام أن يقايضه بشراب كلوديا الشمالي,, باشراحيل لم يكن ضحية جهل او خيانة ذكاء, إنه ضحية ثقافة عربية بدأت تنشأ بالتدريج وتشوش على وعي أغنياء العرب وبعض مثقفيهم, ثقافة قائمة على الخلط بين مفهوم الثراء في الغرب وبين مفهوم الثراء في الثقافة العربية, فالانسان الغربي يعتبر سيد ماله حتى يوارى القبر, لا نستغرب ولا يستغرب الغربي ان يسمع ان امرأة تركت ثروتها الكبيرة لقطّتها الصغيرة, او ان رجلا أوصى بكل ماله لجمعية كلاب ليحرم ابناءه منه, وهذا غير وارد اطلاقا في الثقافة الاسلامية، وأي تصرف مثل هذا يستوجب عادة تدخل المجتمع فورا.
فعندما تحتج الناس هنا على مثل هذا الاسراف لا تحتج فقط من باب النصح والإرشاد، وإنما لأن لها في هذا المال الذي يبدده باشراحيل نصيباً, فالحياة في الثقافة الإسلامية قائمة على التكافل, فكما يعرف باشراحيل ان الانسان في ثقافتنا هو في الواقع مدير لماله وليس مالكاً له بالاسلوب الغربي، فلا يمكن مثلاً ان يسمح المجتمع بأن يوصي المرء بريال واحد لصالح قطّة أحبها لمجرد ان يحرم اولاده.
اما ما نقرأه في الغرب ان احد الناس اشترى لوحة بملايين الريالات او حتى اشترى كنادر الفس برسلي، فهذا لا يعود في مجمله الى تقدير الفن والفنانين كما يتوهم البعض وانما يعود الى روح الاستثمار وتوظيف الاموال، فكما ان هناك بورصة للاسهم وبورصة للعقارات وبورصة للذهب فهناك بورصة أيضاً للمقتنيات والأنتيك, وهذا الاخير ليس في ذهن العرب نهائياً, فهذا يتطلب ثورة حداثية كما حصل في الغرب حتى يأخذ الماضي شكلاً كلاسيكياً يشوبه التقدير والحنين لأن صانعه غادر الدنيا ولن يعود إليها أبداً.
كما يذكرني تصرف باشراحيل وغيره ببعض المثقفين العرب الذين يخلطون بين قيم التمدن في الثقافة الغربية وبين العادات الغربية الموروثة المتداخلة معها، بعضنا مع الاسف لا يستطيع التمييز بين ما اكتسبه المجتمع الغربي من مهارات وقدرات نتيجة التقدم وبفعل العمل الحر الخلاق وبين ما ورثه الانسان الغربي من خرافات واساطير وسفاهات اجداده، فالغرب لا يختلف عن الشعوب الأخرى التي تختلط عندها المكتسبات الانسانية الناشئة بفعل العقل والتعقل والابداع الانساني وبين العادات القبيحة الموروثة من قيم متخلفة قديمة مندسة في ثنايا روحه, في كل جريدة على سبيل المثال هناك باب من اهم ابواب الجريدة للابراج والحظ وهناك الرقم ثلاثة عشر وهناك مصادرة حق المرأة في اسمها وإلحاقها بالرجل، وهناك العري الذي نراه في الافلام وعلى الشواطىء، واحب ان أشير إلى ان ظاهرة الأيدز ليست غريبة على المجتمع الغربي فالأوبئة المرتبطة بالجنس تجتاح المجتمع الغربي في كل العصور.
الذي لم يفهمه باشراحيل ولا بعض المثقفين العرب هو ان هناك قيماً موجودة ومتغلغلة في الثقافة الغربية ليس لها علاقة بالتقدم الصناعي والسياسي والثقافي الذي يعيشه الغرب، فشراء منديل أم كلثوم أو التعري على الشواطىء او التطيّر بأشكاله او العنصرية البغيضة ليس لها علاقة بالقيم الانسانية، فهذه خصوصيات يعاني منها أهلها ولكن مع الأسف تأتي مع البضائع التي نضطر ان نستوردها من هناك كما جاء الصرصار الامريكي الاحمر الذي نشاهده في مجاري بيوتنا مع البضائع القادمة من الموانىء الامريكية.
ومع ذلك ما زلت مصرّاً انه سيأتي اليوم الذي يضطر فيه باشراحيل ان يقايض منديل أم كلثوم بشراب كلوديا الشمالي.
لمكاتبة الكاتب
yara 2222 * Hotmail. Com