Wednesday 1st December, 1999 G No. 9924جريدة الجزيرة الاربعاء 23 ,شعبان 1420 العدد 9924


قراءة عابرة في ديوان (أغاريد من الخليج)
لعبدالرحمن الملا
صالح بن عبدالعزيز المحمود

عن الدار الوطنية للنشر والتوزيع في الخبر صدر الديوان الاول للشاعر المؤرخ: عبدالرحمن بن عثمان الملا بعنوان (أغاريد من الخليج)، ويحوي اكثر من خمسين قصيدة ومقطوعة، اضافة الى مسرحيتين شعريتين.
قدم الشاعر لديوانه بمقدمة مقتضبة، ذكر فيها انه لم يحاول مراجعة اشعاره او تبويبها، او الكشف عن مظاهر القصور والابداع فيها تاركاً ذلك للنقد البناء والذوق السليم.
وتكشف لنا هذه المقدمة سر التفاوت في مستوى القصائد وتدني مستوى الجل الاكبر منها فنياً، وتتضح الصورة اكثر عندما تطالع تاريخ بعض القصائد، حيث نظمه الشاعر في الخامسة عشرة من عمره.
وقد جاءت قصائد الديوان متنوعة الاغراض منها العاطفية والوطنية، بيد ان السمة الظاهرة عليها عمق التناول وجدية الممارسة الشعرية، خصوصاً عند معالجة ظاهرة بعينها.
والشيء الملفت للنظر ان (الاحساء) - وهي بلد الشاعر - لم يكن لها نصيب يذكر من شعر الشاعر، ومعلوم ان شعراء الاحساء يكثرون من التغني بها، بل هي مصدر الهام عندهم.
ويحرص الشاعر على التوجيه والنصح، فنراه في قصيدته (العلم إكسير الحياة) يحث على العلم، ويرغب فيه، ويعده القيمة الحقيقية للإنسان يقول:
وما قيمة الإنسان إن لم يكن له
من العلم نبراس يزيل الغياهبا
ألم تك إبان الورى في سباته
يغط لدحر الجهل نزجي الكتائبا
ويضيق الشاعر ذرعاً ببعض الظواهر الاجتماعية السيئة المتفشية في المجتمع فيسلط عليها سياط شعره منتقداً، وكاشفاً ظاهرها الزائف ومن ذلك قصيدته في الوصوليين الذين يصعدون على اكتاف غيرهم بالاحتيال والرياء:
اشر الناس محتال مرائي
يتاجر بالمودة والاخاء
يبدل جلده لؤماً ومكراً
مراراً في الصباح وفي المساء
له في كل ناحية لسان
بليغ في الخديعة والرياء
أما في شعره العاطفي فيظهر تأثر شاعرنا بالاتجاة الرومانسي او بعبارة ادق بالرومانسيين العرب، خصوصاً (الشابي) الذي بلغ تأثره به شأواً جعله يقلده في عنوان احدى قصائده (في هيكل الحب) وهي قصيدة مشهورة للشابي، بيد ان الملا استبدل (خلجات) بصلوات، وهو امر يحمد له، ويظهر منه سلامة البيئة الدينية عندنا، يقول في هذه القصيدة:
خلجات في مزهر الحب اتلوها
على مزهر يغني شجوني
للصباح الطروب للجدول
المنساب للندى للغصون
لحبيب رأيت فيه وجودي
بعدما كنت تائها في ظنوني
ويصطبغ شعره العاطفي بالصبغة البكائية مما يضفي على شعره توقداً في العاطفة، وحرارة في الشكوى، اضف الى ذلك سعيه الدائم الى الذوبان في الطبيعة، والانغماس فيها، ومحاولة بث آلامه واشجانه فيها، شأنه في ذلك شأن الرومانسيين:
ملك في ورده الزاهي ظلال
يبعث النشوى في قلبي الفجيع
لم ينس الشاعر قضايا امته، وما تعانيه من ظلم وويلات وقهر، فتفاعل معها، ومزج شعره بمآسيها، فجاءت قوافيه دموعاً حرى، وآهات حزينة:
وشاهد الحال في الافغان تشهده
وفي ربى الارز او انقاض صومال
وفي الجزائر ازراء تعفُ تقى
عن صنعهن سباع بين ادغال
ويظل الشاعر متفائلاً واثقاً من النصر القريب، مبشراً بقرب الفرج ولعله كان يحاول اقناع نفسه بهذه الحقيقة التي سنراها على ارض الواقع قريباً باذن الله، يقول:
أبشروا بالنصر مهما عصفت
بكم ريح البلاء الداهم
واعدوا من عظام الشهدا
جدث الظلم ونعش الظالم
وقد ألحق الشاعر بديوانه مسرحيتين شعريتين إحداهما تحكي عن قصة مجاهد فلسطيني يبذل حياته لوطنه، والاخرى تحكي قصة كفاح الشعب الجزائري ضد المستعمر، وقد جاءتا في مستوى فنى دون المتوسط، اذ كانتا من المحاولات المبكرة للشاعر.
ولا يخلو الديوان من لمحات فنية تدل على قدرة ابداعية في التصوير والتجنيح في عالم الخيال، استمع الى قوله:
فهناك تختنق اللغات ولا ترى
غير العيون تفجر التعبيرا
وقوله بديهة:
اذا امرعت (نجد) حسبت رياضها
صدور العذارى طرزت بالجواهر
على ان الديوان لم يسلم من هنات فنية، خصوصاً في الجانب الموسيقي حيث اختل الوزن العروضي في بعض الابيات كقوله:
وازرع الخير ولا تأسف في كل البقاع
وقوله:
فلئن كان صوتك السحر إني
ارى للسحر منه شكلا ثانيا
ولعل هذا راجع الى عدم مراجعة الشعر وتنقيحه كما ذكر في مقدمته.
وتعد الثقافة مشكلة الشاعر، وسبباً رئيساً في تدني المستوى الموسيقي حيث سيطر (سناد التأسيس) وهو من عيوب القافية على اكثر من ثلثي القصائد، فأصبح ظاهرة في الديوان، وحسبي ان امثل له بهذين البيتين:
وأسبح في دنيا ملونة الرؤى
بهامن شآبيب السعادة (واكف)
لئن هام أقراني بليلى وخولة
فقد همت بالامر الذي هو (اشرف)
ويجتلب الشاعر القافية احياناً، حتى ليعجز السمع عن تقبلها، كقوله:
فقلدتها عقدا من الشعر لم تكن
محاسنه الا لآلئها (اجل)
وقوله:
نريد الثريا لنا مقعدا
نريد الصعود جميعاً (إذن)
ولست بحاجة الى التعليق على مثل هاتين القافيتين، فقد نطقتا باجتلابهما!! وقد تكون قافيته لفظة عامية، كقوله:
ومصل هشموا هامته
وحناياه بكعب (الجزم)
ومن عيوب القافية الى بعض اخطاء في النحو وقع فيها الشاعر، وكان حرياً به ألا يقع كقوله:
متى (تلقاه تحسبُه) شفيقا
لما يبديه من حسن الثناء
وكان من حق العربية عليه ان يقول: (متى تلقه تحسبه) فاضطره الوزن، كقوله:
فسوف (تجدني) برغم الجراح
على ناره سحباً ممطره
وتسكين (الدال) في (تجدني) خطأ جره اليه الوزن.
وقد يتحول شعر الشاعر الى نظم ركيك لا صلة له بروح الشعر كقوله في إحدى إخوانياته:
وبعد صلاة الفجر للعلم منهل
وبعد صلاة العصر زندهم اورى
وقد يعتمد الشاعر على الأخذ المباشر من تعبيرات القدماء، واقرأوا قوله:
ومن يجعل الضرغام صيد طراده
في لحمه الضرغام - يوما - يرتع
أخذه من ابي الطيب المتنبي الذي يقول:
ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده
تصيده الضرغام فيما تصيدا
وبعد,, فقد جاء ديوان (اغاريد من الخليج) لعبدالرحمن الملا جيداً من الناحية الموضوعية، متوسطاً - او دون المتوسط - من الناحية الفنية شأنه في ذلك شأن شعر العلماء في كل زمان ومكان.
واحتفالنا بالديوان انما كان بصدوره، وهذا لا يعفي الشاعر من وجوب الاهتمام بشعره، ومحاولة الارتفاع بمستواه الفني، ونشر المتميز منه,,, والله الموفق،،
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

منوعـات

شعر

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved