Wednesday 1st December, 1999 G No. 9924جريدة الجزيرة الاربعاء 23 ,شعبان 1420 العدد 9924


أمان الخائفين
آلام الصفعة الأولى
د, هناء المطلق

أرجو ان تكون قد استفدت خلال الاسابيع الماضية من العلاج عن طريق الاسترخاء والتخيل,, فهذا العلاج كما تعرف حملة تنظيفية واسعة على جحور الفئران التي كانت ترعى في سراديبنا العميقة دون علم منا,.
فماذا حلمت بعد الاسترخاء؟.
لا أشك في انك حلمت احلاماً قوية, فالحلم ليس الا صورة تلقائية لما يحدث في تلك السراديب، اي في لا شعورك ومن هنا فلا تتعجب حين تدور احلامك حول الخوف والاخافة, فاحلام ما بعد الاسترخاء تقول لك بلغة رمزية قد لا تفهمها ماذا فعلت من تنظيفات في السراديب, وقد تظهر لك الوجه المفزع لفئران أكثر ضراوة مستخدمة صور من اوجعوا طفولتك وعصا مدرسيك ايام المدرسة, فلا تهتم لضراوة الأحلام كما فعل من استجار بي فزوعاً منها, وأعلم انك المسيطر والقوي هنا ذلك لانك قد دخلت الى السراديب عنوة وهدمت الجحور.
فماذا تتوقع من الفئران ان تفعل؟.
تتجلى في كوابيس وفي تعب جسدي وفي اكتئاب وضيقه, هذا ما كان من أمرها.
أما ما سيكون من أمرك فعليك ان تواصل مطاردتها وكنسها, وذلك بأن تواصل الاسترخاء الذي تعلمناه ومعه التخيل, فهذا هو الدواء الشافي لاستهانة المدرسين بك ولصفعات ابيك ولضعف امك الذي لم يمنعها من المقارنة المجحفة لك بابن خالتك وأبناء الجيران.
ولقد طلب الي البعض ان اطرح فنيات العلاج النفسي عن طريق الحلم ولكنني اعتذر عن ذلك فرغم انني في الواقع استند بشكل رئيسي في علاجي النفسي على أول حلم يحلمه الشخص بعد جلسة العلاج الاولى (حيث يتم التحرش عنوة بما في الجحور) الا انني اتجنب الكتابة عن الفنيات لخطورتها الشديدة حين تقع في أيد غير مدربة, وتجنباً لزعل من طلب الحلم فسوف اتناول لاحقاً بشكل مبسط معنى الحلم ومعنى رموزه وفكرة استخدامنا له في العلاج النفسي تبعاً لمدرسة كارل يونغ.
وأريد منذ اليوم أن ادخل في علاج ينتمي الى نفس الفصيلة لاضطراب يشتكي منه الكثيرون وهو الألم الجسدي الذي ليس له اسباب عضوية, فمنذ خمس سنوات وسوسن تعاني من ألم الظهر لم يبق طبيب ماستشرته، يقولون ما فيني شي .
معظم الناس يعانون من ألم في مكان ما, وقد يتنقل لدى البعض وقد يثبت او قد يختفي إلى حين ليعاودهم في ازمنة الضعف والتوتر والانهزام, وان كنت تعاني منه فاغلب ظني انه عاودك اثناء الاسترخاء فأفسده عليك.
فما هو هذا الألم؟ ومن أي جحر أتى؟.
يميل بعض علماء النفس إلى اعزائه الى اسباب قد تبدو غريبة للوهلة الأولى ولكنها تكسب مصداقيتها من نجاح العلاج.
فالأسباب تعزى الى مخزونات ذاكرة الجسد, ذاكرة ظهر سوسن, وهي مخزونات عاطفية غالباً ما تتعلق بالشعور بالذنب وجلد الذات, أي انه بقايا تعليمات وتجارب الطفولة واحباطاتها التي تبقى محفورة في ذاكرة الجزء الموجوع من الجسد.
فالفكرة الاساسية ان للجسد ذاكرة خاصة به, لكل خلية من خلايانا ذاكرتها الخاصة, فالعقل لا يقتصر على المخ كما كان يعتقد بل ينتشر في كل خلية من خلايانا التي صرنا نعرف بعد استنساخ دوللي بانها ليست الا خريطة مصغرة للعالم.
فحين تُضرب على يدك بسبب تقصير ما مثلاً فسوف يشفى الألم الجسدي للضربة ولكن شيئاً ما يترسب في ذاكرة يدك ويبقى مرافقاً لك في رحلة حياتك, يتربص بك ويفاجئك حين تضعف بألم يشبه الم الصفعة الاولى, فالبعض يعاني من الم الظهر والبعض من الم الكتف ووو,.
اما لماذا تبقى الألم؟ لا تتعجب ان قلت لك بأننا نحتاج هذا الألم الجسدي لأنه يقوم لنا بوظيفة ما فهو يعبر عن الشعور بالذنب المختزن سواء كان هذا الشعور بالذنب ايجابياً كما في حالة علي او سلبياً كما في حالة خاتمه .
علي: آلام في الكتف الأيمن تعاوده بقوة حين يكون (مبسوطاً) جالساً مع اصدقائه، حسب تعبيره هو، الذكرى الطفولية التي استثيرت اثناء العلاج النفسي: ضرب ابيه له على الكتف حين كان طفلاً.
والمهم هنا هو سبب الضرب, فقد كان ابوه رجلاً جاداً وقاسياً, يضربه بقسوة حين يهمل في اداء مسؤولياته (مرة ضربني بوحشية حين لهيت باللعب فلم اذهب مع السائق لاحضار اختي من المدرسة فبقيت هناك حتى العصر).
برمج الضرب خلايا علي, بقي الألم العاطفي مخزوناً بها بعد أن كبر وتوقف الضرب, أي بالعربي الفصيح صارت مخزوناته توجعه حين يقصر في اداء مسؤولياته، فاثناء العلاج وحين استبصر علي بحالته تذكر أن كتفه لا يوجعه في كل مرة يجلس الى اصحابه بل فقط حين تكون الجلسة على حساب تأدية واجبات اخرى, ففي الاسبوع الماضي مثلاً خرج علي مسرعاً مؤجلاً الذهاب بطفله المريض الى الطبيب حتى الغد (لأن العيال يحترونه في الاستراحة), ليلتها وضع ثلاث كمادات وابتلع اربع حبات دون فائدة، دون ان يربط السبب بالمسبب, فالخلايا قد شفت من الالم الجسدي ولكنها اختزنت الدرس الذي يطفو على السطح اوتوماتيكياً كلما قصر الطفل الذي كبر عن اداء واجبه.
ليت كل المخزون ايجابي,, ولكنه للأسف ليس كذلك لمعظم الناس كما في حالة خاتمه التي سأكملها في الاسبوع القادم لما لها من شجون.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

منوعـات

شعر

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved