بلا هوية د.فهد حمد المغلوث |
الكل منا يتمنى أن يجوب بلاد الله الواسعة طولاً وعرضا، ان يعرف على الأقل أحوال الناس ممن هم حوله وقريبون منه داخل وطنه على أقل تقدير، يريد ان يرى بنفسه كيف يعيش الناس حياتهم الاجتماعية.
يريد أن يعرف ما لديهم وكيف يتعاملون مع غيرهم وما هي مبادئهم وأفكارهم الى غير ذلك من الأمور، لأن الإنسان بطبعه فضولي, ولكنك أحيانا وبعد معرفتك لتلك الحقائق ومشاهدتك لتلك الأشياء والوقائع بعينيك قد تصاب بالذهول والاحباط وخيبة الأمل.
نعم فأحيانا تتمنى لو كنت تعيش في جهل مطبق لا تريد ان تغادر عالمك الخاص مهما كان بسيطا ومتواضعا! تريد ألا تعرف ما يدور حولك من أشياء انت غير قادر عليها! تريد ان تكتفي بواقعك الذي تعيش فيه وتنتمي إليه، وتظل أنت كما أنت، لأنك لو خرجت الى المجتمع الخارجي وأنت غير مؤهل له بعد، وشاهدت ما فيه وما يدور داخل أسواره لضاق صدرك وتنكد يومك وندبت حظك وبدأت في إعادة النظر في حياتك ولربما اكتأبت لبرهة من الوقت كفيلة بأن تؤثر عليك سلبيا طيلة يومك هذا ان لم تتجاوزه الى ما بعده، بل حتى على علاقتك بالآخرين بل ربما قلت لنفسك حينها الله يخلف علينا كنوع من التحسر ورثاء الذات الا تقولها أحيانا؟
والسبب في ذلك، أنك من خلال هذه الرؤيا الجديدة المفاجئة والحقائق غير المتوقعة، تكتشف انك قزم بكل ما لديك من قدرات ومواهب فطرية! - وهذا بالمناسبة شعور إنساني عام وداخلي - نعم تشعر انك لا شيء أمام من يملك كل شيء، أمام من يملك ان يؤشر بإصبعه بل برموش عينيه ليحصل على ما يريد، ليأتيه ما يريد من يديه دون عناء في تفكير او مراجعات رسمية مهينة وسكب ماء الوجه والتذلل للآخرين، علما بأنك أكبر من ذلك بكثير بعلمك واخلاقك وقدراتك ومواهبك التي لا يستهان بها، والإنسان منا مهما كذب على غيره فلا يمكن ان يكذب على نفسه لانه أعرف الناس بقدراته وامكانياته.
ومكمن هذا الضيق تحديدا أنك ترى الناس لديهم كل شيء وأنت معدم ولا اقصد في المال فحسب ولكن في أمور أخرى كثيرة ترى الناس في المقدمة وانت مازلت في المؤخرة، ترى الناس وصلت إلى ما تريده وتطمح إليه وربما أكثر مما تستحقه، وأنت كما انت مكانك سر، كما هو حال المثل الشعبي القائل طاح الجاعد وأنا قاعد! .
والمقصود بالجاعد هنا هو جلد الحروف وفروة شعره او صوفه بعد ان يتم دباغته، وكثيرا ما كان يستخدم قديما كوسادة يضعها راكب الدابة على ظهر دابته لحمايته ولراحته.
ويضرب المثل في الشخص ينتظر فيطول انتظاره، واذا بغيره قد سبقه كثيرا وحقق ما يريده، كما يضرب في الشخص الذي لا يكترث بشيء مهما كان، كما هو الحال بالنسبة للشخص الراكب على دابته الذي حينما يسقط الجاعد من تحته لم يشعر او لم يأبه بذلك بل استمر في السير ولم يغادر مكانه كأن شيئا لم يكن! مع الفارق طبعا!
نعم ان مكمن الاحباط انك ترى الناس من حولك يتكلمون من منطق القوة وانت لا حول لك ولا قوة!
مكمن الضيق انك ترى نفسك تكافأ بالتجاهل، بينما غيرك يكافأ بكل المزايا والصلاحيات وغيرها في الوقت الذي تكون فيه انت لا تقل شأنا هذا إن لم تكن أفضل واولى بكل المقاييس ولكن المعايير التي يقاس بها ليست معاييرك ولا حتى معايير المنطق والعقل!
والأكثر قهرا ان شئت انك كأنسان عملي وجاد ومخلص يطلب منك أكثر من طاقتك يطلب منك ان تقوم بكل شيء تطوعا دون مقابل حتى لو كان تقديرا معنويا في ان هذا العمل او حتى الأقل منه عندما يقوم به شخص آخر اقل منك يكافأ عليه وربما يدعى لحفلة عشاء تكريما له ومع ذلك فأنت ترضى القيام بالعمل على حساب نفسك وصحتك ومالك بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى وذلك بطيبتك الزائدة وروحك المتسامحة.
وبذلك فإن الإنسان منا في أحيان كثيرة يبيع نفسه بشكل رخيص لدرجة تفقده هويته ويشعر بعدم قيمته! ألا ترون معي ذلك؟
بل ربما واجهك احباط آخر وهو انك حينما تسافر للخارج وتشعر باحترام الناس للوقت وتقديره في جميع شؤونهم الحياتية، ثم تقارن ذلك بما هو في وطنك تتضايق وتنبرم وتتمنى ان لو كان هناك جزء من هذا الاحترام والتقدير للوقت لديك حيث تسكن، لأن حبك وولاءك لوطنك ومجتمعك يجعلك تتمنى ان تراه الأفضل والأجمل والأرقى وهذا بالمناسبة جزء من الهوية.
وهنا وفي ظل هذه الاحباطات المتتالية وخيبات الأمل المتوالية ونوبات الضيق النفسي المتكرر، ربما تسأل نفسك: هل لي هوية؟ بل أما زالت لي هوية وإن كانت موجودة فالفعل، فكيف اشعر بها؟ كيف أنميها؟ كيف احافظ عليها على الأقل لدرجة تشعرني بالرضا عن نفسي؟ وعدم النظر إليها بشيء من النقص وهذا أمر وارد .
ان الهوية التي نتحدث عنها ليست جنسية نحملها ونعتز بها فحسب, ان الهوية التي ننادي بها ليست صورة مثبتة في بطاقتنا الشخصية فحسب، ان الهوية التي نعنيها ليست رقما يميزك عن غيرك من بني جنسك، أبدا! فالهوية المقصودة, هي الذات التي ما زلنا نبحث عنهاونحاول تأكيدها وسط ركام المتناقضات الحياتية اليومية التي تغلف حياتنا.
إن الهوية المطلوبة هي الشخصية التي نحاول الاحتفاظ بها بكل ما أوتينا من قوة، رغم محاولة البعض طمس معالمها منا وتمييعها واضفاء الهامشية عليها.
الهوية التي نتمناها، هي العزة والكرامة التي نصر عليها لأنفسنا ولوطننا الغالي الذي ننتمي إليه ونكن له كل الولاء والحب وننافح عنه بالغالي والنفيس تحت كل الظروف.
الهوية التي نناضل من أجلها هي الثقة والاعتزاز بالنفس التي نحاول ان تكون جزءاً منا رغم محاولة البعض الآخر التقليل من أهميتها وشأنها.
هويتك باختصار هي شعورك بأنك موجود، وبأنك جزء من هذا الوجود، ولك دور فاعل فيه مهما كان بسيطا أو وقتيا.
بل هي تمسكك بدينك وقيمك ومبادئك التي تفتخر بها ولا يمكن ان تتنازل عنها بسهولة مهما كانت المغريات الخارجية.
وأخيرا تذكر أن هويتك بالاضافة الى ذلك كله هي الصفات الحلوة الجميلة التي عُرفت بها من خلال الناس والخصال الحميدة التي مازالت جزءاً لا يتجزأ منك، وان كنت متشككا في ذلك فاسأل نفسك: لماذا هذه المحبة الكبيرة والمعزة الخاصة لي من قبل الطرف الآخر او ممن هم حولي؟ لماذا هذا التمسك الشديد بي؟ لماذا هذا الاهتمام الكبير بي؟ بل لماذا هذا الوقوف المتواصل معي تحت كل الظروف؟
ان كل هذه الأسئلة وغيرها سوف تعطيك إجابة واحدة لا غير، وهي ان روحك حلوة، نفسك طيبة، هويتك لها قيمة عند غيرك، وهذا ما يبحث عنه الآخرون، هذا ما يحاولون الوصول اليه والحصول عليه، ومن يدري لعله يكون جزءاً مكملا لما معهم! من يدري؟!
إذن فالهوية موجودة بداخلنا من الأصل ولكن سامح الله من قتل هذه الهوية بداخلنا ومسحها، الهوية موجودة ولكننا نحن من نركنها او نتناساها او نهملها أحيانا دون ان نشعر وأحيانا بحسن نية!
الهوية موجودة لدينا ولكن مفهوم البعض منا لها قاصر وضيق ومحدود في مجال معين بل ما بالك اذا عرفت ان هوية غيرك مرتبطة بك، جزء لا يتجزأ منك؟ ما رأيك حينئذ هل ستظل متضايقا بعد معرفة هذه الحقائق الأخيرة؟ فقط قل الحمد لله على ما أنا فيه ولا تلتفت للوراء.
وعموما ان كنت مازلت تعتقد انك تبحث عن هويتك، فتذكر ان رمضان قادم، وماهي إلا أيام قليلة ويطل علينا بطلعته البهية، فحاول ان تجد هويتك فيه، لأن الفرصة كبيرة جدا فاحرص عليها وتمسك بها فهو شهر الخير, جعل الله أيامكم كلها خيراً وكل عام وأنتم بألف خير.
همسة
كم هو جميلٌ أن أغمض عينيّ
لأُبحِر في الخيال,.
لأرحل مع الجمال,.
لاشعر أني مع الدلال,.
وليس أي دلال
لأعيش في الأحلام!
في عالم آخر,.
أعلم أنه ليس لي,.
ومع ذلك ارضى به!
أصدقه وكأنه ملكي!
***
جميلٌ أن أعيش تلك الأحلام
أن أجرّب تلك الأوهام
ولو لدقائق معدودة,.
ولو لجزء من الوقت,.
على أن أفتح عيني,.
لأجد أمامي وبين يدي,.
عالمٌ كل ما فيه,.
يُشعرني بعجزي,.
يُحسسني بتفاهتي,.
بأنني لا شيء!
رغم أنني أشكِّل شيئا!
بل كل شيء أحياناً!
***
وكم هو مؤلم على نفسي,.
أن اكتشف بنفسي,.
أن من كان بالأمس لا شيء,.
أصبح اليوم شيئاً!
عفواً,, كل شيء!
رغم أنه لا شيء!
في كل شيء,, !
***
وحينها يحقُّ للشفاه,.
أن تبتسم سخريةً!
حينها يحقُّ للزفرات,.
أن تخرج موجعةً!
لتعلن بكل حسرة:
كم هو غريب هذا الزمان!
كم هو صعب أن تُهان!
أن تُنادى بإنسان
وهويتك كإنسان,.
سُلبت منذ زمان!
ضاعت ولم تعد كما كان!
منذ أن رضيت بالهوان!
منذ أن اصبحت بلا كيان!
منذ ان أغمضت عينيك,.
منذ أن تنازلت عن حقك,.
فرضيت بأيّ شيء!
فلم يعد لديك شيء!
***
منذ ان قلت بينك وبين نفسك:
يكفي أنني احمل اسم إنسان,.
وبداخلك,, في قرار نفسك,.
تبحث عن ذلك الإنسان!
تتوق لذلك الكيان!
أتمنى الا تكون ذلك الإنسان!
|
|
|