Friday 3rd December, 1999 G No. 9927جريدة الجزيرة الجمعة 25 ,شعبان 1420 العدد 9927


عدد من المختصين وأهل الرأي لـ الجزيرة
ترجمات المستشرقين لمعاني القرآن بحاجة للتدقيق والمراجعة قبل إصدارها

* كتب - المحرر
قام الكثير من المستشرقين باعداد تراجم لمعاني القرآن الكريم، وتعمدوا دس أفكارهم السوداوية المنحرفة من خلال تحريف المعنى وفقاً لأهوائهم، وبما يشوه صورة الإسلام وسماحته ويؤدي إلى التنفير منه,, وفي نفس الوقت نجد تقصيراً واستسلاماً من جانب علماء المسلمين للاجتهاد في الرد على هذه التراجم المشبوهة، واعداد تراجم تطابق المعاني العظيمة التي تبرز سماحة الإسلام، وتعبر عن اعجاز القرآن الكريم.
الجزيرة رأت طرح هذه القضية على عدد من رجال الفكر الاسلامي والمختصين، في محاولة منها لمعالجة هذا الأمر الذي يحاول الإساءة للاسلام، ويجعل أبناء المسلمين وخاصة الأقليات والجاليات المسلمة التي لا تتحدث اللغة العربية في حيرة وتردد.
بداية المستشرقين
بداية اللقاء كانت مع الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، الذي استهل حديثه باسترجاع الماضي لكشف النقاب عن هؤلاء المستشرقين، فقال: كانت الأندلس تعيش في ظل الإسلام في حياة حضارية مزدهرة انبهر بها الأوروبيون الذين كانوا يغطون في سبات عميق من الجهل والتخلف، فأرسلوا أبناءهم لتلقي العلوم والمعارف، والتعرف على أسباب الرقي والتقدم، وعادوا بانطباعات ومشاعر عن الاسلام أفزعت زعماءهم ورجال الدين فيهم.
وأضاف قائلاً: كما أفزعهم خوف الانصهار وفقد الهوية في مكان آخر من بلاد الإسلام دخلوها غزاة عابثين هي بلاد الشام ومصر، فأخذوا يفكرون ويخططون لوقف المد الاسلامي السريع، الذي يهدد بلادهم، فقادهم تفكيرهم إلى دراسة الإسلام، وأسباب القوة فيه ودعائم انتشاره، ورأوا بعد تجارب أن أفضل وسيلة تقف بين الأوروبي والتأثر بالاسلام هي الوقوف بينه وبين تلقيه من منابعه الأصلية، وعرضه بصورة مشوهة منفرة، تملأ قلبه حقداً وغيظاً وتزيده أزوراراً ونفورا.
وأردف د, العوفي بقوله: فنذر جماعة منهم أنفسهم لتحقيق هذا الهدف، وتخصصوا في دراسة الإسلام، والعلوم الإسلامية، فألفوا الكتب، وحققوا المخطوطات،ونشروا الموسوعات وأقاموا المؤتمرات التي وصلت إلى 36 مؤتمراً عالمياً، وهم يتراوحون في ذلك بين العداء المكشوف، وبين العداء المتستر بلبوس العلم والموضوعية والانصاف.
وتأثر بهم عدد من أبناء المسلمين فروجوا لهم ونشروا مؤلفاتهم وتبنوا فكرهم، وكان مصدرا التشريع القرآن والسنة الهدف الأول والرئيس الذي تسابق المستشرقون على دراسته، وتعاورته أيديهم بمعاول الهدم، والتشويه والتحريف، وكانت الترجمة احدى وسائل الهدم الخطيرة التي سلكوها ليس فقط إلى اللغات الأوروبية، بل إلى لغات الشعوب الأخرى وبخاصة في آسيا وأفريقيا.
فنشروا آلاف الترجمات المحرفة للقرآن الكريم، وسبقها العديد من الدراسات والبحوث المشككة في مصدره وتلقيه، فزعموا أنه ليس وحياً بل هو من عند محمد صلى الله عليه وسلم وزعموا أنه اعتمد على الكتاب المقدس، وبخاصة العهد القديم، وشككوا في صحة النص القرآني وبأنه تعرض للتغيير والتبديل.
ثم قال الدكتور العوفي: ولم يكتفوا بذلك بل تفننوا في ترجماتهم كما يحلو لهم من تحريف الكلم، وترتيب السور، وبتر النص، وعدم التقيد بالآيات وربما أضافوا صوراً مرسومة يزعمون انها محمد صلى الله عليه وسلم ، وغيرها من أساليب التحريف والتشويه التي تسعى لتهوين أثر القرآن في قلوب الناس.
وكانت أول ترجمة لاتينية للقرآن قام بها روبرت الكيتوني عام 1143م لم يكتف فيها بالتحريف والتشويه، بل ألحق بها هجوماً وقدحاً للاسلام.
ثم جاءت الترجمة المحرفة الثانية إلى اللغة اللاتينية عام 1721م على يد لودفيج ماراتشي وتوالت الترجمات بعد ذلك، حتى بلغت 450 ترجمة كاملة إلى حوالي عشرين لغة أوروبية، غير مئات الترجمات الجزئية.
آلاف الترجمات المحرفة
واستطرد العوفي بقوله: وفي احصائية لترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغات المختلفة من عام 1515م إلى عام 1980م، بلغت 1380 ترجمة كاملة و1292 ترجمة جزئية، النسبة العظمى من هذه الترجمات قام بها غير مسلمين، وأدخلوا فيها ما أرادوا من التحريف والدس والتشويه وفي الوقت الذي تنتشر فيه آلاف الترجمات المحرفة للقرآن الكريم، هناك نشر محموم لآلاف الترجمات للانجيل والكتابات المسيحية الأخرى التي رصدت لها الأموال والميزانيات الضخمة.
فحتى عام 1984م ترجم الكتاب المقدس ترجمة كاملة الى 107 لغة افريقية،كما ترجم العهد القديم الى 117 لغة افريقية.
هذا السيل من الترجمات المحرفة، والذي ساهم في عرض الإسلام بصورة مشوهة ماذا يقابله من جهود من قبل المسلمين، لعرض ترجمات صحيحة تعرض الإسلام كما جاء به الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ، وتنفض عنه السخام الذي أثارته ترجمات غير المسلمين؟
لا تزال تلك الجهود ضعيفة وهي مسؤولية تحتاج الى التظافر والعمل الدؤوب والبذل السخي من القادرين، من أجل اخراج ترجمات دقيقة تعرض الإسلام عرضاً صحيحاً، وترد على كثير من الدس والافتراء الذي لحقه من أعدائه.
دور رائد للمملكة
ونوه الدكتور العوفي بالدور الرائد الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في خدمة القرآن الكريم طباعة ونشراً وترجمة لمعانيه، من خلال وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، والذي يحظى بكل التقدير والاعجاب حيث قام بنشر اربعين ترجمة لمعاني القرآن الكريم الى عدد من اللغات العالمية، كان لها الأثر الطيب في عرض معاني القرآن الكريم عرضاً سليماً، يتفق مع العقيدة السليمة والرسالة الخالدة التي جاء بها الإسلام، وفي خطط المجمع عرض المزيد من هذه الترجمات وفق معايير وضوابط دقيقة، وهو عمل تنفرد به المملكة العربية السعودية بين دول العالم الإسلامي اليوم، نتمنى ان يحذوا المسلمون المؤهلون حذو المملكة في العناية بالقرآن الكريم، وترجمة معانيه الى لغات العالم، حتى يمكن التصدي لتلك الترجمات المحرفة والمشوهة التي تفرق شعوب العالم.
معظمهم غير مؤتمنين
المتحدث الثاني كان الدكتور عبدالعزيز بن ابراهيم العُمري عضو هيئة التدريس في كلية العلوم الاجتماعية بالرياض الذي قال: لا شك ان الترجمة أمانة يؤديها ويقوم بها صاحبها بما تقتضيه الأمانة من واجبات،وأهم ما في تلك الأمانة ان يؤديها على الوجه الصحيح.
وأضاف قائلاً: ومن المعلوم ان بعض الناس قد لا يؤدي الأمانة لسبب أو آخر، وبالتالي علينا ان نعرف السبب وراء ذلك، ومن أهم أسباب عدم ادائها وخصوصاً في مجال الترجمة لمعاني القرآن الكريم التحيز والعداء ضد الإسلام والمسلمين، وضد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السبب كان وما زال موجوداً عند كثير ممن ترجموا القرآن ترجماته الأولى من المستشرقين، إلى اللغات الأوروبية.
ثم قال د, العُمري: إلا أن خوف بعضهم من متابعة أعمالهم العلمية بمراجعة ما قاموا به من ترجمات، جعل الكثير منهم يخشون النقد العلمي، ويحسبون حساباً كبيراً للمتابعات والمراجعات العملية لما يقومون به، وخصوصاً في اللغات المشهورة الحية والتي يكثر اتصال المسلمين بها مثل اللغة الانجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية، وبالتالي فإن اصحاب النوايا ممن يترجمون لهذه اللغات في الغالب لا يلجأون إلى المغالطة الظاهرة، ولكنهم في الوقت نفسه قد يشوهون المعاني المقصودة في الآيات القرآنية بسوء الصياغة أو المغالطة لما يحتمل أكثر من معنى في بعض الآيات، وبالتالي قد توجه الترجمة بما يُفهم منها معنى آخر مع الحذر من انتقاد العلماء، ولا شك ان المستشرقين ليسوا سواء، فهم لا يخلون من المنصفين، إلا أن الكثير منهم غير مؤتمنين على الترجمة لسبب أو آخر.
وأردف الدكتور عبدالعزيز العُمري بقوله: ولا شك ان لوي اعناق الترجمات كان أقوى في التراجم الأولى، حيث كان المهتمون بالمتابعة والنقد قلة، وبالتالي كانت فرصة المترجمين أكبر في عدم اكتشاف اخطائهم المتعمدة أو الأخرى، أما في الوقت الحالي فلسهولة الاتصال يحسب المترجمون حسابات قوية للنقاد والمراجعين، وبالتالي فإنهم لا يقدمون على خطأ متعمد في الغالب وخصوصاً في اللغات الحية.
الشروط العلمية للترجمة
ويرى د, العُمري ان المسلمين هم خير من يقوم باعداد مثل هذه التراجم، ولكن بالشروط العلمية الصحيحة التي من أهمها فهم القرآن فهماً صحيحاً باللغة العربية، والعلم بأحكامه وأسباب نزوله وما يرتبط به من تفسير وغيره من علوم القرآن،كذلك لابد من القدرة التامة على الفهم والصياغة الصحيحة في اللغة الأخرى بما يناسب العصر وعقول الناس،في البلاد الموجهة لها تلك الترجمة ، وينبغي ان يكون المترجم من أهل اللغة الأصليين لا ممن اكتسبها عن طريق التعليم، لأن ذلك أحرى بالقدرة الصحيحة على صياغة معاني القرآن باللغة الأخرى.
وأكد الدكتور العُمري على أنه لا يمكن ان تخلو أي ترجمة بشرية للقرآن الكريم من الخطأ وهذا من كمال القرآن، حيث لا تتم الصحة إلا لآيات الله ولفظه الذي أنزله بلسان عربي مبين أما الترجمة فهي صياغة بشر، ولا تخلو من الخطأ مهما بذل فيها من جهد.
وطالب العُمري المترجمين بضرورة تحري الدقة مع سلامة النية واتباع الطرق العلمية الصحيحة من المراجعة والتدقيق، مشيراً إلى أنه على القائمين على النشر استمرار المراجعة والتصحيح، فكل عمل بشري معرض للخطأ، والترجمة في حد ذاتها هي عمل بشري.
وأشاد الدكتور العُمري في هذا الصدد بالجهود التي تبذلها وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد لمراجعة ترجمة معاني القرآن، مبيناً انه من خلال زيارات متعددة لعدد من الجاليات المسلمة، تبين له ولغيره بعمق أهمية الترجمات لمعاني القرآن التي تخرج من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وأشد على أيدي المسؤولين في الوزارة وفي المجمع باستمرار العمل وبذل الجهد بما يستطاع لخدمة القرآن الكريم،وايصال كلام الله للناس، وتفهيم ذلك باللغات الأخرى قدر المستطاع، اثاب الله الجميع واعانهم على اداء الواجب.
تراجم يعتريها الخلل
أما الدكتور صالح بن محمد السنيدي رئيس المركز الثقافي الإسلامي في أسبانيا فيؤكد ان هذا الموضوع الحيوي يحتاج إلى اهتمام خاص.
وقال: بالنسبة لتراجم معاني القرآن الكريم التي تتداولها الأيدي في لغات كثيرة فهي في الغالب الأعم يعتريها الخلل ويلفها الغموض والاختزال وربما التحريف والتشويه والدس، ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل ونقصد بهم غالبية هؤلاء الذين وضعوا أنفسهم لترجمة معاني القرآن الكريم فهم إما دارس للغة العربية غير متقن لمعانيها ولا حاذق في اكتناه مقاصدها في نحوها وبلاغتها، أو متعلم لها قصد من وراء عمله خدمة أهداف يسعى إليها من تشويه لكتابنا الكريم وتقديمه للقارئ الأجنبي بصورة رديئة وبشكل هزيل.
وأضاف د, السنيدي بقوله: وفي اعتقادنا ان هذا العمل يصعب ان يقوم به فرد واحد ولابد من تضافر الجهود وأخذ زمام المبادرة لاخراج ترجمة جيدة نستطيع من خلالها ابراز عظمة قرآننا وما يحمله من بيان واعجاز ومعان جليلة وتوجيهات سامية للبشرية جمعاء.
وطالب السنيدي بتشكيل فريق يضم عالم اللغة العربية والفقيه باسرارها وما ترمي إليه ظواهر كلماتها وخوافيها، وكذلك العالم باللغة المراد الترجمة إليها القادر على تقديم هذه الترجمة بأحسن صورها: صياغة وأسلوباً وترتيباً منطقياً يتناسب وعقلية المخاطب، يضاف إلى هؤلاء فريق رديف من فقيه بعلوم الدين وأحكامه الى باحث أو أكثر لترتيب النصوص وجمع التفاسير المختلفة للآية الواحدة من التفاسير المعتمدة مع توفير الامكانيات الضرورية لهذا الفريق ليقوم بعمله على الوجه الأمثل، مع التوجيه باهتمام الترجمة بما يتناسب وعقلية المشاهد من حيث التوسع في مواضع تستوجب ذلك والاختصار في مواضع أخرى والتوسط في ثالثة مع الاهتمام بتفسير المعاني وشرحها ثم اعطاء الصورة الكلية للنص المترجم.
وأوضح الدكتور صالح السنيدي بأنه في هذا الصدد يسعى المركز الاسلامي في مدريد للاعداد لترجمة تراعي هذه الشروط وتعالج النقص في المكتبة الاسبانية في هذا الجانب خاصة وقد كثرت المطالبات وتعالت الأصوات للقيام بمثل هذا العمل من جانب هيئات وشخصيات موثوقة خاصة، وأن ما يتداول في ترجمة معاني القرآن الكريم بهذه اللغة لا يلبي الحاجة للمسلمين الناطقين بهذه اللغة والطموح بتقديم ترجمة تفي بالغرض المتوخى من قبل أبناء المسلمين الذين لديهم إلمام بهذه اللغة.
وأهاب السنيدي بالهيئات والعاملين في الحقل الاسلامي ليراجعوا ويدققوا فيما كتب من ترجمات باللغات الأخرى، كما دعا المؤسسات التي لها صفة الرسمية والتمثيل للمسلمين كمنظمة المؤتمر الاسلامي، ورابطة العالم الإسلامي وغيرها أن تنسق الجهود فيما بينها وتعمل لدى الجهات المعنية بعدم السماح لاصدار أية ترجمة تخص القرآن الكريم إلا بعد اجازتها من الجهات المخولة بذلك حتى يكون هناك مرجعية يتم من خلالها وضع الضوابط وفرز الغث من السمين في هذا الميدان.
واختتم حديثه قائلاً: هذا المطلب يمليه علينا واجبنا كمسلمين يهمنا ان نقدم قرآننا الى الآخرين والى اخواننا من المسلمين غير الناطقين باللغة العربية بالصورة التي يحملها هذا الكتاب لخير الانسان وسعادة البشرية.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

المتابعة

أفاق اسلامية

ملحق الميدان

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved