Friday 3rd December, 1999 G No. 9927جريدة الجزيرة الجمعة 25 ,شعبان 1420 العدد 9927


ذيب العجائب في شهار
ليأخذ الحكمة من أفواه المجانين!

في مساء احد الأيام وأنا أتنقل في عوالم الإنترنت المترامية الأطراف واستمتع بتصفح جريدتنا المتميزة جريدة الجزيرة والتي أبدعت حين أطلت علينا من خلال الانترنت كأول مؤسسة سعودية وعربية تصدر اصداراتها اليومية عبر أحدث صيحة في عالم المعلوماتية اليوم وهي الانترنت وقد ربطت جريدتنا الجزيرة شباب هذا الوطن في مختلف بقاع الدنيا بوطنهم واظهرت تميزنا الحضاري للجميع,, وبينما كنت منسجما وغراقا في عوالمي واذا بصاحبي ذيب يرسل لي رسالة عبر البريد الالكتروني ويقول لي فيها,, أنقذني يا صاحبي فأنا أغرق.
فرددت عليه: ماهذا يا صاحبي يظهر عليك أنك مبسوط لدرجة كبيرة وقد بدأت تغني بدلا من عندليب العرب الراحل عبدالحليم حافظ!.
فرد صاحبي ذيب: يا أخي دعك من هذا المزاح الثقيل وأصدقك القول بأنني أغرق,, أغرق,, أغرق.
فقلت له: أرجوك يا أخي أن تكمل المقاطع الباقية من الأغنية.
فرد ذيب بأسلوب يظهر منه الزعل وهو يقول: توقف عن هذا الهواء واسعفني فأنا في مأزق حقيقي.
فقلت له: آسف يا أخي العزيز فقد توقعت أنك قد وجدت عملا وقد استقرت أمورك مما أدى الى عودة روحكم المرحة وخفة ظلكم وبدأت تمازح وتحاول مداعبة الزملاء والأحباب,, وعلى كل حال ما هذا المأزق الجديد؟.
فقال ذيب: يا أخي فقد وصلت في نهاية بحثي عن عمل الى ان أصبحت من بين نزلاء شهار والذي اتضح ليّ فيما بعد بأنه مستشفى للمجانين وأنا بالفعل أقيم معهم الآن كنزيل وأمل ألا تطول اقامتي فيه!! وبما أنهم لا يسمحون للنزلاء باستخدام الهاتف في المكالمات الدولية فقد وجدت الانترنت البديل الوحيد امامي لأتحدث معكم.
فضحكت وقلت له: وكيف حدث ذلك,, ألم أقل لك أبعد عن شهار هذا؟.
فقال ذيب: كما تعلم أنني في كل يوم اذهب لمراجعة بعض الجهات التي سبق ان قدمت عليها فلعل الله قد جاء بالفرج، وعند سؤالي أحد المديرين العامين في أحدى الجهات الحكومية بمدينة الطائف عن موضوع تعييني واذا به يتحدث معي بأسلوب غير مناسب ويرفع صوته فطلبت منه ان يحترم نفسه وان يحترم الوظيفة التي وضع فيها وأوضحت له أن اسلوبه هذا اسلوب غير حضاري.
فصرخ فجأة لسكرتيره وقال له: أخرج هذا الشخص المتخلف من أمامي الآن قبل ان انتقل الى شهار.
فقلت له: لا يا أخي فأنت لديك عمل جيد ولستم في حاجة للانتقال الى أي موقع آخر ويكفي أنك المدير العام فدعني أنا أذهب للعمل في شهار!.
فضحك المدير العام وقال: نعم هذا صحيح ويجب ان اطلب لك فريق عمل من شهار ليرافقوك في طريقك الى شهار لتستلم العمل.
فقلت له: أشكرك من الأعماق يا سعادة المدير العام.
وبأسرع من لمحة بصر واذا بمجموعة من البشر من اصحاب الأجسام الضخمة يلبسون ملابس بيضاء ناصعة يقفون أمامي واذا بأحدهم يمسك بمؤخرة رقبتي ويرفعني الى أعلى مما أدخلني في اغماء سريع وبعد ان أفقت من هذا الاغماء الطارىء وفتحت عيني اذا بي في شهار ومجموعة من نزلائه يحيطون بي ويتعاملون معي بشكل بسيط وطيب.
وبعد ان أحسست أنني قد استعدت جميع قواي العقلية وعدت الى وضعي الطبيعي سألت عن المدير العام، فقال لي أحد النزلاء واسمه أحمد: ماذا تريد من سعادة المدير العام فيكفيك ان تسأل عن المسؤول عن العنبر؟.
فقلت له:
ولماذا هل نحن في سجن ام ماذا؟
فقال أحمد: ليس سجنا بالمفهوم الصحيح وان كان ليس ببعيد من حيث التطبيق الفعلي فهذا هو مستشفى شهار للمجانين.
فقلت له: ولكنني لست بمجنون وقد حضرت هنا حتى اقابل المدير العام لاستلم العمل فلماذا يدخلونني في هذا العنبر؟!.
فضحك كل المحيطين بي وهم يهزون رؤوسهم ويقولون بصوت واحد أنك مجنون حقا ولديك عقدة المدير العام كذلك ومن هنا فلديك مشكلتان وليست واحدة.
فنظرت الى من احضرني الى هذا الموقع ممن يلبسون الثياب البيضاء فهزوا رؤوسهم وكأنهم يؤكدون جنوني,, فصرخت بأعلى صوتي وأنا أقول لهم أنا لست مجنونا ولكنني عاطل أبحث عن عمل الا تفهمون الفرق بين المجنون والعاطل عن العمل؟.
فقال أحمد: نعلم يا أخي أن العاطل عن العمل مشلول عن الحركة والانتاجية الاجتماعية بصورة كاملة أما المجنون فلديه شلل وعطل جزئي بسيط ولهذا فالجنون يعتبر افضل من البطالة أليس كذلك؟! ثم قال ان كنت خواجة فسيوقعون معك أعلى العقود وان كنت مواطنا فكلك مواطن ضعف وظنون!,
فقلت له: صح لسانك يا أخي فهذا هو الواقع ويعلم الله ان وضعكم في هذا المستشفى افضل من وضعي في الخارج فأنتم تقطنون في افضل مصايف المملكة بمدينة الطائف الجميلة ذات الجو المعتدل وتسكنون مجانا بدون مقابل بما في ذلك المأكل والمشرب والعناية الصحية وأنا في المقابل لم أجد عملا كما انني أواجه الكثير من المصاعب والهموم وأسكن في حي اليمامة الواقع في جنوب مدينة الرياض على ضفاف مجرى الصرف الصحي والذي كنت اعتقد بأنه بحيرة اصطناعية.
فقال احمد: وهل صحيح ان مجاري الصرف الصحي تسير مكشوفة بروائحها العطرة في وسط مدينة الرياض عاصمة بلدي العزيز؟.
فقلت له: ولماذا ألا تصدقني؟ أنظر الى لدغات الباعوض على جسمي والتي تشابه الحفروالمطبات الاصطناعية المتعددة في مختلف طرقنا!! والغريب في الأمر ان الجهات المختصة لا تحاسب الشركات المقصرة في ذلك مع أنها تخالف العقود الموقعة معها مخالفة صريحة!.
فقال أحمد: لا يا أخي يجب أن تكون أكثر واقعية فهم يعاقبونهم لوجود بعض المخالفات ولكنك لا تستطيع رؤية هذا العقاب لأن لديك قصر نظر!,, فقلت له: صحيح يا أخي بأنني ألبس نظارة طبية ولم أنزعها من على عيني فكيف يكون لدي قصر نظر؟,, فقال أحمد: العقاب والثواب يتغير وتحول من جانب الى آخر ويطبق ويلغي حسب المتلقي له وتفاعله مع المشرفين والمهندسين وكبار المحامين!!,, فهل ادركت ما اقصده يا أخي ذيب؟!! فقلت له: لا يا أخ احمد لم افهم ما ترمي اليه واعتقد أن هذه حكمة من بين الحكم التي يجب ان أحاول ان استفيد منها ومن وجودي هنا في هذا المستشفى!.
فقال أحمد: أحمد الله يا أخي على العقل والعافية فقد بدأت يا أخ ذيب تتحدث باسلوب غريب غير مفهوم ويظهر أنك مجنون حقا!!,, وفي هذه اللحظة بدأ الجميع بالنظر اليّ بصورة غير طبيعية وكأنهم يؤكدون جنوني ولهذا فقد ارسلت لك هذه الرسالة عبر البريد الالكتروني لتنقذني من هذا المأزق يا صاحبي وأن تخرجني من مستشفى شهار بأسرع وقت ممكن قبل ان أجن حقيقة!!,, فقلت له: يا صاحبي ذيب استمتع لبعض الوقت معهم وربما تجد عملا يتناسب معك ولتستفيد منهم ولتأخذ الحكمة من أفواه المجانين مباشرة بدلا من أن تكون عن طريق وسيط,, ولابد ان يبقى الأمل لنبقى معه, والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل.
عبدالله بن إبراهيم المطرودي
واشنطن
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

المتابعة

أفاق اسلامية

ملحق الميدان

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved