Saturday 4th December, 1999 G No. 9928جريدة الجزيرة السبت 26 ,شعبان 1420 العدد 9928


خمس خطب جمعة للذكرى الخطبة الثانية
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

الحمد لله الجواد الكريم، الحمد لله الحكيم العليم، الحمد لله الغفور الحليم,, وسعت نعمته ورحمته كل ما ذرأ وبرأ، فهو رب العالمين، وإله الآخرين والأولين، لأن كل ما سواه خلقه وملكه,, دبره بعلمه وحكمته، وأفاض عليه نور هدايته، فلا يضل الله عن هديه إلا من عاند وحاد وتكبر على الحق، فيختم الله على سمعه وقلبه، ويجعل على عينيه غشاوة فلا يرى حسناً إلا سوء عمله,, وذلك عقوبة معجلة، لأن عقوبة الله مسبوقة بعدله برفع العذر واقامة الحجة، ونقمته مدفوعة بالتوبة والإنابة (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) سورة يونس/ 98 ,, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد المرسل رحمة للأمة نذيراً وبشيراً,, رفع يديه الكريمتين في آخر مشهد وهو يقول: هل بلغت؟,, حتى إذا قالوا: نعم: قال: اللهم فاشهد,, ولم ينقطع بلاغه بأبي هو وأمي وهو في النزع يقول: الصلاة الصلاة,, اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد أيها الناس: فقد تلا عليكم نبيكم عليه الصلاة والسلام من كتاب ربكم: أن ربكم سبحانه البر الرحيم، لأن الخير كله عنده وإليه لا تنفد خزائنه، ولأنه واسع العطاء لا ينقص عطاؤه من ملكوته شيئاً,, إلا أن له بِرّاً ورحمة خاصة بالمؤمنين لا يبلغها عملهم، ولا يقوم بها تسبيحهم وشكرهم,, ومن نماذج بره ورحمته بالمؤمنين ما سأتلوه عليكم في الحديث عن مراحل حياتكم في كون الله الفسيح,, إنه قبل النفخة الأولى التي هي آخر الحياة الدنيا، وهي لا تحين إلا على شرار الخلق حين لا يوجد على وجه الأرض من يقول: الله الله,, وقبل أن يحين هذا الظرف: يرحم الله من بقي من المؤمنين فيقبضهم إليه,, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (يرسل الله عز وجل ريحاً باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته,, حتى إن أحدكم لو دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع,, لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً ,, وهذه الرحمة داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الحديث الصحيح: (عجباً للمؤمن لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له).
ومن رحمة الله وبره بعبده المؤمن: أن الله يبشره بوساطة ملائكته الكرام عند الاحتضار الذي يفتن فيه الناس,, قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) سورة فصلت / 30 31 ,.
ونحن أيها المسلمون لا نعهد من أنفسنا سماعاً من الملائكة في حياتنا الدنيا، وهذه النجوى من الملائكة الكرام عليهم السلام إنما هي في الدنيا، لأنها تبشير بما لم يأت بعد من الجنة، ولأنها تذكر مرحلتي الدنيا والآخرة، فصدق ذلك على الاحتضار الذي هو بين المرحلتين، فصح ان ذلك عند الاحتضار بيقين لا لبس فيه، وعلى ذلك شواهد من نصوص أخرى,, وللملائكة الكرام امتداداً لبر الله ورحمته بالمؤمنين ولاية أخرى مدى الحياة الإيمانية المستقيمة، وقبل الاحتضار,, ذكرها النص الكريم بقوله سبحانه عن الملائكة: (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا)، فهم قرناؤهم في الحياة الدنيا يسددونهم ويوفقونهم بأمر الله، ويحفظونهم بأمر الله، ويدعون لهم ويستغفرون لهم,, وللعبد من الشيطان لمة، ومن الرحمان لمة بوساطة ملائكته الكرام، وما دمعت عين ابن آدم من خشية أو أصابته قشعريرة إلا وللملائكة محضر.
ومن بر الله ورحمته بعبده المؤمن الطمأنينة الكبرى في المرحلة الثانية والثالثة، وهي النشور، ومرحلة ما قبل العرض في أرض الحساب,, قال الله تعالى عن الذين سبقت لهم الحسنى من ربهم: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) سورة الأنبياء/ 103 فهذا منذ النفخة الثانية حين يُبعث من في القبور، لأن الله وصفه بالفزع الأكبر، فما دام فزعاً فهو قبل الاستقرار في أرض الحساب، وما دام أكبر فلا أكبر من ذلك الفزع إلا دخول النار والعياذ بالله، وذلك يكون بعد الفزع، ولأن الملائكة تقول باسم الإشارة للقريب: (هذا يومكم الذي كنتم توعدون)، وليس لنا يوم نوعد فيه غير يوم القيامة، وأوله الفزع الأكبر,, يدل على ذلك قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) سورة الحج/1 2 ، فهي تضع حملها إن ماتت وهي حامل، وتذهل عن رضيعها حينما يبعث معها,, وكلمة ما في قوله تعالى عما أرضعت موصولة، وهي لمن لا يعقل، لأن الرضيع لم يبلغ التمييز,, ويؤكد أن الآية الكريمة بعد النفخة الثانية: أن هذا حال من بعث، وليس حال من مات.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
***
الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الداعي لجنته ورضاه، وعلى آله وصحبه وأتباعه ومن استن بهداه.
أما بعد أيها الناس: فاعلموا أنه بالمرحلة الأولى من مراحل يوم القيامة يحيي الله الخلق، ويفسد الكون الدنيوي,, وعندما يبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات يكون الناس على الصراط، وتلك حالة بين النفخة الثانية وبين العرض الأكبر للحساب قالت عائشة رضي الله عنها بعد تلاوتها قوله تعالى: ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) سورة إبراهيم / 48 : ( يا رسول الله: فأين الناس يومئذ؟,, قال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي، ذاك أن الناس على جسر جهنم .
وروى الإمام أحمد من حديث حبيب بن أبي عمرة: عن مجاهد: عن ابن عباس رضي الله عنهما : حدثتني عائشة: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) سورة الزمر/ 67 ، فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟,, قال: هم على متن جهنم .
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن: حدثنا علي بن الجعد: أخبرني القاسم: سمعت الحسن قال: قالت عائشة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوم تبدل الأرض غير الأرض)، فأين الناس يومئذ؟,, قال: إن هذا شيء ما سألني عنه أحد,, على الصراط يا عائشة .
وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثني الحسن بن علي الحُلواني: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: حدثنا معاوية بن سلام: عن زيد -يعنى أخاه-: أنه سمع أبا سلام: حدثني أبو أسماء الرحبي: أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال: كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد,, فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟,, فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟,, فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ,, فقال اليهودي: جئت أسألك,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ ,, فقال: أسمع بأذني,, فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال: سل ,, فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر ,, قال: فمن أول الناس إجازة؟,, قال: فقال: فقراء المهاجرين ,, قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟,, قال: زيادة كبد النون ,, قال: فما غذاؤهم في أثرها؟,, قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ,, قال: فما شرابهم عليه؟,, قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا ,, قال: صدقت,, قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان؟,, قال: ينفعك إن حدثتك؟ ,, قال: اسمع بأذني,, قال: جئت أسألك عن الولد,, قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله تعالى وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنَّثَا بإذن الله ,, قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي,, ثم انصرف,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به .
أيها الناس إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم,, ألا إن من هديه تسوية الصفوف في الصلاة,, قال أنس بن مالك رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره : أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري,, قال أنس رضي الله عنه : فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدُكم كأنه بغل شموس,, وقال النعمان بن بشير رضي الله عنه برواية صحيحة: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجه، فقال: أقيموا صفوفكم,, أقيموا صفوفكم,, أقيموا صفوفكم,, والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم,, قال النعمان رضي الله عنه : فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه,, اللهم إنا نسألك اتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم حتى نكون هداة مهتدين,, اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة,, اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا ومالنا,, اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا,, اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا,, يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام برحمتك نستغيث أصلح لنا شؤوننا كلها ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين,, اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفرك لما لا نعلم,, اللهم نعوذ بك من مضلات الفتن، ومن الفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن,, اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروما,, اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك,, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وانصر ولي أمرنا وولاة أمور المسلمين كافة، وسدده ووفق بطانته على التواصي بالحق والصبر عليه والعمل بهما,, اللهم أعزه وأعوانه ورعيته بالإسلام، وأعز الإسلام بهم,, اللهم أغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارزقنا,, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه كافة، وعلى أتباعه إلى يوم الدين، ومن صلى على رسول الله صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، والبخيل من ذكر عنده المصطفى فلم يصل عليه، فإن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونه من أمته السلام,, اللهم صل عليه وسلم صلاة دائمة ما تعاقب الليل النهار,, والحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده المرسلين، وأقم الصلاة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

ملحق السيـارات

وطن ومواطن

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved