رؤى وآفاق موسم الخيرات د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل |
يطل علينا شهر الخير والبركة في أوبة جديدة، فمرحبا بالمنبه من الغفلات وأهلا بأيام العبادة، ففي شهر رمضان يحاسب الانسان نفسه عن سنة مضت، ماذا عمل فيها، وما مقدار تفريطه في واجباته الدينية، فان كان التفريط كبيرا دفعه ذلك الى مضاعفة العبادة ليستدرك مافات، وان كانت الحصيلة جيدة أضاف خيراً الى خير، فتتضاعف الحسنات، ويعظم الاجر ان شاء الله، وبما ان الانسان في هذه الدنيا عرضة للزلل، يستهويه المال ببريقه، ويستدرجه لسانه فيخوض في اعراض الآخرين، وربما تقاعس عن اداء زكاة ماله كاملاً أو تأخر في اخراج صدقة نوى اخراجهاأو تغافل عن مساعدة اخوانه المسلمين، بما ان الانسان من طبيعته الضعف امام اغراء الدنيا فلا اقل من تقويم سنوي للسان، ماذا قال ولليد ماذا عملت وللجوارح ماذا فعلت، فاذا كان اللسان قد اندفع في فحش من القول وجب على المسلم تدارك ذلك، والبدء في كبح اللسان وتعويده على الطيب من القول، وعلاج ذلك في رمضان بالانصراف الى قراءة القرآن مع اداء الفرائض والسنن الراتبة في النهار واداء صلاة الليل على اكمل وجه، ثم الاخلاد الى النوم، والبعد عن السهر، واداء العمل لا يفرض الخوض في كلام يتنافى مع الصوم وحرمة الشهر بل ينصرف الانسان الى عمله في نشاط واتقان ثم يعود لعبادته ويتحاشى المشتغل في التجارة الرد على المشترى بكلام سيء فاذا سمع منه كلاما ينبو عنه السمع سكت وتراخى عن الرد عليه فذلك افضل طريق للتعامل مع الاخرين في رمضان من قبل التجار والباعة عموما، وبما ان الاختبارات في هذه السنة في شهر رمضان فعلى الطلاب حفظ ألسنتهم عن الخوض في أعراض الاساتذة، وليعلموا ان المعلم أو الاستاذ يسعى الى نفع طلابه، ولا يدخر جهداً في الوصول الى ما يرضي الطالب، فاذا أخفق الطالب في فهم سؤال، او لم يوفق في الوصول الى الجواب السديد، فعليه بالاستغفار، وقراءة القرآن فهما خير معين على الابتعاد عن وطأة الصدمة ومن واجبات المسلم في رمضان رعاية الاسرة من ابناء، وبنات وتعويدهم حرمة رمضان، وحثهم على الابتعاد عن الخصومات والكلام السيء في البيت والمدرسة والجامعة، وابعادهم عن السهر والنوم الكثير في النهار، ورمضان موسم لاستشعار الاخوة الاسلامية، فاذا قال المؤذن لصلاة المغرب (الله أكبر) أفطر الصائم فأحس ان اخوانه المسلمين يفطرون معه في هذا الوقت، واذ تبين الفجر وامتنع المسلم عن الاكل والشرب عرف ان له اخوانا في شرق الارض وغربها وشمالها وجنوبها يمسكون بامساكه فهو ليس وحده في هذه الارض فله اخوان يشاطرونه همومه ويحسون باحساسه ولو تعمقت الاخوة الاسلامية بين المسلمين في هذا الزمن الذي تقدمت فيه الاتصالات لما بقي فقير من المسلمين، او مهضوم الحق، فرمضان يجدد شعور المسلم بالانتماء الى هذه الامة العظيمة التي تحمل القرآن، وتدعو الى الخير، والفضيلة والمساواة وإطعام الجائع ومساعدة المحتاج ومعالجة المريض، انها امة الاسلام حاملة الرسالة وحامية حوزة الدين، ان هذا الشهر موسم لتذكير عزة الاسلام والمسلمين، فقد انتصر فيه المسلمون في مواقع عدة في الحروب، وانتصر فيه المسلمون على انفسهم، فأنقذوها مما هي فيه من الغفلة، والبعد عن الله، فعزة المسلم تكمن في قدرته على الانتصار على نفسه، ومن ثم ينطلق في انتصاراته على اعداء مِلّته ليتذكر المسلم ان القرآن الكريم نزل في هذا الشهر وان ليلة القدر في هذا الشهر فله من الحرمة ما ليس لغيره من شهور السنة، فإذا تذكر المسلم ذلك اندفع الى العبادة بجد وارتدع عن الفحش والخوض في اللغو، فالآخرة لها نصيب من عمل المسلم في دنياه، وليس معنى ذلك الابتعاد عن عمل الدنيا وإنما المطلوب ان يكون للدنيا نصيب وللآخرة نصيب، ان فئة من الناس تجعل رمضان موسم أكل كما ان بعض الناس يجعلونه موسم نوم، ورمضان شهر عبادة وهذه ميزته على الشهور الاخرى.
اللهم اجعل نصيبنا من هذا الشهر العمل الصالح، وأعنا على صيامه وقيامه ووفقنا الى خير الاعمال وابعدنا عن زلل القول، وفلتات اللسان إنك على كل شيء قدير.
|
|
|