بوح حكمة الفقر ابراهيم الناصر الحميدان |
لم يفرق الله سبحانه وتعالى بين عباده ولو اراد ذلك لجعل التمايز من نصيب من اختارهم لحمل الرسالة من الرسل والأنبياء ولهذا فان الفقر والغنى انما هي منطلقات لكي يقوم الانسان ببناء نفسه معتمداً على ما لديه من قدرات ومواهب أودعها الله بهذا او ذاك من العباد, فالغنى او الثراء ليس منفعة بدون ضوابط لان الانسان يحاسب عنها في الآخرة (والمال فيما انفقه) فاذا عبث بهذه النعمة فسوف يلقى عذاباً شديداً لان الحلال بيّن وكذلك الحرام وحتى اولئك الذين يكنزون المال لشحهم وبخلهم فقد توعدهم الله بسوء المصير, لذا فان على العبد أن يسعى وراء الرزق حتى يكسبه من عرق جبينه وحتى لو صاحب مسعاه بعض المشقة فعليه ألايجزع من هذا النصيب اويعتبر نفسه شقياً لانه لم ينل كل مايتمناه, فطبيعة الحياة هي تقلب الظروف والمعاناة من اجل ان يكون للحصول على مايريد تلك السعادة التي يتوخاها للتغلب على تلك المشاق وكان الانبياء شأنهم مثل بقية البشر يعانون في سبيل رزقهم اليومي وكان الله قادراً على ان يجعلهم في منأى عن تلك العقبات ولكنها العبرة التي ارادها لجميع العباد في السعي الحثيث ومواجهة كافة الصعاب, ولعلنا لاندرك معاناة اولئك الذين تحققت لهم فرص النجاح فنالوا اكداس الثروة فشعورهم لايختلف عن اي انسان آخر من الخوف من المستقبل الذي لايعلمه الاّ الله وربما لاينالون تلك الراحة التي نتوهم نحن بأنها حصاد جمع تلك الثروة بل قد يكون الفقير اهدأ بالاً وأقل خوفاً من الايام القادمة, فالأمل يحدوه الى ان يكافح ويغالب العقبات حتى يظفر بما يتمناه لنفسه واسرته, فالسعادة الحقة هي في ذلك الاجتهاد والتصدي للعقبات مهما كانت صعبة وعنيدة, والشقاء هو من نصيب من يسكنهم التشاؤم فلايفلحون في افتراقه من انفسهم ومتى ماتكدس التشاؤم بدلاً من انتظار فرص من الأمل تكتسح ذلك الشعور فالإنسان يرى الحياة من منظار اسود كريه ينطبع حتى على تصرفاته وسلوكه اليومي مع افراد اسرته, فالثروة كما اسلفت لاتعني تمايز اناس والدليل ان العلماء والفقهاء ليسوا دائماً في سعة من العيش شأن الانبياء والرسل الذين كان العرق يتفصد من جباههم في سبيل لقمة العيش والثري مطالب بأن يبسط يده للفقراء والمحتاجين فتلك ضريبة ماانعم الله به عليه من بسطة الرزق, فالزكاة تضاعف المال لاتنقصه, ولعل رجال المال في وطننا يدركون واجبهم نحو الفقراء والمحتاجين ولاسيما في هذا الشهر المبارك من التمسك بأركان الدين الحنيف مع انني اعرف مقدماً انهم يدركون ذلك الواجب دون انتظار كاتب مثلي انما الذكرى تنفع المؤمنين كما لايخفاني بأن هناك من الرجال من لاتقف عطاياهم في شهر دون آخر اذكر منهم فقيد الوطن والثقافة سمو الأمير فيصل بن فهد رحمه الله واسكنه فسيح جناته وأرى ان شقيقه الأصغر سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد يترسم خطى ذلك الفقيد فقد اغدق ولم تقف يده المعطاءة نحو المحتاجين جعله الله قدوة للاحسان في هذا الوطن الغالي ولاسيما في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحيق بالفقراء والذين لاتغطي دخولهم المتواضعة موجات الغلاء التي يتهافت من كل جانب ولا انسى ان اذكر من ربى في ابنائه هذه الشمائل السامية ووجههم نحو مجالات الخير والإحسان ملكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين سيدي الملك فهد بن عبدالعزيز الذي جعل القلوب تلتف حوله متضرعة الى الله بأن يكلأه بالصحة والعافية والعمر المديد في هذا الشهر الذي تستجاب فيه الدعوات ان شاء الله.
واختم هذه الوقفة القصيرة بأن الفقر ليس محتواه جميعاً شراً ومذلة وحاجة انما حكمته بأن تدفع نحو الكفاح في سبيل لقمة العيش ومن وضع نصب عينيه امل الانتصار فلن يخيب سعيه طالما وثق بقدراته وصحت عزيمته بعدم التقهقر والتراجع فالحياة كفاح كما علمنا من سبقونا ولذتها الانتصار والنجاح على كافة المعوقات في نهاية المطاف والتوفيق بيد الله اولاً واخيراً.
|
|
|