هذه المدارس,, بين الحقيقة والوهم هدى المهوس |
الإنسان وهو خليفة الله في أرضه هل يذهب ضحية للمدارس العربية لعلم النفس؟ فالمدرسة التجريبية تضع النفس في المعمل، وربما وصلت ولاشك الى بعض الحقائق الجزئية النافعة، ولكنها أفسدت هذه الحقائق وأهدرت قيمتها بالإصرار على تفسير النفس كلها بهذه الجزئيات، وهي ليست عاجزة فقط عن تفسير الكل الإنساني المعقد لأنها جزئيات، بل هي بالإضافة الى ذلك أبعدت الجزئيات جميعها عن تفسير النفس الإنسانية لأن الطريقة التجريبية ذاتها لا تستطيع أن تأخذ من النفس الا جانبها الجسدي الذي تستطيع أن تقيسه بالمقاييس المادية وتدركه الحواس، لكنها تقف عاجزة عجزاً تاماً عن الوصول الى أي شيء في النفس لا يقع في دائرة الآلات والحواس، وبالتالي فقد وقفت عاجزة عن كل الكيان الأعلى في النفس نفس الإنسان، إنها تستطيع أن تقيس التعب أو النشاط الجسماني وتأثير الغدد في مشاعر الإنسان وحالته النفسية، ولكن كيف لها أن تقيس إحساس الإنسان بالحق والعدل والجمال؟؟ وكيف تقيس ابداعه الفكري ونشاطه الروحي؟؟؟
أما المدرسة السلوكية فهي تفسر الإنسان على أنه مجموعة من العادات وردود الفعل الشرطية المنعكسة التي تنميها البيئة أو لا تنميها والتي لا يختلف بعضها عن بعض إلا باختلاف المؤثر، ولم تكن في الحقيقة تفسرالإنسان بقدر ما كانت تفسر الحيوان ثم تفسر سلوك الانسان على ضوء سلوك الحيوان فترد السلوك كله الى أسباب فسيولوجية، كما أنها ترد التعليم الى الأفعال وردود الأفعال ذات الطابع الحسي البحت وتضيق مساحة الإنسان بذاك الى درجة مخيفة فلا فكر ولا إراده ولا مثل ولا قيم عليا ولا مشاعر رفيعه، وإنما هي الحيوانية الحسية وفي أضيق نطاق, وتلحق بهاتين المدرستين السابقتين المدرسة الميكانيكية فتشبه الحياة كلها بما فيها الحياة الإنسانية بالجهاز الآلي المحكوم بضرورة الآلة والذي تفسر نشاطه كله قوانين الطبيعة والكيمياء، ولم تعد تكتفي بتجريد الإنسان من إنسانيته بل ردته الى صورة بهيمية محدودة النطاق، وتهبط به الى درك أسفل حينما جعلت منه مجرد آلة تحكمه ضرورات الآلة وتنفي عنه بطبيعة الحال كل إرادة موجهة إنسانيته وكل شعور نبيل، كما جعلت كل تنظيماته الفكرية والروحية والاقتصادية والاجتماعية أدنى حتى من تنظيمات الغريزة في خلية النحل أو بيوت النمل، فقد صارت في مفهوم هذه المدرسة اجزاء من الآله الكبرى الصماء الخرساء المحكومة بالضرورات، وهكذا سادت معظم مدارس علم النفس الغربية في هذا الخلط المعيب بسبب نظرتها الجزئية للإنسان وإصرارها على تفسير الكل الإنساني بالجزء الذي تهتدي اليه، فلم يقف خطؤها عند إعطاء صورة مشوهة للإنسان، بل تضيع كذاك فرصة الاستفادة من الحقائق الجزئية في مكانها الصحيح، ويزيد الخطأ حين تنشأ على أساس هذه النظرة الجزئية نظريات في الاقتصاد والاجتماع والأخلاق والسلوك والجريمة والعقاب وينتهي الأمر الى تدمير الإنسان بسبب الجهل المطبق بحقيقة الإنسان، وهناك خطأ رئيسي تقع فيه كل المدارس الغربية بلا استثناء وهو دراسة ]النفس الإنسانية, والحياة الإنسانية, بمعزل عن الله[ ومن ثم فهي بذلك لا تدرس النفس الإنسانية قط موصولة بالله , خالقها ومبدعها ومحركها ومودع ما فيها من طاقات.
ويدرس علماء النفس الإنسان في مجالات التأثر المختلفة غير أنه من المؤسف أن يتجاهلوا الإرادة الإلهية في حياة الإنسان، فمرة يدرسون الإنسان على ضوء العوامل الجغرافية والمناخية والبيئية والمادية، ومرة يدرسونه على ضوء العامل الاقتصادي، ومرة تحت التأثير الاجتماعي، ولكن مما يؤسف له هو أنهم لا يدرسون الإنسان متأثراً بقدرة الله الذي يقرر مصير كل شيء بما في ذلك مصير الإنسان في مجموعه وكل كائن فرد من بني الإنسان الأمر الذي نشأ عنه خطأ فاحش بل جملة أخطاء، فهذه المذاهب والنظريات كلها تغفل من حسابها توجه النفس البشرية توجهاً فطرياً الى خالقها الذي تستمد منه مكونات حياتها كلها وقوانين حركتها ومجالات تحريكها وطاقاتها ومدى هذه الطاقات، كما أنها تهمل تأثير الديانات السماوية في رسم خطوط جوهرية وحاسمة في تاريخ البشر كله، كما أنها تهمل حقيقة كونية هي تأثر الإنسان بقدر الله ]المباشر[ الذي يسير أحداث حياته كلها ويشكلها، كما تغفل أن التأثير الجغرافي والمادي والاقتصادي والاجتماعي عوامل أوجدها الله وليست شيئاً مستقلاً عن إرادة الله، ولذلك فإن النتيجة التي تتوصل اليها تلك المدارس هي ولا شك الجهل المطبق بحقيقة الإنسان ]خليفة الله في أرضه يعمرها بالإيمان[.
|
|
|