Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


وسميات
فوضى العباقرة
راشد الحمدان

في كثير من أصقاع العالم يشاهد الناس ألواناً من البشر, لهم تصرفات غريبة وقد يكون لهم عقول تملي عليهم مالا يهضمه العقال,, ومظهرهم العام لا يوحي بانتظام في الذوق وعلو في الاحساس، ويعتبرون من الشذاذ في النظرة الى الحياة والناس, ويصدر منهم خاصة الفنانين والأدباء تصرفات يسمونها عبقرية ولم يكن هذا في عصرنا الذي نعيشه بل في مختلف العصور منذ خلق الدنيا, ويجد هؤلاء من يستمرىء تصرفاتهم ويرى انها طغيان فكري على مساحة العقل وقد يكون هذا صحيحا,, وفي زيارة قديمة قمت بها للصين الوطنية شاهدت في احد الاجتماعات الرسمية شيخاً فوضوي التصرف,, دخل علينا في الاجتماع وهب له الحاضرون قياماً واحتراماً,, وشدني منظره الفوضوي, جلس على كرسيه بطريقة لا توحي انه يهتم بما يعرقل ذوقه ويزعجه, كان يتكلم لكن احياناً كان يتفل على الخفيف, ويلتصق ما يخرج من فمه وشفتيه بصديريته وقميصه، ولا يعير ذلك اهتماماً والصينيون يبتسمون، ولما انتهى الاجتماع سألت عنه, فقالوا هذا اكبر عالم اقتصادي عندهم,, وتاريخ الأدب العربي يذكر مجموعة من الذين لهم تصرفات شاذة توحي بالعبقرية, ولهم نوادر وقصص تعكس الاضطراب النفسي الذي يتزامن مع الاهتمام بالبدء في العطاء الفكري.
من هؤلاء أبو العباس محمد بن أحمد وينتهي نسبه الى العباس بن عبد المطلب,, ولان القاعدة تقول انه ليس من الضروري انه ذا زكى الأصل زكى الفرع, فقد كان هذا غريب الأطوار والتصرفات, ويلقي الكلام كيفما اتفق كان يلقب بحمدون الحامض أما كنيته فأبو العباس, لكنها لم تقف عند هذا الحد من التسمية, فظل يزيد فيها ويزيد حتى اصبحت كنيته ابو العبر طرد طبل طلبرى بك بك بك بك هكذا كان يعبث بالمسميات ويستمرئها.
قيل إنه كان يجلس في بغداد ويجتمع حوله مريدوه من الضاحكين ومحبي أدبه وفكره فكان يجلس على سلم وحوله ماء قذر به طين اسود وفي يده قصبة طويلة، ويضع على رأسه خُفاً,, وفي رجليه قلنسوتان وهي ما توضع على الرأس وحوله ثلاثة يدقون بالهواوين حتى تكثر الجلبة وهو يملي على من يكتب له من متناقضاته فاذا ضحك احد من الجلساء، فإنه كان وضيعا صب عليه من الماء القذر, ان كان من الاشراف رش عليه بالقصبة.
وكان يجلس في مكانه هذا احياناً، ومعه قلم وقرطاس ويظل يسمع ما يقوله من حوله من المارين واصحاب الدواب وما يتناقش به الزراع, وهو يكتب كل ما يسمع, يقول ابو العبر: ثم اخرج مما جمعت بشتى الحماقات.
وكان الولاة يضحكون منه وعليه, فكان أحدهم يقذف به في بركة فإذا كان في الهواء صاح,, الطريق,, الطريق,, حتى يقع في الماء ثم يخرجه بالشبكة كأنه سمكة، ومع هذا, فقد عد من البارعين في الشعر وسرعة الرد اي البداهة, وكان يلجم اعداءه في الرد عليهم, مات مقتولاً بسبب لسانه.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved