Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


رؤى وآفاق
شارع لايليق بهشام

وقفت حيث إشارة المرور تحجز السيارات العابرة ليتاح لفئة أخرى من المارة عبور الطريق، فإذا بلوحة كتب فيها شارع هشام بن عبدالملك، فأمعنت النظر في الشارع فإذا هو شارع صغير وقصير، من شوارع مدينة الرياض، وبما أنني في شهر رمضان المبارك، حيث يتذكر المسلم خلفاء الأمة الإسلامية الذين بنوا مجدها وأتاحوا للأمم المجاورة للعرب الدخول في دين الإسلام، فقد أخذت الذكريات التاريخية تتوارد علي، فذكرت الحديث لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم نعم :(رجلاً واحداً) وأخذت في التساؤل: كم عدد الذين اهتدوا إلى الإسلام بجهود هشام بن عبدالملك؟ إنهم يعدون بالملايين، لقد مكث هشام بن عبدالملك في الخلافة الإسلامية ما يقرب من عشرين عاما، وكان يصرف أمور أعظم دولة عرفتها الأرض في زمنه، وعلم الجهاد يرفرف في بلاد السغد، وبلاد الترك، وأعالي الفلجا، هذا في الشرق والشمال الشرقي، وهناك جيوش أخرى بقيادة مسلمة بن عبدالملك أخي الخليفة تحاصر مدن الروم في الشمال، أما الجيش الغربي فيطأ بلاد الإفرنج (فرنسا)، هذه الجيوش الإسلامية تنفذ من الثغور، لأن الدولة الإسلامية لاتعرف الحدود، فالثغور محمية ومهمة الثغور النفاذ منها إلى البلاد المجاورة للجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى دين الله، وهشام بن عبدالملك في دمشق يستقبل الوفود من الثغور، ويصدر الأوامر، فالدولة آمنة، ولكن دَيدَنَ الثعور حركة جهادية لاتهدأ، فهشام واحد من خلفاء بني أمية الذين أشادوا للأمة الإسلامية مجداً سامقاً يعتز به كل مسلم على مدى ثلاثة عشر قرناً، فلم تعرف الخلافة أوسع من دولة بني أمية.
وقد عاش هشام في دولة إسلامية متماسكة تجمع المسلمين عامة، وقد صدق شوقي عندما قال في خلفاء بني أمية:
بنو أمية للأنباء مافتحوا
وللأحاديث ماسادوا ومادانوا
كانوا ملوكاً سرير الشرق تحتهمُ
فهل سألت سرير الغرب ماكانوا
عالين كالشمس في أطراف دولتها
في كل ناحية ملك وسلطان
وهشام من أبرز الخلفاء الأمويين ومن أطولهم مكثاً في سدة الخلافة، لقد حكم بلاداً واسعة، تمتد من الأندلس، وأواسط بلاد الإفرنج، وبحر الظلمات، إلى مشارف الصين،ومن بلاد الروم، وأعالي الفلجا، إلى جنوب الصحراء الافريقية, وسيرة هشام عطرة وحكمه ثابت، وغزواته موفقة، فهو مجاهد صابر، وحاكم حازم، ومسلم يقظ، فالحركات التي قامت في حكمه فشلت، وأعداء الإسلام لم يجدوا طريقاً ينفذون منه إلى قلب الدولة الإسلامية، وبالإضافة إلى مهام حاكم دولة بتلك السعة، فإن هشام بن عبدالملك يجعل لأمُوُرِ دينه المقام الأول في حياته اليومية، فقد كان يقصد مكة للحج، ويتقدم الناس في المشاعر، ويتفقد أمور المسلمين عندما يجتمعون في منى، ويحرص على معرفة أوضاع الحرمين والمشاعر، وحال المسلمين في الحجاز.
ولهشام مواقف مع أهل الفساد تنبىء عن حرص على الدين، منها أن رجلاً ضبط لديه خمر وقيان، وأدوات لهو، من بَربَط (عود) وطنبور (آلة تشبه العود) فأتي به إلى هشام، فلما حضر لديه أقر بما وجد عنده، فأمر هشام بكسر الطنبور على رأسه في المجلس، كما أن له مواقف مع أبنائه وأفراد أسرته، تدل على تتبع أمورهم الدينية، فكان يتفقد أبناءه بعد أداء الصلاة، وقد فقد أحدهم فلم يجده، فسأل عنه، ثم أحضر بين يديه، فقال له: مامنعك من الصلاة؟ فقال الابن: نفقت دابتي, فقال هشام: أعجزت عن المشي؟ ثم أمر هشام بأن يمنع من الدابة لعام كامل, وكان يتفقد عماله، ويحرص على أدائهم الجيد، فيعزل من يُخِلُّ بعمله أو يتراخى فيه، كما أنه لايُبقِي رجلاً في عمل من أعماله وقد عرف بظلم الرعية, هذا الخليفة المعروف بالاستقامة والدين، والحرص على أَمنِ من تحت يده، مع اتساع الخلافة في عهده، نصيبه شارع صغير، فيحسن مراجعة تسمية الشوارع وإعطاء كل ذي حق حقه.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved