Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


المسنون والتحولات في المجتمع الخليجي
د, خليل إبراهيم السعادات*

لم يعد هناك أدنى شك في أن مجتمعات مجلس التعاون الخليجي قد أصبحت الآن على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر تموج بالتحولات الجذرية السريعة والمتلاحقة في كافة جوانب الحياة, وبالرغم من أن المحاولة الأولية لحصر تلك التحولات وان كانت تتسم بالصعوبة نظراً لفجائيتها وطبيعتها السريعة والمتغيرة والمتجددة إلا أن ابرزها تأثيراً على مجتمعات مجلس التعاون الخليجي تشكل النظام العالمي الجديد وإنهيار وتفكك ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي واتحاد الألمانيتين ونجاح سياسات التكتلات الاقتصادية والاتجاه المتسارع نحو إعادة هيكلة معظم اقتصاديات دول العالم، وتنامي ظاهرة العولمة والأزمات الحادة التي تتعرض لها الأسواق المالية العالمية وتعاظم دور مؤسسات المجتمع المدني، وتبدل فلسفات معظم دول العالم وبخاصة المتقدمة منها إزاء تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية ونظم التأمينات الاجتماعية، واتساع مفهوم الأمن لكي يتحول من أمن الحدود والأمن العسكري إلى مفهوم أكثر شمولاً يغطي كل ما يتعلق بتحرير الإرادة الإنسانية من التبعية والاستغلال ويؤكد الارتباط الوثيق بين الأمن والتنمية، وظهور مفاهيم جديدة لم تكن متداولة من قبل ويعني ذلك مفهوم التنمية البشرية المستدامة ومفهوم الاستدماج البيئي، ومفهوم الوعي البيئي، ومفهوم البيئة النظيفة ومفهوم شبكات الأمان الاجتماعي.
تلك كانت مقدمة بدأت بها دراسة مقدمة لندوة قضايا المسنين بعنوان مجتمع لكل الأعمار وقضايا المسنين في مجتمعات مجلس التعان الخليجي: دراسة تقويمية , واستطردت الدراسة، أن تلك التحولات وتداعياتها الإيجابية منها والسلبية على أنه لا سبيل أمام مجتمعات مجلس التعاون الخليجي لاقتحام القرن الحادي والعشرين، واحتلال مكانة متميزة فيه إلا بالاعتماد على نتاجات ثورة المعلومات والاتصالات والحاسبات هذا من جانب, وتهيئة الأبنية الاجتماعية بأنساقها ونظمها وخواطرها لمواجهة تلك التحولات وتداعياتها وتحديات الآليات ورسم السياسات المناسبة للتعامل معها من جانب آخر.
إن المراجعة السيسولوجية المتأنية والمتعمقة لمسيرة الماضي تؤكد أن مجتمعات مجلس التعاون الخليجي قد تبنت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر نموذجاً تنموياً يرتكز على مبدأ الوفرة المالية الذي ألقى على عاتق حكوماتنا مسؤولية تحقيق مجتمع الرفاه لكافة المواطنين, الأمر الذي أدى إلى التوسع في حجم الإنفاق العام الذي اعتمد بصورة كلية على انتاج وتصدير النفط، ولقد مكن ذلك مجتمعات مجلس التعاون الخليجي من تحقيق العديد من المنجزات الهيكلية التي أضفت عليها خصائصها المتميزة في الوقت الراهن، والتي تمثلت في الارتقاء بمؤشرات الرفاه الاجتماعي الاقتصادي إلى الحد الذي وصلت به هذه المؤشرات إلى مستويات تماثل ما تحقق لدى الكثير من الدول المتقدمة التي يمكن التعبير عنها بارتفاع متوسط الدخل الحقيقي للفرد وما يتمتع به من خدمات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والإسكانية فضلاً عن حق العمل, وذكرت الدراسة أنه بالرغم مما حققته جهود التنمية في مجتمعات مجلس التعاون الخليجي من إنجازات كمية متسارعة في كافة المجالات إلا أنه من وجهة النظر السيسولوجية فقد ظلت هذه الإنجازات الكمية بطيئة التأثير في أحد التغيرات الوظيفية الحقيقية المنشودة في منظومة القيم الاجتماعية والأنساق المكونة للبناء الاجتماعي المتمثلة في النسق القرابي والتربوي والثقافي والسياسي ونسق الضبط الاجتماعي هذا من جانب, وألقت تلك الإنجازات الكمية المتسارعة والتحولات التي شهدتها مجتمعات مجلس التعاون الخليجي بظلالها على هذه المجتمعات نفسها بصفة عامة وعلى قضايا المسنين فيها بصفة خاصة من جانب آخر, وفي هذا الصدد يشير أحد العلماء المتخصصين في علوم المستقبليات إلى أن هذه التحولات وتداعياتها الاجتماعية الاقتصادية كانت أعمق بكثير مما كان يتوقع, بل أنها من وجهة النظر السيسولوجية لايمكن أن تترك أوضاعاً وقيماً سادت في الماضي أو أفكاراً أو حتى مبادئ أو حتى قيماً سلمنا بصحتها، واستراتيجيات وسياسات اعتدنا التوصية باتباعها دون أن تقلبها رأساً على عقب.
لقد سادت مجتمعات مجلس التعاون الخليجي خلال فترة ما قبل التحولات اشكال الأسرة الممتدة الأكثر تماسكاً واستقراراً وتعاوناً وأمناً وأماناً, وتبدلت بفعل التحولات إلى أسر نووية صغيرة وتغيرت العلاقات الاجتماعية الأولية التي كانت تعتمد في المقام الأول على علاقات الوجه للوجه إلى علاقات اجتماعية ثانوية, وتحول التضامن والتماسك والتجانس الذي كان يميز مجتمعات مجلس التعاون الخليجي بفعل التحولات إلى حالة من عدم التجانس نتيجة التباين والاختلاف الذي طرأ على الوظائف والأدوار واختفى التضامن الآلي القائم على المشاعر الجماعية وحل محله التضامن العضوي القائم علىنظامي تقسيم العمل والتخصص.
ومضت الورقة أنه في ضوء هذه الخصائص والتحولات وتداعياتها ظهرت في مجتمعات مجلس التعاون الخليجي قضايا المسنين ومشكلاتهم ولقد أكد الكثير من علماء الدميوجرافيا الاجتماعية على أنه فضلاً عن تلك التحولات الاجتماعية الاقتصادية فإن التقدم المذهل الذي حدث في اساليب الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة والنجاح في القضاء عليها مما أدى إلى الانخفاض السريع في معدلات الوفاة بالإضافة إلى الفلسفة التي تستند عليها مجتمعات مجلس التعاون الخليجي في تقديم الخدمات الاجتماعية وعلى وجه الخصوص خدمات الرعاية الصحية, كل ذلك أدى إلى تحسين مستويات الصحة العامة، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع توقع الحياة عند الميلاد مما أثر على ارتفاع أعداد فئة المسنين في مجتمعات مجلس التعاون الخليجي, وتشير البيانات الاحصائية الخاصة بتوقع الحياة عند الميلاد لمجتمعات مجلس التعاون الخليجي إلى الارتفاع الملحوظ في متوسطات العمر لكل من الذكور والإناث، حيث بلغ في المجتمع الإماراتي عام 1995م للذكور 67,8 عاماً وللإناث 75,1 عاماً, وفي المجتمع البحريني في نفس العام للذكور 69,3 عاماً وللإناث 74,1 عاماً, وفي المجتمع السعودي في نفس العام للذكور 64,1 عاماً وللإناث 68,1 عاماً, وفي المجتمع القطري في نفس العام للذكور 68,1 عاماً وللإناث 73,1 عاماً وأخيراً بلغ متوسط العمر في المجتمع الكويتي عام 1995م للذكور 61,1 عاماً وللإناث 76,0 عاماً, وتعكس هذه البيانات الخاصة بمتوسطات العمر لكل من الذكور والإناث بمجتمعات مجلس التعاون الخليجي حجم الجهد الملقى على عاتق حكومات دول المجلس في توفير الخدمات الرعائية لفئة المسنين الذين تزداد أعمارهم عاماً وراء آخر, وتذهب الورقة إلى أنه لا يتوقف الأمر من وجهة النظر السيسولوجية عند حد توفير الخدمات الرعائية لهذه الفئة، بل أن الأمر في حاجة إلى رسم سياسات طويلة المدى لإدماج هذه الفئات في المجتمع والاستفادة من خبراتهم في قضايا التنمية, وتعظيم دور مؤسسات المجتمع المدني في تحسين كفاءة وفعالية الخدمات الرعائية المقدمة لفئات المسنين.
الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى خلق أو تحقيق ما يسمى بمجتمع لكل الأعمار تخف فيه حدة الصراع بين الأجيال وتحترم فيه كل فئة من فئات المجتمع حقوق الفئة الأخرى وتسهم فيه كل فئة بجهدها وخبرتها في قضايا التنمية, والحمد لله رب العالمي.
* كلية التريبة جامعة الملك سعود.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved