Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


تأملات تربوية
الدكتور عبدالرحمن بن سليمان الدايل

ليس من قبيل التخصص ان تأتي هذه التأملات وليس من باب المتابعة الاخبارية للساحة الداخلية أو ما يجاورنا من أحداث، كما أنها ليست من قبيل ملء فراغ لصفحات أو لأوقات, ولكن للحق فقد جاءت هذه التأملات قبيل أن يأتي هذا الشهر الفضيل بيومين وبالتحديد في الثامن والعشرين من شعبان وأنا أعايش هذه التوجيهات العالية القدر لصاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو يفتتح فرع هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض فوقفت أتأمل ما تضمنته من جوانب تربوية ووجدت من الواجب علي أن أنقل بعض هذه التأملات لمن يهمهم شؤون التربية والإعلام، مستفيداً من أيام رمضان المباركة التي يحلو فيها التوقف لمراجعة النفس وتقويم السلوك ومحاسبة الذات من أجل حياة سعيدة في الدنيا ونعيم بعون الله ومشيئته في الآخرة.
لقد وقفت ملياً أمام توجيهات سموه بأن الأمر بالمعروف يقتضي المعاملة الحسنة والنصيحة والحديث الحسن والتأسي بالسلف الصالح في معاملتهم للعصاة فليس العقاب فقط هو المطلوب لإصلاح أخلاق الناس، وقد جاء ذلك في معرض توجيهات سموه بأن المطلوب منا هو أن نصلح الناس قدر الإمكان ونأمرهم بالمعروف قدر امكاننا وأن نتحمل الأذى وان نحتسب.
وتداعي الأفكار وسيل التأملات يرجع بنا نحو صلاح النفوس التي إذا لم تصلح تظلم الآفاق وتسود الفوضى وتظهر الفتن ولذلك حرص الإسلام دين الله الخاتم للأديان على أن يكون صلاح النفس وتقويمها هو عودة بها إلى طريق الخير الذي هو فطرة طيبة لها وسبيل أساس لسعادتها بعيداً عن النزعات الطائشة التي تشرد بالنفس وتجعل أمرها فرطا.
وإصلاح النفوس هو إصلاح لكافة الجوارح وترسيخٌ للسلوك القويم فتغض العين عما حرم الله كما تستقيم وظيفة حاسة السمع على سماع الخير وإسماع الناس له فيستقيم اللسان ويصبح سلوك الإنسان مستقيماً ناطقا بصلاحه وشاهداً على انتصار نزعات الخير لديه ودعم الفطرة عنده وتخلصه من وساوس النفس والهوى والشيطان وانتصار للنفس اللوامة (ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها, قد أفلح من زكاها, وقد خاب من دساها).
هكذا فصلاح النفوس هو أمل يجب أن نسعى إليه ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
إن الطريق إلى ذلك يتطلب تضافر جهود مؤسسات التربية والإعلام وكافة مؤسسات المجتمع وعلى راسها المسؤولون عن التوعية والأخذ بالأيدي نحو الخير والصلاح, وهل هناك اولى بهذه المهمة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
لقد قامت هذه الدولة ولله الحمد على دين الله القويم الذي يؤكد على وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذه الوظيفة الجليلة هي سمة تميز هذه الأمة (كنتم خير أُمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
وإذا تخصصت هيئته بشرف القيام بهذه المهمة الجليلة فإنها مدعوة للتأسي بما كان عليه سلفنا الصالح في قيامهم بهذه الاعمال التي تأخذ بيد الناس نحو الفلاح وطريق الصلاح, فما كان اللين في شيء إلا زانه وما انتقص من شيء إلا شانه فالدعوة إلى الخير باللين من غير ضعف وأحيانا بالشدة من غير عنف تؤتي ثمارها في سلوك البشر, فالرحمة واللين والنصيحة والقول الحسن لها اثرها في حياة الانسان فهي اشبه بنسمات طيبة او بقايا رذاذ مطر تنعش الصدور فتتفتح لها القلوب تستوعب النصح وتأخذ بالنصيحة وتقابل القول الحسن بسلوك احسن.
إننا مدعوون في كافة مؤسساتنا التربوية والإعلامية وغيرها إلى أن نتخذ من أساليب الترغيب الصحيحة والحقة ما يضمن التأثير على النفوس فيحركها نحو الخير ونحو الصلاح.
ولنا أن نتخيل اطفالنا يُساقون إلى المدرسة زجراً وعنفاً كيف يكون حالهم مع هذه المدرسة؟ وكيف يكون حالهم مع ما يقدم لهم من دروس؟
ولكن أمر اللين والقول الحسن والنصيحة ليس أمراً مطلقاً فهناك نفوس بشرية لا تعرف معنى الرحمة وتظنها ضعفاً وتتنكر لحقيقة القول الحسن أو النصيحة اللينة وأمثال هؤلاء في حاجة إلى مبضع الطبيب الذي لابد أن يتدخل ليرحم المريض نفسه من أن يستشري المرض إلى كافة أنحاء الجسم.
إن هذا ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض عندما اشار إلى أن حالات التحدي أو الاستهتار أو المجاهرة بالمنكر هي أمور غير مقبولة بل ان نظام الدولة لا يسمح بها ولا يسكت عليها, وهكذا يكون التوازن في التربية بين الرحمة والشدة فمن لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء ولكن إذا تعرض الصالح العام للجماعة لشرٍ أو خطر أو مجاهرة بالمعصية فلابد من محاصرة الشر وحينها تكون الشدة معه رحمةً به وإصلاحاً له وحماية لغيره من أخطاره ومفاسده.
فهل تستطيع وسائل التربية والإعلام والتوجيه والتنشئة الاجتماعية أن توازن بين برامجها لتجعل في أدائها الميداني تميزاً يحسب لها في إصلاح النفوس؟
إن الالتزام الحقيقي بتعاليم ديننا ونهجه الصحيح في كافة المجالات يجعل من سلوكنا صلاحاً ومن أفعالنا منطلقات للخير وأسوة لغيرنا فنأخذ نحو الخير دائماً ليحق لنا أن نتشرف بالانتساب إلى خير أمة أخرجت للناس.
ولعل فرصة هذا الشهر الكريم وأيامه المباركة أدعى لكل المسلمين ليراجعوا أنفسهم وسلوكياتهم ليقفوا على الطريق القويم بإذن الله, وللتأملات بقية.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved