Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


الشاعرة لطيفة قاري
ما أكتبه لا يتعدى تقريراً بائساً عن حالتي النفسية
نحن نبحث دائماً عن الذين يشبهوننا حتى لا نشعر بالوحدة

*حوار/ احمد زين
الشاعرة لطيفة قاري تحاول ان تؤكد صوتا شعريا متميزا على كذا مستوى، ذلك ما تكشف عنه تجربة لؤلؤة المساء الصعب ديوانها الاول الصادر عن دار الانتشار العربي هذا العام, في هذه التجربة حاولت قاري ان تطرح ذاتها ومشاغلها، ان تكتبها دونما لبس وفي منأى عن شكل الطرح او الكتابة الذي اعتاده القارىء لمثل هكذا موضوعات,, هنا حوار معها:
الركض في براري الكلمة
* بداية هل بالامكان الحديث عن تجربتك الشعرية عبر ديوانك لؤلؤة المساء الصعب الذي صدر مؤخرا عن دار الانتشار العربي وماهي ابرز اللحظات الرئيسية فيها اذا امكن التطرق الى ذلك؟
* تجربتي الشعرية امتدت على مساحة سبعة عشر عاما في لؤلؤة المساء الصعب اخترت بعضا منها، ما اعتقدت انه يليق بساحة متخمة بالاصدارات.
الديوان في البداية لم يكن بهذا الشكل كان كبيرا وشاملا لجميع النصوص التي كتبتها حتى عام 1416ه يعني النصوص القديمة منذ البدايات بعثت به اولا الى نادي جدة ثم الى نادي الطائف وكنت ثائرة جدا على الاجراءات والروتين والى اخر ما يعرفه من تعامل معهم ولكن رب ضارة نافعة, بعد ان اجازته ادارة المطبوعات نصحني الدكتور عبدالله الغذامي باختيار ما اود ان يكون بطاقة تعريف للقارىء خاصة وان الساحة لا تحتمل نشر مسلسل شعري فيه الجيد وفيه الرديء, اخترت نصوصا تمثل مراحل مختلفة ولم اهتم بإثبات التاريخ لانني حقيقة لا ادري تواريخ كتابتها ما عدا ما كتبته في الثلاث السنوات الاخيرة.
بعض النصوص يرتبط بمناسبات معروفة والبعض الاخر تظل ذكرياته في نفسي ايضا, بعض النصوص القصيرة كانت قراءات لرسوم وصور فوتوغرافية ولا اعتقد ان الديوان مناسب لنشرها.
احببت النصوص القديمة في الديوان واخترتها حتى لا انسى الحرارة التي كنت اكتب بها الاندفاع حد التهور في تعرية نفسي وركضي الحميم في براري الكلمة وحريتي التي افتقدها الان في ممارسة الحلم، تحدي الظروف، تحدي النفس والناس والالم وكل شيء تعتقد انه يقف حائلا بينك وبين ما تريد و,, قل ما تريد لانني انا الآخر سأقول وسأفعل.
يا أخي ما الذي يحدث لنا عندما نكبر,, نملك التقنية ونفتقر الى الشعر.
اجمل لحظة مرت بي قبل ان يصلني الديوان واطلع عليه هو ما كتبه الشاعر محمد علي شمس الدين، جعلني أتيه كالطاووس.
من اللحظات التي لا انساها بعد صدور الديوان كتابتي على صفحاته الاولى لكل من رافقني الطريق وكان سببا في وجوده احترت كثيرا في اختيار الكلمات وبعضهم لم ارسل له نسخة الى الآن, تقف الكلمات عاجزة امام من أدين لهم بالفضل في مراجعة النصوص وطباعة الديوان الدكتور عثمان الصيني والاستاذ سعد الحميدين والدكتور علوي الهاشمي.
لا نكتب سوى أنفسنا
** بدت هموم الديوان ضاجة بمعانٍ كبيرة وباهظة حتى انها كانت تكتسح أناك ومشاغلها الصغيرة فتتلون بلونها,, ماذا تقولين؟
* الوضع عكس ما تتصوره المعاني الكبيرة والباهظة كما تقول كانت أناي ومشاغلها الصغيرة تكتسحها فتتلون بلونها في الشعر نحن لا نكتب سوى انفسنا.
احيانا امسك بالقلم وفي نيتي ان اكتب كلاما كبيرا كالذي أقرؤه في زوايا بعض الزميلات وفي النهاية اجد ان ما كتبته لا يتعدى تقريرا بائسا عن حالتي النفسية وفي كل النصوص التي تقرؤها ستجدني أنا بكل سخافاتي ورغباتي البدائية, اريد ان ألهو يا سيدي احمد، اريد ان اعبث وان ألعب كالاطفال, اريد ان تبتل عظامي بالمطر في عز الشتاء حتى أصاب بالحمى اجمل ما في الحمى انك تهذي بما تحب بدون ان تحاسب نفسك.
كياني الصغير لم يعد صغيراً
** قارىء الديوان لن تغيب عنه الجرأة والتعامل الحاد مع مسائل ليس من السهل طرقها فكانت جمل شعرية وعبارات تعكس ربما اعتمالا صارخا يهز كيانك الصغير، ألم تفكري في القارىء الذي لم يتعود هكذا شعرا؟
لو فكر الشاعر في القارىء لما كتب شعرا,, كنا كتبنا برامج ومسلسلات اجتماعية.
كياني الصغير لم يعد صغيرا مرت علينا سنوات طويلة وليال احييناها بالسهر حتى تنطفىء النجوم,, هل عشت ليالي الشتاء في الطائف، ليالي الصيف بدايات الخريف واوائل فصل الربيع، كل شيء فيه يغريك بالحب والحلم والغناء والفرح,, والعصافير بحاجة لمن يطلقها من اقفاصها حتى لا تغادر وطنها, لو كنت رجلا لفعلت كما فعل ابناؤها البررة,, غادروها بلا رجعة رغم حنينهم للبرد والمطر.
لا تعتقد ان الجمل الشعرية والعبارات تعكس اعتمالا في نفسي وان كان ما تشير اليه من الامور الطبيعية التي تميز الكائن الحي لكن الشاعر لا يقف عند الجسد كغاية تظل الاسئلة تقض مضجعه حتى يجد للاجابات الجاهزة برهانا.
فعل الحب ليس غاية في حد ذاته ولكنه تجربة لاثبات مسلّمات آمن بها الشاعر ولو وجد انها عكس ما كان يتصور فلا تسأل عن خيبته, اسأل وحدته، اسأل غربته، تشرده، هروبه ونزوعه الدائم للسفر والتوحد مع اكثر الاشياء تفاهة.
كلنا في الهمِّ شرق
* اللغة في الديوان منسجمة مع ما حاولت استيعابه,, هل تتحدثين قليلا عن حساسيتك تجاه اللغة خاصة وانت تمتلكين قاموسا لغويا قويا وجارحا واحيانا فاضحا؟
* في الحقيقة يا استاذ احمد انا لم استوعب الى الآن شيئا.
لو فعلت لما اجبت على اسئلتك وانا اعلم تماما ان هناك من يترصد هفواتي وما اكثرها ليحاسبني عليها كما لا يفعل منكر ونكير.
حاولت استيعاب نفسي وفشلت تماما كان صوت نحيبي يملأ القاعة والاستاذة ترتل الجزء المقرر علينا في الحفظ بينما حقيبتي على حجري تضم روايتي محمد شكري, وفي المدرسة صارمة وشديدة اعشق النظام واقف امام المعلمات مثل لوح الخشب وامام الطالبات مثل شاهدة قبر بينما يتشاغل قلبي عنهم بعصفور اختار تلك اللحظة ليشمت بي ويثير جنوني وسخطي.
في بداية عملي مديرة كنت اجمع الطالبات في الادارة نقص المقالات من الصحف ونلصقها على الحائط وفي حصص الفراغ نلعب في الساحة والنتيجة كارثة بكل المقاييس, الآن اجمع طالبات الصف الثاني والثالث الثانوي لأحدثهم عن خيبتي حتى أواسيهم في احباطهم ومستقبلهم المبهم واقول لهم معليش كلنا في الهم شرق اقرأ لهم شيئا واحكي لهم شيئا واقنعهم ان في يومنا المدرسي الكئيب ما يدهش وما يغري وما يستحق ان نحلم به ونحلم لأجله.
انا لا اقول لك هذا الكلام لأسرد عليك سيرتي ولكن لتعرف كم هو العالم قائم ومرتكز على الكلمة وكم أننا بدونها محض هباء نحب لاجل كلمة ونكره لاجل كلمة ونتذوق حلاوة هذا العالم من خلال شاعر قال لنا وهو في عز نشوته كلاما لا يصدقه عقل طفل وقادنا الى التهلكة مفوّه ملعون ومسكون بجنون العظمة وزين لنا الغد معلم او مدير مدرسة لا يملك من غده الا اللمم.
هذه حكايتي مع العناوين
** جاءت قصيدتك إن جثت الاحلام والتي اثارت ضجيجا، جاءت غير بعيدة عن اجوائك الشعرية في الديوان باستثناء شكلها الفيزيقي الذي جاء فاردا بالنظر الى شكل النصوص الاخرى.
هل ننتظر جديدا غير ما قاله النقد عن هذه القصيدة ثم ما حكايتك مع التعالق النصي بتعبير الهاشمي مع العناوين الشعرية؟
* جميل منك ان ترى ان اجواءها ليست بعيدة عن اجوائي الشعرية في الديوان, النقد لم يقل شيئا عن القصيدة باستثناء الدراسة التي نشرها الدكتور علوي الهاشمي في ثقافة الرياض اما ما كتب عدا ذلك فلا علاقة له لا بالنقد ولا بالشعر ولا يمت للادب بأدنى صلة.
حكايتي مع العناوين مثل حكايتي مع كل الاشياء الجميلة التي اراها وانصت اليها, الذي لا يعرفه الكثيرون ان بعض نصوصي كتبتها بسبب كلمات عابرة قيلت لي ولا تسأل عن دهشة من رأى شيئا من كلامه في شعري, عندما سمعت ضحكة الاستاذ محمد العلي لأول مرة صمتُّ دقيقة واخذت اتأمل أضواءها,, كانت مثل الالعاب النارية في سماء العيد وكتبت له على صدر الديوان.
ضاحك.
كلما رنَّ في مسمعي صوته أرتجف
فرح نابع من ضمير الليالي التي حبرها لم يجف
كيف يا صاحبي طوقته السنون
ثم لم ينحن
ثم لم يستخف
عندما يجذبني لون قلم احمر الشفاه او شكل زجاجة عطر لا استطيع ان امنع نفسي من تجربتها على شفتي او معصمي وهذا هو الحال مع الكلمة.
بعض النصوص والعناوين تثير في نفسك النداء المبهم للقصيدة الضائع وسط الصخب والسناج الذي يحجب ضوء مصباحك.
* هل لنا ان نعرف ماذا يشغلك الآن خاصة بعد صدور الديوان؟
* ما يشغلني الان هو كيف افرغ نفسي بحيث لا يشغلها شيء.
الكتابة مثل اي مهارة اخرى تفقدها اذا ما غبت عنها طويلا وأنا لم اعد اكتب القصيدة الموزونة, لم يعد لديَّ الوقت ولا الصبر ولا الكلمات التي اشتهي ولا التجربة التي تهز اعماقي.
اهديت ديواني الى كل من ألقى في بركتي حجرا لان اي هبة ريح كانت تثيرني والآن حتى الطوب لا يحرك في اعماقي سوى اليأس والتشاؤم, ولديَّ الكثير من النصوص التي لا تكفي لاصدار ثلاثة دواوين ومع ذلك لا اشعر بأي حماس او رغبة,هل عرفت ما يشغلني؟ كيف اخرج من هذه الحالة واستعيد شهيتي للحياة، احيانا تركبني العفاريت وابكي كالاطفال عندما اتصور انها ربما تكون النهاية.
نبحث عن الذين يشبهوننا
** مع مَن مِن المبدعين تشعرين ان هناك أخوة ما، أخوة شعرية تنهض على ارضية مشتركة من الرؤى والافكار والحساسية تجاه الشعري؟
* لكل مرحلة مرت بي شاعرها الذي ارتبطت به لإحساسي بوجود عالم مشترك او قل حلم استطاع تجسيده بالكلمات كما لم استطع، واحيانا ارتبط بنص اجده بالصدفة وقد لا اعرف اسم الشاعر,, تأثرت في البدايات بالصيخان والثبيتي وخليل حاوي والسياب وبودلير,, ثم نسيتهم تماما وتعلقت بسعدي يوسف وسيف الرحبي حتى ان لديَّ نصوصا نثرية تكفي لديوان من الحجم الكبير كتبتها اثناء قراءاتي له وأتى بعدهم محمود درويش والمتنبي وديوان انقاض الغبطة للدميني ثم البردوني وشوقي بزيع وصلاح جاهين وعبدالمحسن يوسف,, والآن لا اقرأ سوى الروايات واكثرها يجيب الغم والنص الذي اردد مطلعه دائما.
ليس لي ما أضيف
جففت تماما
وحل بروحي الخريف
ولا ادري من قائله ولكن بعثه لي الدكتور سعيد السريحي قبل عامين ووقتها لم التفت إليه، أرأيت نحن نبحث دائما عن الذين يشبهوننا في مصائبهم حتى لا نشعر بالوحدة وحتى نؤمن بأن القدر كان عادلا اذ وزع الالم علينا بالتساوي.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved