Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


المجالس الأدبية في الأندلس
عصام حاج علي

تنتشر هذه الأيام الصالونات الأدبية في كثير من الدول العربية وان كانت تختلف مسمياتها، وهي بالتأكيد ليست ظاهرة جديدة بل هي قديمة ووجدت في العصور السابقة ومنها العصر الأندلسي.
وهذا ما يشير إليه الدكتور عبدالله بن ثقفان في كتابه المجالس الأدبية في الأندلس ويؤكد ان البداية انطلقت من المسجد اذ لم تكن لأهل الأندلس مدارس تعينهم على طلب العلم بل يقرأون جميع العلوم في المساجد وإذا تعذر ذلك فكان منزل الأستاذ هو المكان المناسب, وكان أهل الأندلس يقرأون في المجلس كتاباً أو يناقشون قضية أو يطرحون أمراً من أمور الدين والتعليم وكان عبدالرحمن الداخل هو أول من وضع النواة الحقيقية للمجالس الأدبية وقلد فيها أهله المشارقة واجتمع في مجلسه الشعراء والفقهاء بينما اقتصر مجلس ابنه هشام على الفقهاء ثم تطور الأمر في العصور اللاحقة لتضم المجالس مواهب متعددة أسهمت في تحريك الحركة الفكرية الأندلسية، واستمرت هذه المجالس بالازدهار فيما بعد رغم ما حدث في الأندلس من صراعات وتعدد الحكام الى أن أصبحت سرية في نهاية الأمر وتقام في المسجد أو المنزل.
وثمة مجالس علمية خاصة نظمها الأساتذة حيث يجتمع الطلبة من أماكن عديدة عند الأستاذ كما كان مع أبي علي القالي العالم اللغوي الذي خصص يومين للمحاضرات في الأسبوع.
وهناك مجالس للجدل كتلك التي وقعت بين أبي محمد علي بن أحمد بن حزم وبين أبي الوليد الباجي الفقيه حيث قامت بينهما مساجلات ومجادلات قوية وحامية، ومجالس للهزل والضحك وأخرى للاصدقاء والندماء، اضافة لمجالس الغناء كمجلس زرياب.
ويعرض الدكتور ثقفان في الفصل الثاني من كتابه للنشاط الأدبي في هذه المجالس، حيث كان الشعر الموضوع الأساسي فيها إلى جانب النثر والنقد ومواضيع أخرى لها علاقة بالأمة والبلاد, وكانت المجالس للأمراء والخلفاء والوزراء والقضاة والأدباء والشعراء والعلماء والمغنين والنساء وتعددت أنشطتها مما يجعل من الصعوبة جمع كل ما يدور فيها ولهذا توقف المؤلف عند أبرز النشاطات وهي:
المدح: وكان له النصيب الأساسي في المجالس ويمثل الكم الأكبر في ديوان الشعر الأندلسي.
الغزل: وارتبط بالغناء ليدلان على حياة الدعة والتنعم التي سادت الأندلس.
الهجاء: وكان أصحاب المجالس لا يحبذون سماعه في مجالسهم لأنه يضيع عليهم لحظة الفرح والسرور تلك التي يحاولون اشاعتها فتنعكس على الحضور، إلا ان هناك فرصة للشاعر بالهجاء في مجلسه اذا كانت له القدرة على جعل هجائه يقوم على الدعابة والضحك بما يطلق عليه النقد الاجتماعي.
النصح: ويسميه المؤلف النقد الذاتي الذي صدر أو يصدر من نديم أو جليس خاص أو يحتل مكانة كبيرة عند صاحب المجلس.
الوصف: كثر الشعر الوصفي في المجالس وغلب عليه شيء من الخصوصية لأنه يصدر من شاعر خاص أو نديم يقوله امام صاحب المجلس بطلب منه ويكون الوصف جديداً أو طريفاً يميل الى الفكاهة والظرف.
ويورد مؤلف الكتاب صوراً أخرى من نشاطات المجالس كالنقد وهو انطباعي ذاتي يهدف صاحبه لارضاء صاحب المجلس في اغلب الأحيان، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها تهجم رواد مجلس المعتمد على ابن عمار وكيف صدهم المعتمد بأن أكد شاعريته رغم غضبه عليه، وهناك المحاورات والمناظرات والمعارضات والتنبؤ بالأحداث.
الفصل الثالث من الكتاب خصصه المؤلف للحديث عن العلاقات داخل المجالس الأدبية حيث تربط بين صاحب المجلس ورواد مجلسه مجموعة علائق تتمثل في المنادمة والمعرفة الفكرية والمعرفة العارضة.
وكانت علاقة المنادمة تقوم على وجود نديم خاص للحاكم أو الوزير أو الشاعر يشاركه اللهو والمجون وحتى الأمور الجدية مثلما كان بين ابن عباد ووزيره ابن عمار حيث كان لا يستغني عنه ساعة من ليل أو نهار ويلازمه في كل شؤونه العامة والخاصة.
وأما علاقة المعرفة الفكرية فتأتي من خلال ما قد سمعه أو قرأه صاحب المجلس عن شاعر أو مفكر ولكنه لم يواجهه، كما حدث مثلاً للشاعر ابن هانئ الأندلسي مع ملك الزاب جعفر بن علي الأندلسي، إذ قصد الشاعر الملك فوجد بابه معموراً بالشعراء وعلم ان وزيره وخواصه لا يتركون مثله يقرب من ملكهم فتحيّل وتزيا بزي بربري وكتب على كتف شاة مجرود من اللحم:
الليل ليل والنهار نهار
والبغل بغل والحمار حمار
والديك ديك والدجاجة زوجه
وكلاهما طير له منقار
ووقف بهذا الشعر للوزير، وقال: انا شاعر أريد أن أنشد الملك هذا الشعر، فضحك الوزير وأراد ان يُضحك الملك فسمح له بالدخول وحين فعل عدل عما قاله وأنشد قصيدته التي يصف فيها النجوم وقال في الملك:
كأن لواء الشمس غرة جعفر
رأى القرن فازدادت طلاوته ضعفا
فقام إليه الملك وقال له: بالله انت أبن هانئ؟ فقال: نعم، فعانقه وأجلسه الى جانبه وصار من رواد مجلسه منذ ذلك الحين.
وأما علاقة المعرفة العارضة فهي التي تكون بين أصحاب المجالس وبين الوافدين الجدد غير المعروفين من قبل حيث كان الشعراء ينتقلون من بلاط لبلاط يعرضون اشعارهم ويمدحون بها تاجراً أو اميرا أو موظفاً كبيراً وغايتهم الوصول إليه والحصول على الهدايا أو التقرب منه وكثيراً ما كانوا يخفقون في ذلك ولاسيما في الاقتراب من الملوك، ولكن بعضهم استطاع ذلك وصاروا من أصحاب المكانة الرفيعة والشهرة الواسعة من أمثال الرمادي وابن عبدون وابن عبدالصمد، ولكن كما يؤكد المؤلف فإن العلاقة في المجالس متحركة فالجديد قد يصبح نديماً والنديم قد يصبح طريداً وتبقى المجالس تمثل صوراً ناصعة لعلاقات حميمة اساسها الفكر ودعائمها الشعر وفروعها النتاج العقلي وثمرتها ما حوته المصادر من ألوان عديدة لفكر ظل متوهجاً على مدى الأيام والدهور.
ولا ينسى الدكتور عبدالله بن ثقفان الحديث عن النظام الداخلي للمجالس والأسس التنظيمية التي قامت عليها ولاسيما الدعوة للحضور والاعتذار وسلوكيات الرواد ونوعيتهم والسؤال عن الغائب والتوسط للجديد، وما يتم فيها أحياناً من وشايات ومؤامرات كما حدث بين ابن زيدون والمعتمد بن عباد، ويخلص في ختام كتابه للتأكيد على أن أدب المجالس أدب تلقائي يمثل بحق النموذج لأدب أمة عُرفت بالأدب الرفيع والفكر النير.
ان كتاب المجالس الأدبية في الأندلس كتاب جميل وهو كما يقول مؤلفه عبارة عن سياحة فكرية لنقل واقع مجالس الأندلس الأدبية اعتماداً على العديد من المصادر والمراجع الى جانب الاستفادة من مشاهدة المؤلف لما يحدث في بعض المجالس الأدبية في السعودية حيث كون منهما أفكاراً جديدة شكلت الكتاب الذي بين أيدينا.
الكتاب ضم قائمة بالفهارس والمصادر والمراجع والدوريات وفي هذا خدمة جليلة للمهتمين والباحثين.
المجالس الأدبية في الأندلس
تأليف: د, عبدالله بن ثقفان
الناشر: النادي الأدبي في أبها
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved