Wednesday 15th December, 1999 G No. 9939جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,رمضان 1420 العدد 9939


العماد الأصفهاني وخريجة القصر وجريدة العصر
محمد إبراهيم أبو سنة

كلف بعض الشعراء والادباء والبلغاء بانتخاب مجموعات من القصائد تمثل عصورها او تمثل الشعر العربي في حقبه المتعاقبة,, والعماد الاصفهاني واحد من هؤلاء الذين عكفوا على جمع التراث الشعري للقرن السادس الهجري في كتابه خريجة القصر وجريدة العصر وهي تقع في عشرة مجلدات كبيرة قسمها العماد الى اربعة اقسام، خص القسم الاول منها بالعراق والثاني ببلاد العجم وفارس وخراسان والثالث بالجزيرة والموصل والشام والحجاز واليمن اما القسم الرابع فخصه بمصر وصقلية والمغرب والاندلس وافتتح هذا الجزء بالحديث عن شعراء مصر حيث يقول:
* وانا مبتدىء بالديار المصرية لامتزاجى باهلها وابتهاجى بفضلها وحصول مداري في فلكها ووصول مرادي الى ملكها.
وقد كشف هذا الكتاب عن الدرر الشعرية للقرن السادس الهجري مما يمهد الطريق امام الدارسين لتصحيح الاحكام الفنية والتاريخية حول هذه المرحلة من تاريخ الشعر العربي خاصة في الاقاليم والامصار المترامية في عهد شهد تفكك الدولة الاسلامية ونشوء الولايات والدول وضعفت يد الخلافة في بغداد عن السيطرة على مقادير الدولة الاسلامية كلها, فمن هو العماد الاصفهاني,, يقدم الدكتور شوقي ضيف تحليلا ومدخلا لهذا الكتاب كما يقدم نبذة عن حياة هذا المؤلف ملقيا الضوء على عمله الدؤوب في خدمة الشعر العربي: والعماد هو محمد بن محمد بن حامد بن هبة الله ولد بأصفهان سنة 519ه، وقدم الى بغداد وهو في العشرين من عمره حيث انتظم في سلك المدرسة النظامية ودرس الفقه والحديث والادب وبرع في نظم الشعر واتخذه وسيلة للتقرب من الخليفة المقتفي لامر الله 530 555ه وقد مدح الخليفة فولاه النظر بواسط والبصرة عند وزيره ابن هبيره وبعد وفاة هذا الوزير سنة 560ه اعتقل الشاعر مع اعوان الوزير فلجأ الى الخليفة المستنجد يستعطفه حتى اشفق عليه واطلق سراحه وما ان تحرر من سجنه حتى ولى وجهه نحو الشام حيث اقام في دمشق سنة 562ه وظل يتوسل بالمقربين من السلطان نجم الدين ايوب والد صلاح الدين الايوبي حتى لحق به وبخدمته وعمل في ديوان الانشاء في دولة نور الدين، وبعد وفاة نور الدين ضاقت الدنيا بالعماد فعاد الى العراق حتى بلغه ان صلاح الدين الايوبي قد تولى امور الشام فعاد الى دمشق وكان صلاح الدين اميرا على حلب سنة 570ه، وظل يعمل بالكتابة عند صلاح الدين حتى وفاته سنة 589ه في بيته بدمشق وعكف على التأليف حتى وافاه الاجل في مستهل رمضان سنة 597ه.
ومن مؤلفات العماد الاصفهاني الفيح القسي في الفتح القدسي,, وفي الجزء الرابع ترجم العماد للكثير من الشعراء من امثال القاضي الفاضل و ابن سناء الملك والاسعد بن قماتى و ابن قلاقس و طلائع بن رزيك و المهندب بن الزبير و ابن قادوس و الموفق بن الخلال .
يقول العماد في قصيدة جميلة ذكر فيها المنازل ونظمها كما يصرح في طريق مصر ويصف فيها الشوق الى دمشق ويمدح الناصر صلاح الدين:
هجرتكم لا عن قلال ولا عذر
ولكن لمقدور اتيح من الامر
وما كنت ادرى ان يتاح فراقكم
ومن يعلم الامر المقدر او يدري
واعلم اني مخطىء في فراقكم
وعذري في ذنبي وذنبي في عذري
ارى نوبا للدهر تحصى وما ارى
اشد من الهجران في نوب الدهر
بعيني الى لقيا سواكم غشاوة
وسمعي الى نجوى سواكم لذو وقر
وقلبي وصدرى فارقاني لبعدكم
فلا صدر في قلبي ولا قلب في صدر
واني على العهد الذي تعرفونه
وسري لكم سري وجهري لكم جهري
ثم يقول:
أسير الى مصر وقلبي اسيركم
ومن عجب اسرى وقلبي في اسر
تذكرت احبابي بجلق بعدما
ترحلت والمشتاق يأنس بالذكر
والقصيدة طويلة تعبر عن الوفاء للأمير والشوق للوطن الذي وجد فيه الامن والحماية يقول:
ومن فارق الاحباب مستبدلا بهم
سواهم فقد باع المرابح بالخسر
فقلت ملاذى الناصر الملك الذي
حصلت بجدواه على الملك والنصر
فقالت اقم لاتعدم الخير عندنا
فقلت وهل تغنى السواقي عن البحر
فقالت صلاح الدين ؟ قلت هو الذي
به صار فضلي عالي الخط والقدر
ومن الشعراء الذين اختار لهم العماد السعيد ابو القاسم هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك الذي يقول يشكو غربته بالشام:
من للغريب هفت به الفكر
لا العين تؤنسه ولا الاثر
لاتلتقي اجفان مقلته
فكأنما اهدابه ابر
من طول ما يرمي بغربته
يبكي البكاء يسهر السهر
يا طول ليل لا صباح له
سحروا الظلام فعاله سحر
يا دهر يا من لا حنو له
او ما علمت بانني بشر
ولو كنت تنطق قلت لم بطرا
فجميع ما بك اصله البطر
تأتي حماة وتشتكي كدرا
او ما علمت بانها كدر
وبقيت لا اهل ولا ولد
فيها ولا وطن ولا وطر
صه يا زمان فانني رجل
ليست تغير صبره الغير
ومن بدائع صوره:
اصبحت بعدك في الحياة كفان
ولقد التفيت ولا اقول كفاني
ابكي فتجري مهجتي في عبرتي
فكأن ما اجريته اجراني
وشعر هذه المرحلة يتسم بكثرة الجناس والطباق وما عرفت بالمحسنات البيعية ولا ان مثل هذه الكتب تختزل عصوراً باكملها وتعيد الى الحياة قصائد كانت الى زوال لولا جهد علماء من امثال العماد الاصفهاني.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved