Friday 17th December, 1999 G No. 9941جريدة الجزيرة الجمعة 9 ,رمضان 1420 العدد 9941


الخطّاطة

عندما دق الباب هبت نور كالمذعورة واندفعت الى الباب الخارجي عبر الدهليس الضيق الذي تهالكت حوافه السفلية وبدأ في افراز تراب ناعم مخلوط ببعض الجص,, أزاحت بقدمها وهي تهم بفتح الباب صندوقا خشبيا كان زوجها قد احضر فيه بعض الاشياء صباح ذلك اليوم,, فتحت نور الباب وقلبها يكاد يقفز من بين اضلعها من شدة الخفقان,, كان القلق باديا عليها منذ الصباح الباكر، اتضح ذللك من يديها المرتعشتين ونظراتها الزائغة، فتحت الباب ببطء وهي تغطي اسفل وجهها بشيلتها الملفوفة على كفها, كان الطارق امرأة كشفت عن وجهها عندما فتحت نور الباب,, دلفت الى الداخل وهي تسلم وتهز صرة كانت في يدها في وجه نور وكأنها تذكرها بالغرض الذي قدمت من أجله.
قادت نور ضيفتها الى غرفة الضيوف ذات الاثاث الذي تبدو عليه النظافة والترتيب بالرغم من انه لم يجدد منذ زواجها.
فتحت نور الشباك الذي يقع في الجهة الشرقية من الغرفة، والذي تغطيه كبريتة من الخارج رغم انها لم تصمد امام عبث الاطفال,, يتضح ذلك من الشقوق والفراغات الكبيرة فيها, لم تكن الضيفة سوى الخطاطة خضرا التي بعثتها الى نور احدى صديقاتها,, جلست خضرا الخطاطة في صدر المجلس بعد ان نزعت عنها عباءتها وكومتها الى جوارها عندما احضرت نور الشاي والقهوة، فردت خضرا منديلا حريريا مزركشا، تلوح في أطرافه بعض الثقوب,, نظرت الى نور بتمعن ثم راحت تحدثها عن مهارتها في قراءة الخط ومعرفة اسرار الودع,, وعن فلانة وعلانة التي طالما خطت لهم وأخبرتهم عن كثير من الاشياء والحوادث التي صدق فيها الودع وأخبار اخرى كثيرة لم تكن نور تذكرها لانها لا تصدق في قرارة نفسها كل هذه الخزعبلات,, رمت خضرا الودع على المنديل المزركش ذي الثقوب بحركة مسرحية فاردة اصابعها مميلة جذعها إلى الامام,, مغمضة عينيها، وكأنها تقول إنه لا دخل لها فيما سيخبر به الودع, تسمرت عينا نور على حواف المنديل الحريري المزركش ذي الثقوب، اخذت خضرا الخطاطة بعد ان جالت بعينيها على القطع المتناثرة فوق المنديل تحدث نور عن اخبار وحوادث وأمراض وأشياء اخرى كثيرة اغلبها مختلق وبعضها معروف للقاصي والداني,, لمت خضرا الودع وبقية الاحجار بحركة سريعة تدل على التمرس والخبرة، أعادت رمي الودع بنفس الحركة المسرحية الاولى,, ثنت جذعها الى الامام وهي تصفق كفا بكف، خيراً ان شاء الله,.
قالت نور وهي تنظر تارة في وجه خضرا وتارة الى الودع، هزت الخطاطة رأسها يمينا وشمالا,, اعادت جمع الودع بحركة اسرع من الاولى، رمته بحركتها المسرحية التي يبدو انها أتقنتها لكثرة ممارستها لهذا العمل,, قطبت جبينها، رفعت رأسها ببطء ونظرت إلى نور التي بدأ القلق يتسرب إلى نفسها اخذت خضرا تخبر نور عن ما سيقع لها ولابنائها وزوجها في المستقبل وهي ترفع صوتها تارة وتخفضه اخرى,, هزت نور رأسها وكأنها تفيق لتوها من النوم,, تناولت فنجالا من الشاي وقدمته لخضرا وهي تقول,, يا أختي المستقبل لا يعلمه إلا الله، اشربي شاهيكي لا يبرد,, في هذه اللحظة دخل الى الغرفة ابن نور الذي لم يتجاوز سنه الخامسة وهو يجري,, نظر إلى المنديل الحريري المزركش ذي الثقوب تفحص بعينيه الودع والقطع اللماعة الاخرى,, اهوى بكفه فجأة على المنديل,, ملأ كفه الصغير ببعض القطع، وانطلق خارجا من الغرفة كالسهم,, نهضت خلفه الخطاطة خضرا كالمذعورة,, لكنه كان قد مرق إلى الشارع وذاب فيه في لمح البصر,.
حامد محمد الشريف

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

أفاق اسلامية

لقاء

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved