Friday 17th December, 1999 G No. 9941جريدة الجزيرة الجمعة 9 ,رمضان 1420 العدد 9941


مع دخول شهر رمضان المبارك,, المعنيون بالعمل الإسلامي يؤكدون لـ الجزيرة
توجيه الصدقة إلى أشد المسلمين حاجة عمل احتسابي له أجره وفضله

* تحقيق: سَلمان العُمري
على الرغم من وجود الكثير من المؤسسات الخيرية المتنوعة التي تكون في مجموعها نموذجاً يحتذى في تحقيق التكافل الاجتماعي في داخل المجتمع، إلا أن كثيراً من الموسرين لا يتحرى موضع الصدقات والزكوات بما يحقق هذا المبدأ الإسلامي العظيم، بل يسعى البعض إلى المؤسسات والجمعيات الكبرى ذات الشهرة والصيت، ليضمن نشر اسمه في الجرائد والمجلات بما قدمه، في الوقت الذي تقف فيه بعض الجمعيات الأخرى دون عون كاف يعينها على سد العوز لجموع المنتسبين لها من الفقراء واليتامي والمساكين,
الجزيرة وبمناسبة دخول شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركة، ومشاركة منها في تصحيح هذا الأمر التقت عدداً من العاملين في المؤسسات الخيرية العاملة في الساحة الإسلامية في محاولة لإيجاد السبيل لتنظيم العطايا والهبات بما يسد حاجة هذه الجمعيات، وتوجيه هؤلاء الباحثين عن الشهرة مقابل العطاء.
فضيلة الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور مانع بن حماد الجهني الذي استهل حديثه ببيان فضل الصدقة وأهميتها في حياة المسلمين، ودور المؤسسات الخيرية الموثوقة في خدمة الموسرين والفقراء على السواء، فقال: الزكاة والصدقة اسمان لمسمى واحد، كما أثر ذلك عن بعض أهل العلم، وهي بمسمييها عمل صالح فضله العظيم يمتد ليشمل إصلاح شؤون فقراء المسلمين وسد حاجاتهم، وهم كما هو معروف غالبية الأمة وسوادها الأعظم، كما يشمل الفضل المتصدق في جميع شأنه في الدنيا والآخرة.
وأضاف د,الجهني قائلاً: وقد أثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (تباهت الأعمال فقالت الصدقة: أنا افضلكن) ، وللعلامة ابن القيم قول جميل في فضائل الصدقة يحسن ذكره، قال رحمه الله تعالى :(وقد دل النقل والعقل والفطرة وتجارب الأمم، على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى الله رب العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمة بمثل طاعته والتقرب إليه، والإحسان إلى خلقه، ومن رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه الله، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه).
ثم قال: والمؤسسات الخيرية الإسلامية الموثوقة تقدم للموسر أهم حاجات المسلمين في المناطق التي تعمل فيها مدروسة مرتبة حسب الأولوية والأهمية بما يتيح له بسهولة التعرف على افضل مصارف أمواله التي يتبرع بها، كما تنفذ وتشرف على تنفيذ أهم المشروعات التي يرجى منها عميم النفع وسد أهم الحاجات وارجاها للمحتاجين من المسلمين.
واردف بقوله: وللحق أقول أن العمل الخيري ازدهر في بلادنا حماها الله ازدهاراً لا مثيل له في واقعنا المعاصر، يشهد بذلك قيام العديد من المؤسسات واستمرارها في تقديم العديد من الخدمات المطرده كماً ونوعاً على المستويين الرسمي والأهلي,, ويمكننا القول إن المملكة صارت بحق الرائدة والراعية الأولى للعمل الخيري في عالمنا العربي والإسلامي، وهذا الواقع المشرق ساهم في تحققه بعد فضل الله تعالى ثلاثة أمور: الفهم الصحيح للمعاني السامية للتضامن الإسلامي الذي شارك في ترسيخه الدعاة والعلماء، وامتزاج هذا الفهم الحميد بالفطرة الأصيلة للكرم والنخوة والمروءة وحب إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج التي جبل عليها أهلونا، واطراد نعم الله تعالى رخاءً وسعة وأمناً وأماناً، ثم إلحاح الواقع المعاصر للمسلمين دولاً وأقليات بما يمثله من فقر وتخلف ونكبات وجراحات.
وقال د, الجهني: أقول هذا لقناعتي التامة بأن العمل الضخم الذي تقوم به المؤسسات الخيرية لدينا وما تقدمه من خدمات وجهود مباركة لمساعدة المسلمين في شتى بقاع العالم، هذا العمل العظيم المقدر لا يعيبه صغائر سلبيات فردية مثل تلك التي ذكرت بالسؤال، لعدة وجوه أولها: أن صفاء الأعمال من كل شائبة أمر لا يدرك لكونه من الأمور المستحيلة، ولأن إيجاد مجتمع إسلامي صفوي بدون خطايا وأخطاء أمر لم يحدث حتى في القرون الزاهرة، ولذا قيل بأن إيجاد مجتمع إسلامي صفوي ليس من مقاصد الشريعة أو من مطالبها، فالعصمة إنما هي للأنبياء فقط، ووجود بعض من ذكروا بالسؤال أمر إن وجد فلا يتعدى حالات فردية لا تشكل ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لها.
كما يرى د,الجهني أن المؤسسات الإسلامية الخيرية، كبيرها وصغيرها كلها في معين واحد وتهدف لغاية واحدة ولو تشعبت فروعها، فكلها تسعى إلى تقديم خدمات معتبرة شرعاً لقطاع من المسلمين المحتاجين لتلك الخدمات، لذا فإن التبرع لهذه المؤسسات دون تلك ما دام سببه ما ذكر أرجو ألا يؤثر سلباً على العمل الخيري والدعوي، لأن مؤسساته كما ذكرت كبيرها وصغيرها تجمعها غاية واحدة هي الدعوة إلى الله جل وعلا من خلال ما تقدمه من برامج وخدمات,
أما الأمر الثالث فيقول عنه بأنه هو الإعلان عن إحسان المحسن نوع من الشكر الواجب له شرعاً امتثالاً للتوجيه الإلهي الكريم: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وقوله صلى الله عليه وسلم :(من لم يشكر الخلق لم يشكر الخالق).
وقال: لذا فنحن نقول أن إقدام بعض المؤسسات الكبرى على الإعلان عن أسماء المتبرعين والثناء عليهم أمر مشروع ولا بأس فيه وأرجو أن يكون سرور المحسن بعمله بشرى من الله عز وجل إليه بقبول العمل والتوفيق والسداد لقوله صلى الله عليه وسلم :(إذا سرتك حسنتك فأنت مؤمن وقوله عن ذلك تلك عاجلة بشرى المسلم).
أما الوجه الرابع فيلاحظ أن الله جل وعلا عندما جعل الأجر الأفضل لصدقة السر، امتدح جل وعلا في المقابل صدقة المعلن ربما لفوائدها المرعية من الدلالة على الخير والتحفيز لفعله أورد ابن كثير في معنى قوله تعالى: (إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) أي إن أظهرتم الصدقات فنعم شيء هي وإن كان إسرار الصدقة أفضل إلا أنه يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون الإظهار افضل، انتهى كلامه رحمة الله.
واستطرد د,الجهني قائلاً: الأمر الأخير هو أن النيه محلها القلب ولا يحسن أن نقول أن فلاناً يفضل ذكر اسمه لأن الله هو المطلع عليه، أما نحن فلنا الظاهر، والظاهر أن من سعى ليتبرع لمؤسسة خيرية إسلامية موثوقة فهو إن شاء الله من أهل الصلاح والتقوى، خاصة وأن إعلان الصدقة والشكر عليها أمور مشروعة كما أسلفنا.
ومن باب التناصح والتواصي بالحق قال د,الجهني: وأذكر نفسي وإخواني المتبرعين الموسرين بأمرين اثنين: أولهما أن نكثر من الصدقات فإنها والله نعم المغنم الباقي النافع في الدنيا والآخرة، ولاشك أن الحرص على أن توجه الأموال إلى اشد المسلمين حاجة إليها وأكثرها لهم نفعاً عمل احتسابي له أجره وفضله لكونه متعلقاً بكمال الوظيفة التي شرعت الزكاة من أجلها.
أما الأمر الثاني فهو أن نهتم غاية الاهتمام بإصلاح النوايا وإخلاصها، والإخلاص كما جاء في الأثر: سر بين الله والعبد لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله، كما أثر عن الشعبي قوله: (من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته).
ثم قال: ولعله من المناسب أن تتولى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إصدار مطبوعة جامعة فصلية أو نصف سنوية تشارك في تكلفتها جميع المؤسسات الإسلامية العاملة في المملكة، وتعنى بنشر أخبار ومناشط وإنجازات تلك المؤسسات، ومعلومات وافية عن مشروعاتها والدول التي تنفذ فيها والفئات التي تستفيد منها، وذلك إلى جانب أسماء المتبرعين لهذه المشروعات، بما يحقق الفوائد المرجوه من إظهار الصدقة ويسد أمام الشيطان مدخل (حب السمعة) الذي قد يراود البعض في هذا الصدد، ونحن مستعدون للتعاون مع الوزارة في إعداد الآلية والهيكل العام لتلك المطبوعة.
وفي ختام حديثه سأل الدكتور الجهني الله الكريم رب العرش العظيم أن يجزي جميع المحسنين خير الجزاء، وأن يتقبل منهم صدقاتهم وزكواتهم، كما أسأله جل وعلا إلا يحرمنا وإخواننا العاملين في المؤسسات الإسلامية الخيرية الأجر، وأن يوفق سبحانه وتعالى الجميع لما يحب ويرضى.
إخفاء الصدقة أفضل
ويؤكد المدير العام لمؤسسة الحرمين الخيرية الشيخ عقيل العقيل: أن التبرع بالمال لمشاريع الخير عبادة يلزمها النية الصادقة والإخلاص، ولا يجوز فيها الرياء والسمعة فيجب على المتبرع أن يخلص لله سبحانه وتعالى، وإن كان يجوز له إبداء الصدقة من باب حث الآخرين على الاقتداء إلا أن إخفاء الصدقة افضل من إبدائها كما أن عليه التحري في إنفاق زكواته وصدقاته بحيث لا ينفقها هكذا كيفما اتفق بل يسلمها بنفسه للمحتاجين أو لمن تبرأ الذمة بتوكيلهم من المؤسسات المأمونة والموثوقة خصوصاً تلك التي يقوم عليها العلماء المعروفون ونحن نرى كثيراً من الناس لا يعير هذا الموضوع اهتماماً!!
ورجا الشيخ العقيل: وسائل الإعلام خصوصاً الصحف التركيز على هذا الجانب وتوعية المحسنين بهذا الأمر خصوصاً في موسم الخير شهر رمضان المبارك حيث يقبل الناس على البذل والجود.
كما حذر من تجار التبرعات وهم أناس يحضرون إلى هذه البلاد الخيرة من بلدان بعيدة وقريبة يسوقون مشاريع وهمية أو مشاريع فاشلة يجمعون لها أموالاً وهم ليسوا أهلاً لذلك والحمد لله الآن توجد المؤسسات الخيرية التي يمكن أن تقيم مثل هذه الأعمال وتعطي النصيحة للمحسن حيالها.
توظيف التبرعات بطريقة أمثل
أما الأمين العام لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية الدكتور/ عدنان خليل باشا فيعترض بمشاركته قائلاً: ليس الأمر بهذه الصورة الداكنة كما يعتقد البعض,,وإن كان من المفترض ثبات التبرعات إن لم نقل نماؤها,, إلا أن العاملين في الجمعيات والمؤسسات الخيرية يلاحظون انخفاض التبرعات,, وربما يرجع ذلك لأسباب تخص تلك المؤسسات، وتنافس بعضها للاستثمار بالتبرعات,, كما أن تتابع المآسي في عالمنا قد يكون سبباً للإحباط!
ورغم ذلك,, فإن ابتغاء الثواب والأجر من الله عز وجل سيظل أكبر حوافز المؤمنين والمخلصين بغض النظر عن الكيفية التي يتم التبرع بها أو الجهة التي تذهب إليها تلك التبرعات.
وتمنى د,باشا: من المتبرعين الكرام توظيف تبرعاتهم بطريقة أمثل,, وذلك من خلال شراء (أوقاف) يذهب ريعها السنوي لصالح اللاجئين المسلمين والبرامج المخصصة لنشر الدعوة الإسلامية بينهم ورعايتهم صحياً ونفسياً وتقديم خدمات التعليم الشرعي والنظامي وتعليمهم مهارات وحرف تعينهم على التغلب على ظروفهم المعيشية القاسية,, خصوصاً وأن عددهم حالياً أكثر من (20,000,000) لاجىء ولاجئة يهيمون على وجوههم في أصقاع العالم,, ينهبهم برد الشتاء أحياناً,, ولهب الشمس الحارة أحياناً في ذلك العراء الموحش,, وهم بالطبع في أمس الحاجة إلى الثبات على الإسلام وحمايتهم من غول الحاجة إلى الغذاء والكساء والمأوى والرعاية الصحية والتعليمية والنشاط الدعوي وإكسابهم مهناً ومهارات جديدة تبعد عنهم شبح الفقر والبؤس بحيث تصبح هذه الأوقاف صدقة جارية إلى يوم القيامة يتفيأ ظلالها المتبرع الكريم في دنياه وآخرته ويتجدد ثوابها العظيم له يوماً بعد يوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

أفاق اسلامية

لقاء

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved