Friday 17th December, 1999 G No. 9941جريدة الجزيرة الجمعة 9 ,رمضان 1420 العدد 9941


المخدرات أسرع الطرق إلى الوفاة

أمر الله المسلمين أن يترفعوا بأنفسهم عن النقائص والدنايا وان يسمو بارواحهم وطباعهم عن سفاسف الأمور وأن يتجملوا بكل ما في الدين الاسلامي الخالد من فضائل وآداب وتعاليم وتوجيهات لاصلاح الفرد والأمة والمجتمع وقد كرم الله العقل وأمرنا بالمحافظة عليه والاهتمام به والعناية برعايته فهو العضو الوحيد الذي يميز الانسان من الحيوان فالعقل فضل كبير فهو مهبط الالهام والوحي ومنبع الذكر والفكر ومصدر الابداع والاختراع والاحكام وملتقى العظة والاعتبار فهو الذي يستطيع ان يقرأ آيات الأولين وهو الذي يستطيع ان يدرك ويعلم اخبار السابقين وهو الذي يستطيع ان يتعمق في اسرار التاريخ وخفاياه فلديه القدرة الكاملة والفطرة الناضجة والاسباب الكافية على ان يستنطق أبكمها ويحادث اخرسها ويتغلغل في اسرارها فيسألها عن احاديث أهلها وسير أصحابها وعن كل ما كانوا عليه من سعادة او شقاء وأفراح أو احزان وله في ذلك المجال الواسع والقدح المعلى, والقدم الراسخة والباع الطويل وآياته في ذلك جلية واضحة وأخباره في هذا المجال معروفة مشروحة واسلوبه في مخاطبتها ومناقشتها عجيب غريب والا فمن الذي كشف لنا عن اخبار الماضين والسابقين والأولين والآخرين والآباء والأجداد وبطولاتهم الخالدة وأعمالهم المشرقة وانجازاتهم العملاقة وتاريخهم المجيد، إنه ولاشك العقل الذي هو مصدر كل نعمة، ومنبع كل فضل، وأصل كل وحي وإلهام، وصدق الشاعر الحكيم الذي يقول:
ألم تر أن العقل لاشيء مثله
فليس من الأشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أوصافه ومآربه
ولقد خلق الله هذا الكون الواسع وأوجد هذا الملك الكبير وبسط رحاب هذا الملكوت الفسيح وملأه بالآيات والمعجزات وبث فيه الكثير من المخلوقات والموجودات وأرسى أرضه وجباله وطوى بحاره وأنهاره وشحن افلاكه وأملاكه وزين وجوهه وفضاءه بما لا يحصى من الأسرار الكامنة والغوامض المذهلة والقوانين العجيبة والنواميس الغريبة وما كان ذلك كله إلا من أجل الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض وشرفه بخلافته وعبادته، ووهبه العقل مفتاح هذا الكون والدنيا والحياة والغوامض وهاتيك الأسرار، فأقبل هذا الانسان على ملك الله بعقله وروحه وتفكيره فكشف اسراره وعرف أخباره وفجر أنهاره وذلل صعابه وسهل وعره وقنن قوانينه واستخرج كنوزه وربط بين طرفيه واستمتع بكل ما فيه من النعم والآلاء وجعل منه مسكنه ومأواه ومن غلاته وثمراته مطمعه ومشربه ومن ماشيته وحيواناته سفينته ومركبه، ولم يزل يواصل سعيه فيه ويجد في اكتشاف أسراره الغامضة وقوانينه وأنظمته المحكمة حتى الآن وكل ذلك بفضل عقله الذي ميزه الله به عن الحيوانات والدواب وفضله على النباتات والجمادات وجعله بفضل العقل سيداً على جميع الكائنات والمخلوقات ووجه إليه الخطاب والتكليف دون جميع المخلوقات والموجودات ولكن على الرغم مما للعقل من منزلة عالية ومكانة رفيعة سامية في الأرض والسماء فقد جهله العرب والمسلمون بل لقد أهانوا كرامته وأهدروا قيمته وأطفأوا نوره وسلطوا عليه الآفات المهلكة ودمروه بالسموم الفتاكة وقضوا عليه بالمسكرات القاتلة تارةً وبالمخدرات المهلكة تارة اخرى وكانت نتيجة ذلك ضعف العقول وإطفاء نورها والقضاء عليها بالمسكرات الضارة والمخدرات المهلكة بأسوأ النتائج وأقبح الثمار فكان ثمر ذلك والضعف أن تأخرت حياتهم وتعقدت معيشتهم واستعمر ديارهم الأشرار والأعداء وتملك أرضهم وثرواتهم الزنادقة والملحدون وتحكم في مصيرهم ومستقبلهم شرذمة قليلة من السفلة والطغاة وغزتهم دول أوروبا وأمريكا لا بالسيف والمدفع فقط ولا بالطائرات المحلقة والصواريخ الموجهة العابرة للقارات والقنابل المتفجرة فحسب ولكن بسلاح آخر هو أشد فتكاً وأنكأ سلاحاً وأخطر على حياتهم من كل هذه الأعتدة ذلك هو سلاح الاستعمار الاقتصادي الذي غمر الاسواق العربية والاسلامية فابتز أموالهم وسلب ثرواتهم وجعلهم عالة على غيرهم من الأمم والشعوب ينتظرون صناعتهم ويشترون بضائعهم ويروجون تجارتهم ويرجعون بحياتهم إلى الوراء في الوقت الذي يتقدم فيه الخصوم والأعداء حتى لقد عرفوا في هذه الأيام بوفرة الانتاج وكثرة البضائع وتعدد الاختراعات والابتكارات فتراهم كل يوم يطالعون الشرق والشرقيين ويفاجئون العرب والمسلمين بكل عجيب وجديد وبكل نافع ومفيد وبكل غريب مذهل من المخترعات والآلات وبكل صالح ومفيد فبلاد العرب والمسلمين معارض تجارية لمنتجات العالم في دنيا الناس هذه الايام مع الأسف الشديد فقد تقدمت امريكيا وأوربا وحق لهما ذلك أن تكونا كذلك ما داموا قد جعلوا العقل قائدهم ورائدهم واتخذوه إمامهم وزعيمهم وحرصوا على تكريمه وتعظيمه وبالغوا في إكرامه وصيانته اكثر مما يحرصون على الذهب الثمين وأعظم من تقديرهم الماس الكريم ولنردد هذه الأبيات الشعرية الجميلة:
لا ثل ربك عرشاً بات يحرصه
عقل ولا مد في سلطان من غدرا
لا تعجبن لملك عز جانبه
لولا التعاون لم تنظر له أثرا
خبرتهم فرأيت القوم قد شهروا
على مرافقهم والعقل قد سهرا
فالعرب والمسلمون يفخرون بأن لهم حضارة عريقة وأن لهم مجداً مؤثلا وأن لهم الى جانب ذلك كله ماضياً تليداً وذلك حق لا ريب فيه لأن الحق يؤيد ذلك والتاريخ يشهد به والآثار ترويه وتردده للناس بكل شمم وإباء ولكن هل أتممنا ما بناه الآباء والأجداد من مجد وسؤدد؟ وما أثلوه من إيمان شامخ وعز رفيع وما شيدوا من عظمة وفخار وما حققوه من حضارة زاهية ومدنية راقية أعتقد أن الجواب لا وأيم الله فهل خلف العرب والمسلمون آباءهم وأجدادهم في حضارتهم وأتموا ما بنوه من مجد وسؤدد وتقدم ورقي؟ فلو كان ذلك كذلك لفاقت حضارتهم كل حضارة ولسبقت مدنيتهم كل مدنية ولكنا اليوم في طليعة الأمم وفي مقدمة الشعوب ولكن قاتل الله المخدرات المسمومة تلك التي قتلت العقول وأظلمت النفوس وبددت الأموال والثروات ويتمت البنين والبنات وتركت كثيرا من البيوت وراءها موحشة خراباً فقد كانت من قبل آهلة بالخير عامرة بالبر مليئة بألوان النعم زاخرة بصنوف الكرم يقصدها الفقراء والمساكين ويطرق أبوابها البؤساء والمحرومون ويأوى إليها الغريب وابن السبيل فلما دخلت المخدرات المقيتة هذه البيوت العامرة نضب معينها وقل خيرها وضعف دخلها وتبدد مالها وسجن عائلها وكاسبها وتشرد أهلها وأطفالها فاصبحت عبرة ينظر إليها الناس في تأمل وامعان ثم يتهامسون بالكلمات الجارحة والعبارات الفاضحة والألفاظ الحقيرة ولا يلبث الناس حتى يفروا من أمامها ويتحاشون قربها وكأنما بداخل هذه البيوت مرض وبا أو ميكروب خطير وحق لهم ذلك كذلك فالبيت الذي تعرفه المخدرات ينكره الناس جميعاً لأنه منذ أن دخلته تغير اسمه فاصبح بؤرة للفساد وداراً للجريمة وماخوراً للفجور بينما هو قد كان بيتاً طاهراً ومنزلاً شريفاً إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار فحري من كل مسلم عاقل أن يتجنب المخدرات القاتلات المهلكات المدمرات وعارها فيتقي غوائلها وشرورها ويطهر بيته وقلبه وعقله من جميع النقائص والمنكرات والمخدرات والمسكرات فحقاً أن المخدرات هي أسرع الطرق إلى الوفاة.
عبدالله بن سعد الرويشد

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

أفاق اسلامية

لقاء

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved