Monday 20th December, 1999 G No. 9944جريدة الجزيرة الأثنين 12 ,رمضان 1420 العدد 9944


البوارح
حياتي مع الجوع والحب والحرمان 1- 3
د, دلال بنت مخلد الحربي

يقول عزيز ضياء في مقدمة قصته حياتي مع الجوع والحب والحرمان: دعني أبدأ قصتي,,, وتأهب لتقرأ فصولاً من حياة أعجب ما فيها أنها تافهة وأجمل ما فيها أنها قصة التفاهة، يحياها ألوف من أمثالي الصغار التافهين,,, الذين لم يتح لهم أن يلمعوا في آفاق العالم الكبير، ولم يجدوا مداخلهم إلى التاريخ,,, ليس في حياتهم بطولة أو مجد، أو مغامرات أو مفاجآت، أو اثارة من أي نوع,,, وانما فيها، حياة الألوف,,, والملايين من الصغار التافهين .
وكتبت لي ابنته دلال عزيز ضياء في اهدائها لمؤلف والدها عبارة: الحياة في المدينة المنورة في أعقاب الحرب العالمية الأولى بعيون طفل .
ما أعمق عبارات عزيز ضياء، وما ابلغ عبارات ابنته دلال.
قرأت الجزء الأول من الكتاب وهو سيرة ذاتية تقع في ثلاثة أجزاء تحمل في ثناياها صورة دقيقة لمرحلة عاشتها المدينة المنورة وبلاد الشام، وعايشت لمدة أيام بداية حياة ذلك الطفل فوجدت نفسي متفاعلة مع كل حرف من حروفها.
هي ليست قصة التفاهة كما يقول عزيز ضياء، بل هي صورة من صور المعاناة الانسانية، جسدت بحق أحاسيس ومشاعر وتفاصيل لفترة تاريخية نستقرئ أحداثها سياسياً، لكننا لم نستقرئ أحداثها انسانياً.
تنقلك السيرة إلى عوالم المدينة المنورة القديمة بتراثها وعاداتها وتقاليدها، تشتم منها ما اندثر من ذلك الماضي السحيق حيث الحيسة والبابور والزقاق وأزياء الرجال والنساء، علاوة على لهجة أهل المدينة المحببة.
ومن خلال سيرة عزيز ضياء نقف على أحوال حماة وحلب في بلاد الشام في مرحلة الحرب العالمية الأولى في تفاصيل ودقائق أعجب كل العجب كيف احتفظت ذاكرة الطفل بها، يجسد لنا الخوف والقلق والترحال والجوع ولحظات الموت ومشاعر الأسى لفقدان حبيب قريب في حياة اسرة تكونت منه ومن جده ووالدته وخالته وأخيه الصغير وابن خالته الرضيع بشكل يجعلك تبحر في فضاء التأمل، وتستشعر في دواخلك كل المشاعر السابقة لتدرك عمق المعاناة وصلد الحياة.
وشكلت محتويات هذه السيرة مادة تاريخية ثرية سجلها عزيز ضياء بحسه الأدبي الرفيع في صور بلاغية وجمالية راقية منها على سبيل المثال وصفه لمشاعره حين وفاة خالته: وصباح ثان، لا أكاد أذكره اليوم، بعد الترحال الطويل في دروب الحياة بكل ما نطويه ونجتازه فيها من فلوات ومفاوز وآجام، بل ومن أدغال يراوغنا فيها المجهول الذي يظل متحفزاً,,, لا أكاد أذكر ذلك الصباح، إلا وفي الأغوار البعيدة من النفس إحساس لم يغف قط، بأن الحب هو وحده الينبوع الذي كان وما يزال يروي دوح المشاعر والعواطف النبيلة، ومنها الحزن الذي توغل له الجذور في الأعماق وتمتد، وتتكاثر له، وتتواشج الفروع والأغصان، في آفاق المسيرة مهما طالت وترامت الدروب .
وفي موقع آخر يقول: واليوم,,, بعد هذا الترحال الطويل في دروب الحياة,,, وأنا أكتب هذه المذكرات أو الذكريات، تزدحم في القاع السحيق من أغوار النفس، الكثير من مشاعر الحزن والأسى ومشاهد الفجائع والحسرات، ولكن هذا الحزن الذي أطبق على قلبي يوم ماتت تلك الخالة الحبيبة، كان هو أول الأحزان وأبعدها أثراً وتأثيراً في النفس,,, لأنه كان الحزن الذي ارتوى من ينبوع الحب الخالد، فامتدت له الجذور في الأعماق، والفروع والأغصان في الآفاق,,, لأنه كان الحزن على حبيب .

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved