الإدارة على المكشوف منهج متعدد الوظائف، يحقق النجاح ويعظم الانتاج وينقذ وحداتنا الاقتصادية من الإفلاس والانهيار، كما ينتشلها مع القاع، والإدارة على المكشوف منهج بسيط للغاية يعتمد على مبدأ توفير أكبر قدر ممكن من المعلومات والبيانات لجميع العاملين يوماً بيوم حول الأرباح ومستوى المنافسة والفرص والتحديات، هذه المعلومات لا تصدر من فراغ وتصب في فراغ بل تتدفق قياسا إلى هدف أو مجموعة أهداف تحددها الادارة العليا.
في إحدى التجارب المصرفية الشهيرة في السعودية حددت الإدارة هدفا يقضي بانتشال أحد المصارف السعودية العريقة من خسائر وانحطاط ودعاوى بالجملة بين الادارة والعاملين وانهيار مالي أدى إلى تآكل قيمة الأسهم والأصول والسمعة المصرفية إلى معدلات عالية في الاداء والإنتاجية وبالتالي ترجمة ذلك إلى أرباح صافية وتوسعات في الخدمة والمنتجات المصرفية، كان التحدي واضحا منذ البداية، وكان أمام الادارة عدد من الخيارات والاستراتيجيات منها، العمل على إعادة هيكلة البنك والعمل على تنظيم برامج تدريبية مكثفة للوصول بمختلف العاملين إلى مستوى طموحات الادارة بما يحقق زيادة الانتاجية الكلية والرفع من مستوى الأداء، إن هذه الخيارات التي أقدمت عليها الادارة، واجهها الكثيرون بالرفض والاحتجاج والتذمر، لكنه ما لبث ان تحول إلى عرض مقبول وسياسة صحيحة بعد إعلان والتزام الإدارة بزيادة الأجور وتوفير مختلف الحوافز المادية والمعنوية.
الإدارة المذكورة لم تكتف بالتزامها بتحقيق ذلك فقط وإنما أضافت تقديم نشرة شهرية إخبارية لجميع المسؤولين عن الإدارات الرئيسية لرصد سلوكيات التضحية والعمل المضني الدؤوب والانتماء، واجتماعات نصف شهرية وحفلات سنوية لتكريم العاملين المتميزين ومكافأة المجدين والمتفوقين منهم، وكشف شهري بالحسابات المالية لموقف البنك: الودائع الدخول الإنفاق والأرباح، التطوير والتدريب، برامج السعودة، إدخال التقنية الحديثة لمختلف فروع ووحدات البنك، ، ، إلى غيرها من معلومات تهم كافة العاملين، وبهذا المنهج نجحت الإدارة في تحقيق الهدف، تم خفض الخسائر وفي خلال سنوات ثلاث تم تحويل الخسائر إلى أرباح، وظلت الإدارة في تحقيق التفوق والنجاح، لا مشاكل ولا أزمات بل عمل متواصل استطاع من خلاله أن يقف البنك على ساقه ليدخل بعد ذلك السباق في السنوات التالية، بتحقيق التفوق والنجاح والأرباح الوفيرة والوصول بالبنك إلى مصاف العالمية.
بهذه التجربة تحول مشاري المشاري المدير العام والمسؤول التنفيذي الأول لبنك الجزيرة السعودي إلى قائد مبدع لنظام الإدارة على المكشوف، نجح في انتشال إحدى المؤسسات المصرفية الخاسرة إلى مصرف ناجح يجني الأرباح سنة بعد أخرى، واستطاع بفلسفة إدارية متميزة ممزوجة بعمق الخبرة والممارسة ان يحدد مبادئ اساسية للإدارة على المكشوف، محورها أن الخسارة ليست نهاية العالم، وأن اي مؤسسة قابلة للنهوض من جديد مهما كانت الخسائر، ومهما كان حجم الدمار والتدهور الذي تعرضت له، المهم أن نتعلم كيف نلعب كفريق عمل واحد، ونتعلم أيضا أننا يمكن أن نخسر حتى ولو لعبنا جيداً، والسبب في كل الأحوال أن الفريق المنافس يلعب بطريقة أفضل وعلينا أن نتعلم من الآخرين دائما، كما أن الأمان الوظيفي ضرورة حيوية للعاملين، الأمر الذي يستوجب القيام ببناء رصيد قوي للمستقبل يشيع قدراً كبيراً من الأمان ويعزز الثقة في قوة المؤسسة وقدرتها على مواجهة مختلف التقلبات، وزرع البهجة في مواجهة الملل، ذلك أن البهجة ترفع إنتاجية العامل، وللبهجة شفرة خاصة لا تتحقق بمجرد زيادة الأجور والمرتبات أو منح الحوافز، ولا تتحقق لمجرد إذاعة أخبار سارة، بل لابد من صناعة الأخبار السعيدة والسارة لمختلف العاملين، وأخيراً فإن تعزيز النجاح ماديا ومعنويا هو الوسيلة الوحيدة لتأكيد مشاعر الانتماء لدى مختلف العاملين، والتضحية والتفاني لأجل العمل.
التجربة في تصوري رائعة وقادرة على إنقاذ عشرات الشركات والمؤسسات والمصانع وبشكل خاص تلك التي تخضع لنماذج الإدارة الرديئة المتخلفة مثل الإدارة بالأسرار، والإدارة بالكراهية والأنانية، والجشع وخلق الصراعات والفتن بدعوى أن الصراعات بين الأفراد تؤدي دائما إلى زيادة الإنتاجية، لأن كل موظف سيحاول بذل كل ما في طاقته للتفوق والتميز على زميله الآخر، تلك الإدارة التي تقيم حاجزاً منيعاً أمام العاملين والإدارة، لا أحد يعرف الآخر، العلاقة بينهما لا تتجاوز تنفيذ الأوامر والتعليمات، وليس مسموحا لأحد أن يناقش أو يعارض أو يستفسر، بل ليس لأحد أن يعرف قرارات مجلس الإدارة، كل شيء سري غير قابل للتداول، إن تجربة بنك الجزيرة هي تجربة مثيرة تستحق الإشادة بمديرها ومهندسها الأول مشاري المشاري الذي أعطانا دروسا في أساليب الإدارة الحديثة ومنها ذلك الأسلوب الإداري الذي يقوم على توفير ونشر المعلومات والأخبار والنتائج لمختلف العاملين لكي يشاركوا الإدارة بما تحقق أو سوف يتم تحقيقه من إنجازات يوماً بيوم، أحرى بنا أن نستخدمها كحالة دراسية في مناهجنا التدريبية والتعليمية لتكون منهاجا للقيادات الإدارية الحالية والقادمة بمختلف مؤسساتنا الاقتصادية في بلادنا الغالية، والله المستعان.
* متخصص في التخطيط الاستراتيجي.