من السمات الملازمة لانتاج بعض السلع والخدمات او لاستهلاكها ما يسمى بالاثار الخارجية والتي هي منتجات ثانوية تقريبا ليست مقصودة بعملية الانتاج او الاستهلاك لذاتها بل هي توجد نتيجة لانتاج او لاستهلاك السلعة الاصلية، وتقسم عادة الاثار الخارجية او هذه المنتجات الثانوية الى قسمين اثار سالبة واخرى موجبة، ومن الامثلة على الاثار الخارجية السالبة مصنع الاسمنت الموجود قريبا من الاحياء السكنية والذي ينتج اضافة الى منتجه الاصلي منتجا ثانويا هو التلوث الذي يؤثر سلبا على صحة وممتلكات المجاورين الامر الذي يجعلهم ينفقون مبالغ اضافية على العلاج وربما يكبد الحكومة نفقات باهظة للتعامل مع الحالات المرضية التي يسببها التلوث علاوة على ما يؤدي اليه من انخفاض اثمان وايجارات العقارات المجاورة.
والمدرسة التي توجد في وسط الحي وخصوصاً تلك التي تكون في مبان مستأجرة او في اماكن ليست مخصصة لان تكون مدارس ويترتب على وجودها اضرار بالمجاورين واقلاق لراحتهم وتدن لاسعار ممتلكاتهم تعتبر منشئة للاثار الخارجية السالبة والجسر الذي يقام في شارع ما ويؤدي الى خفض اسعار العقارات المجاورة او ايجاراتها يمكن ان يقال عنه نفس الشيء وكذا اي مشروع ينتج الى جانب المنتج الاصلي منتجا اخر له اضراره وآثاره السلبية على الاخرين ولا يقتصر الامر على الانتاج بل يمتد الى الاستهلاك ايضا فمن يدخن في مكان عام كالمطارات او المطاعم او المحلات التجارية لاشك انه يضر بالاخرين الذين لا يدخنون ويتعدى على حقوقهم في كونهم لا يرغبون في استهلاك هذا المنتج.
وسبب الاشكال هنا ان المنتجين او المستهلكين يقومون باستخدام مورد اقتصادي مملوك للجميع لصالحهم على وجه يضر بحقوق الاخرين في هذا المورد ويتعدى عليها بدون دفع المقابل لهم فمصنع الاسمنت الى جانب استخدامه للعمل ولرأس المال وللعديد من المواد الخام ومدخلات الانتاج والتي يدفع ثمنا لها مقابل استخدامها يستخدم ايضا الهواء النقي والذي هو ملك للجميع بدون ان يدفع المقابل.
ويستفيد اصحاب المدارس الاهلية والمباني المستأجرة كمدارس من هذا النشاط الاقتصادي ومن استغلالهم لحق المجاورين في السكن في منطقة هادئة بعيدة عن الازعاج والضوضاء بدون دفع مقابل لما يتسببون فيه من ازعاج وزحام وما يترتب على ذلك من انخفاض لاسعار العقارات وايجاراتها والصور والامثلة على مثل هذه الانشطة لا تكاد تنتهي وليست قاصرة على المشروعات او المؤسسات الخاصة بل تشمل ايضا المشروعات العامة كالجسور والانفاق والمدارس الحكومية وغير ذلك.
والقاسم المشترك بين هذه الامور جميعا هو استغلال مورد اقتصادي مملوك ملكية عامة من قبل البعض بطريقة تضر بالاخرين وباستفادتهم من هذا المورد بدون مقابل مادي ولاشك ان وجود مثل هذا الامر يستلزم التدخل ووضع حد لهذا النوع من الاستغلال وتعويض المتضررين والا فان عملية التنمية ستكون مشوهة لمصلحة فئة على حساب الاخر وستتأثر مستويات معيشة قطاع لا يستهان به من افراد المجتمع، وسيجد المجتمع نفسه ملزما بتحمل تكاليف اصلاح ما افسده الاستخدام العشوائي لموارده.
وعادة ما يقع المجتمع في مثل هذه الحالات في الحسابات الخاطئة عندما يحسب حجم الناتج الذي ينتجه ولا يحسب التكاليف الحقيقية لهذا الناتج فيصل الى نتيجة غير دقيقة مؤادها زيادة الناتج الكلي وتحسن مستوى المعيشة لافراده في حين لو حسبت التكاليف الحقيقية لوجدنا ان هذه الزيادة وهذا التحسن في الناتج ومستوى المعيشة اقل بكثير مما هو متصور.
ويكمن حل هذه المشكلة في وضع مجموعة من الانظمة والضوابط التي تساعد على احترام حقوق الاخرين وتمنع التعدي عليها وتكفل في نفس الوقت وجود القدر المناسب من المشروعات والانشطة الاقتصادية التي تتطلب طبيعتها وجود اثار خارجية سالبة على ان يدفع المستفيدون من المورد الاقتصادي المشاع مقابل ما يحدثونه من ضرر على بقية الملاك وهذه القضايا تستلزم وجود انظمة وتشريعات تحدد حدود ملكية كل طرف وكيفية استخدام الموارد الاقتصادية المشاعة فتحدد ملكية الهواء النقي وحق السكن في بيئة هادئة بعيدة عن الازعاج والضوضاء وتحدد ايضا ملكية الشواطىء النظيفة الخالية من التلوث والحديث عن الملكية وتحديدها لا ينصرف الى حصرها على اشخاص او مؤسسات بعينها بل المقصود وضع الضوابط والتشريعات التي تنص على ان ملكية هذه الموارد هي للمجتمع كله وعلى من يستخدمها كمدخل انتاجي او يستفيد منها على وجه يلحق الضرر بالاخرين او يعيق انتفاعهم بها ان يدفع الثمن بالقدر الذي يكفل تعويضا عادلا للمتضريين ولملاكها بشكل عام.