يحكى انه عندما قامت الثورة البلشفية عام 1917 وارسل مراسل احدى الصحف العثمانية خبرا عنها, قام الرقيب العثماني بدوره خير قيام, فشطب كل الكلمات من جنس ثورة وأمة وشعب وكفاح,, الخ, وفي النهاية ظهر الخبر في الصحيفة بهذه الصورة حدثت امس في روسيا خناقة كبيرة !.
اما علاقة صديقي الرجل النبيل بالرقيب العثماني فهي كالتالي: عاصرت عن كثب موقفا للرجل النبيل، وأردت ان اجعله مدخلا لمقالة، فلم يأذن لي الرجل النبيل بذكر اسمه، ولا كنيته، ولا الرمز اليه، بل واستغل معزته لدي وتقديري له ليفعل مثلما فعل الرقيب العثماني وهكذا ليس امامي الا ان اقول التالي: رأى الرجل النبيل شابا مصابا باضطراب نفسي مزمن، فعمل على ادخاله الى قسم الطب النفسي في مستشفى كبير, ووالي الشاب، وتابع حالته مع الاخصائيين، وعرف ان العلاج بالعمل مهم في حالة ذلك الشاب، فقام ببناء غرفتين صغيرتين في جزء من مزرعته لسكنى الشاب بعد خروجه، ليقوم ببعض الاعمال الصغيرة وأوكل به من يواليه بالادوية، ويرعى شئونه !
وليس هذا الا جانبا من جوانب نبله بيد اني لن أكتب عنه، وان وضعته عنوانا للمقالة، بل اكتب عن فئة مهمشة منسية هم المرضى النفسيون المزمنون واعني الفصاميين بالذات, والفصام اجاركم الله من أسوأ الاضطرابات النفسية ويقول الدكتور بريست عن حق: الفصام سرطان الامراض النفسية ذلك انه لا شفاء تاما منه، وان شخصية المريض وحالته تتدهور على مر السنين.
والطب النفسي ليس سحرا، ولا يصنع المعجزات، ولكنه بإذن الله قادر على التقليل من معاناة اولئك المصابين بالاضطرابات الذهانية المزمنة, ولكن المشكلة تكمن في ان يداً واحدة لا تصفق ! فاليد الاولى هي الطبيب النفسي وباقي الفريق العلاجي، اما اليد الثانية فهي المجتمع افراده ومؤسساته.
الادوية الجديدة المضادة للفصام غالية جدا، بعضها يكلف 10 ريالات للحبة الواحدة، بينما يحتاج المريض عادة حبتين او ثلاث يوميا، ولعدة سنوات.
من المهم جدا ان يكون هناك مركز يومي ويسمى احيانا مستشفى يومي يأتي اليه الذهانيون وغيرهم من المزمنين نهارا، وبحسب جدول معلوم، للعلاج بالعمل لاعادة تأهيلهم والنسبة العالمية لمرض الفصام 1% ولذا نحن بحاجة الى مراكز لا مركز واحد ولكن اول الغيث قطرة.
حسن، واذا تم تأهيل المصابين بالاضطرابات المزمنة ما هي الخطوة التالية؟ الخطوة التالية هي اعطاؤهم اعمالا يقومون بها وتناسب قدراتهم او يفعل القادر منا كما فعل الرجل النبيل، فالعمل ليس قيمة مادية فحسب ولكنه قيمة معنوية.
ومرة جاءني صديقي، قال ان اخاه المصاب بفصام مزمن، امضى في الولايات المتحدة سنتين، وتحسنت حالته كثيرا، وهناك، وبترتيب من المركز العلاجي، كان يذهب الى مطبخ فندق كبير ليغسل الصحون 4 ساعات كل يوم، ويتقاضي راتبا لقاء ذلك، وكان سعيدا ايما سعادة بذلك, وانه لم يجد ما يفعله عندما عاد الى هنا وانتكست حالته، فلماذا لا يتوفر هذا هنا؟ , قلت له: يا صاحبي اسمع، هناك مستشفى فيه عدد من المرضى لهم اكثر من عشر سنوات وهجرهم اهلهم، وخاطبت ادارة المستشفى مدير بلدية تلك المدينة ليقوم بتوظيف هؤلاء المرضى للعناية بحديقة المستشفى ونظافتها بدلا من اولئك الذين يأتون كل يوم من خارجه, فرد عليهم ما قدرنا على العقال تبغونا نوظف مجانين !
المشكلة ان الناس يتجنبون الفصاميين وكأنهم جمال جرب، ويخشون منهم, مع انهم مسالمون للغاية, والمرضى النفسيون وخصوصا الفصاميين المزمنين اقل الناس ارتكابا للجرائم، وهذا ما تؤكده الاحصائيات,واعود واقول مع صاحبي: فعلا لماذا لا يتوفر هذا هنا؟ ولماذا لا يقوم القادرون بما قام به الرجل النبيل؟.
FAHADS*SUHUF.NET.SA