Tuesday 28th December, 1999 G No. 9952جريدة الجزيرة الثلاثاء 20 ,رمضان 1420 العدد 9952


نحن والقرن العشرون,.
عبدالعزيز بن صالح بن سلمة

تتردد عبارة القرن العشرين في وسائل إعلامنا وتتواجد بكثافة في المقالات التي يدبجها العديد من مثقفينا وكتابنا، وقلما تغيب في المقابلات مع أكاديميين واقتصاديين ومتخصصين,, تتردد هذه العبارة ولازمتها: الألفية الثالثة التي ستبدأ بعد عام من الآن، كما لو أن هذا المجتمع قبل على نحو لا مبال بتهميش تاريخه، أو كما لو أنه لا يرى غضاضة في استبدل تاريخه الهجري بكل ما يحمله من رموز وسمات هوية، بتاريخ الطرف المهيمن في العالم, ومع أنه لا مجال هنا للمبالغة بالقول بأن هذا الترديد لهاتين العبارتين في وسائل إعلامنا المحلية وفي أحاديث المجالس يتم بوعي وإدراك لمضامين هاتين العبارتين، إلا أن المرأ لا يستطيع التخلي عن الشعور بحالة شبه عامة من الغفلة والانسياق العفوي إلى إحلال رموز تاريخية ترتبط بثقافة وهوية مجتمعات تمثل في مجملها الجزء المهيمن على العالم لكونها الأقوى سياسيا وعسكريا وافتصاديا واعلاميا محل واحد من أبرز رموز هويتنا، وتشكل في الوقت نفسه إقرارا لا مقصودا وقبولاً بتهميش حضاري في مواجهة الطرف الأقوى، رغم أن هذا الطرف الأقوى لم يجبرنا، مثلما أنه لم يجبر عددا من المجتمعات الأخرى التي جعلت من هاتين العبارتين جزءاً من خطابها في هذه المرحلة من التاريخ، على تغليب تاريخه على تواريخها,ونقول تواريخها لأن تواريخ حضارات عالمية أخرى لا تبدأ بتاريخ ميلاد السيد المسيح عليه السلام، فللصينيين تاريخهم، وللروس وهم أورثوذوكس تاريخهم، ولليهود تاريخهم، وللمسلمين تاريخهم,,.
منذ ما يزيد على عقد من الزمن كثر ترديد عبارتي الغلاسنوست والبرسترويكا في وسائل الإعلام، على أثر التغييرات السياسية والاقتصادية التي احدثها ميخائيل جورباتشوف في دولةالاتحاد السوفييتي السابق، وكان استخدام تلك العبارتين من قبل الكتاب والمثقفين,, أمراً مقبولاً، لكونهما كانا يرتبطان بإطار جغرافي محدود في العالم ولم يكونا يحملان صفة قابلة للتعميم على بقية مناطق العالم الأخرى, أما اليوم فنجد أن استخدام عبارتي القرن العشرين والألفية الثالثة لا يتم التطرق إليهما عرضا، بل أصبحتا تشكلان القاعدة في التحدث عن هذه المرحلة من التاريخ، وتجاوز استخدامهما النخبة ليشمل فئات المجتمع ويمس الطفل الصغير,قد يكون لوسائل الاعلام الغربية وبعض وسائل الإعلام العربية دور في تضخيم هذه المرحلة التاريخية التي تعتبر ظاهرة شديدة البروز في حد ذاتها، وقد يكون لما يسمى بمشكلة نهاية القرن المتعلقة بالتخوف من حدوث مشكلات في الحاسبات الآلية 2yk طرف في تركيز الوعي بهذا التاريخ الرمز، وقد يكون للكنيسة الكاثوليكية وللمؤسسات التجارية المنتفعة من هذه المرحلة المناسبة يد في بروز هذا التاريخ الرمز وطغيانه على أذهان البشر في كافة أرجاء المعمورة، ولكن هل يبرر ذلك كله جعل هذا التاريخ الرمز مرجعية في خطاب المثقفين ووسائل الإعلام؟.
لم يكن كاتب هذه المقالة ليعير هذا السؤال الأهمية التي يستحقها لولا ذهوله تجاه ردود أفعال بدرت في بعض المحافل الدولية من شخصيات لها وزنها في مجالي السياسة والثقافة هزت بقوة ما كان الجميع تقريبا يعتبره في حكم المسلم به, ويكتفي بمناسبتين شهدهما بنفسه: النموذج الأول أثناء اجتماع الاشراكية الدولية في فرنسا في الشهر الميلادي الماضي، شخصية فرنسية اشتراكية بارزة تصف نهاية هذا القرن وبداية القرن الميلادي الجديد بالفاصل التاريخي الوهمي الذي يجب أن يحذر الغرب من فرضه على العالم,, والنموذج الثاني سياسي سنغالي مسلم، اسمه ايبادير تيام، شغل منصب وزير التعليم في بلاده قرابة عشر سنوات في عهد الوزير السابق ليوبولد سنغور يدهش مستمعيه أثناء ترؤسه لاجتماع يخص القارة الافريقية في إحدى المنظمات الدولية بقوله: ,,, أنا من منطقة من العالم معظم سكانها مسلمون ولا يجب أن يعتقد أن بداية القرن الميلادي القادم ستشكل بالنسبة لنا بداية التاريخ أو أنها ستحدث تغييراً جذرياً في أحوالنا نحن ابناء أفريقيا، فرض هذا التاريخ بما يحمله مضامين وبهذا الشكل التعسفي يدل على أن الغرب لم يستفد من أخطائه وأنه لا يحترم التعددية الثقافية، لنحترم هويات الآخرين ونكف عن فرض نمط ذهني جديدعلى أفريقيا، هذه هي القارة الغارقة في المشاكل,,, .
هذه بايجاز دعوة للتفكير ومراجعة الذات، لكي لا نكون أمة خارج التاريخ، تستورد وتستهلك المفاهيم وأنماط التفكير مثلما تستورد وتستهلك الغذاء والدواء والملبس، ولا يجب أن ينظر إليها على أنها تحميل للأمور بأكثر مما تحتمل.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved