التربية الإسلامية هي المذكرة التفسيرية لسلوكنا د, علي بن محمد التويجري |
التربية الإسلامية من حيث هي مخ حضارتنا، هي المذكرة التفسيرية، لسلوكنا، في الشارع والحقل، في المؤسسة والإدارة، في المحكمة والحكومة.
إنها هي التي تفسر تاريخنا من الخلافات العظمى التي عشناها زمناً.
هذه التربية ماذا صنعت؟ ترى هل كان في الأمر معجزة حقا؟ أم إن وراءها منهج؟ وإذا كان ثمة منهج ! فهل يحتاج كشفه وتطبيقه إلى جهود كجهود اختراع الذرة، مما لا قبل لنا به؟ ألا نستطيع التعرف على التربية التي أقامت الأندلس؟ وتلك التي هشمتها فأسقطتها كأن لم تغن بالأمس؟
أنعجز حقاً عن معرفة المناهج ونوع المعلمين الذين كانوا في زمان نجاح الحملة الصليبية علينا ثم ما كان من أمر التربية التي تم بها الاسترداد؟
أمن المستحيل أن نتعرف على ملامح التربية في زمن قطز وصلاح الدين ؟
هي يتعذر علينا التعرف على مؤسسات التربية والتعليم حين تأسست الدولة العثمانية، ثم ما آل إليه أمرها، حين بدأت رحلة السقوط وخيبة الرجل المريض؟
ألا يمكن لاساتذتنا والباحثين أن يضعوا مشروعاً لكتابة التربية الإسلامية متوخين في كتابته المقارنة بين التربية في زمن الانتصار، والتربية في أزمان السقوط؟
المهم في تربيتنا أنها معادية للوثنية: وأعلم أن هذه احدى البدهيات التي يسلم بها عندنا طالب في المرحلة الابتدائية!
فاللات والعزى و,,مناة ,, الثالثة الأخرى، أوثان معروفة ومشهورة تاريخيا,, ومع ذلك فإن الوثنية قضية متجددة، جوهرية، غاية في الدقة، هائلة النتائج في التطبيق.
إن الخطر الحديث يبدأ على العقل والروح الإنساني من الوثنيات العصرية .
الوثنيات العصرية تتكاثر، وثمة أجيال جديدة منها تتقوى وتزداد خصوبة، وكثيراً ما تستعصي على المضادات الحيوية، فهي تكتسب أنواعاً من المناعة العصرية، ولها مداخل ومخارج جديدة، وتستفيد من كل البراقع التقنية الجذابة، ومن كل ما جددته العقول الدواهي من أزياء التنكر الفكرية,,!
ولذا حشدت تربيتنا حشودها في اتجاه القلب والعقل البشري,, فماذا صنعت هناك؟؟
لقد تجولت داخلهما والتقطت صوراً دقيقة، مجسمة، لكافة الأوثان الداخلية، وحددت مواقع الآلهة المزيفة، ثم نزعت هذه الأوثان والآلهة المزيفة عن عروشها انتزاعاً.
ثم أحلت محل كل ذلك فيهما، عبادة واحدة بسيطة التناول، دقيقة المغزى، شرطها الصدق والاخلاص، لله رب العالمين.
لقد أدركت تلك التربية بعمق، أن أخطر الأوثان، هي تلك التي تعشعش في قلوبنا، وتسخر عقولنا آناء اليل وأطراف النهار لتبرير هذه العبودية، إنه الخطر العظيم يبدأ من هنا,,!
يبدأ من القلب ثم يفيض طوفاناً ليصنع بدنيانا ما نراه اليوم من شقاء حقيقي بها,,وما صراعات الجبابرة وشراهة العمالقة إلا نسخ عصرية من الوثنيات القديمة، انطلقت أساساً من مفهوم أوثان الذات، يتسع معناها، حتى لقد تشمل أحياناً، أمة بأسرها ترى نفسها أحق بالحياة الكريمة، من كل الأمم الأخرى، ومن ثم يبدأ الصراع مسخراً كل القوى العلمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية طمعاً في لقمة أكبر من قصعة المستضعفين الدولية, أو لانتزاع قطيفة أبهى، أو جموحا بخيلاء علمية عجزت في الحقيقة أن تدبر لنا حياة طيبة على هذه الأرض.
إذا مكنا لهذه التربية الإسلامية، فأرست معنى نقيا لحياتنا,, فجعلتها تبدأ بسم الله، وعنده تنتهي، وإذا أيقظنا وعيا يقاوم نزعة الكم الوعظي الذي يرهق القلوب!!
فأثبت عندك أن هذا هو الهدف من التربية الإسلامية، وهو وسيلتها العظمى للتغيير,,!
ترى هل يمكن أن يأخذ الانسان كما ينبغي أن يكون حرا، عظيماً تقيا حجمه الحقيقي في الحياة إذا استهوتنا عبادة العجل الذهبي:؟؟ أو إذا أغوانا تحكم الجاه؟
أو إذا استسلمنا لمباهاة السبق العلمي ، وإذا ما هبطت بنا نوازع الجنس فلبينا عند كل اشارة؟
إن العبودية لأمر من هذه الأمور، أولها جميعا,, يشكل ضغوطاً، تغير حجم الانسان، وتحجم حريته وتقيده، وتجعل سمعه وبصره وفؤاده، مسحورة في طواف لا نهائي، حول هذا الوثن أو ذاك.
وبالعكس فإن العبودية لله تعني الانعتاق والتحرر، وبمنهج هذه التربية ننزل في تصرفاتنا، وفوراً في أنفسنا وفيما نملك من قوى الجاه والمال والعلم، بل والهوى على سعة نفوذه وسلطانه، على مقتضى المبادىء التي أرستها هذه التربية.
ننفذها فيما نحب، وننفذ حكمها ولو كرهنا، لا نجد حرجا في ذلك ونسلم تسليما وسل نفسك: ما الذي يدفعنا لانصاف من نكره؟ وتنفيذ ما نكره؟ ماذا نفعل حين تختفي المحكمة ورجال الشرطة؟ الاجابة تجدها عند أفكارنا الداخلية!
لماذا تسعى لرفع ظلم عن انسان في حين انك أقوى منه أو اذلق لسانا واسرع بديهة؟ لماذا نرد مالا اكتسبناه من عرق أجير لا يتمكن من مقاضاة؟
حقا من الذي يرسم حدودنا مع الآخرين حين يختفي رجل الشرطة داخل المنطقة المعتمة التي لا يصل إليها القانون أو تلك التي يضحمل عندها حكمه؟
إن تصرفاتنا على حدود الآخرين هي التي تفسر حقيقة تصديقنا للعقيدة: ألا تقول الآية الذين إن مكناهم في الأرض، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
أليس التمكين هنا: محكا وكشفاً واختباراً لما نفعله حين نمتلك السلطة اي سلطة!؟؟
أنت تسمع الكثير منا يقول : لو ملكت مال قارون لتصدقت بكذا وكذا,,لو ملكت سلطة فرعون لعدلت، ولمنعت,, وأعطيت,, وعاملت,,! لوأصبحت في علم سليمان لتفرغت لهداية البشرية.
ولكن من هؤلاء تراه يصدق حقاً إذا واتته الفرصة,, أو إذا ما أمسك بالزمام؟؟ وأنظر في ذلك لتجربتك وتجربة من حولك، تدرك مدى ما أنجزناه من تربية حقيقية جعلتنا نتصرف فيما تحت أيدينا وفق مبادئنا المعلنة ,,!!
ومن هنا جاءت الاشارة والاشادة: بالذين إن مكناهم في الأرض,,أقاموا!
التمكين يعني امتلاك السلطة، وأي سلطة في أي موقع: تمكين ولذلك لم يقصر الإسلام تسمية الراعي والرعية على المفهوم السياسي: اي الراعي حاكماً ,, وإن جل أثره يزع بالسلطة ما لا يزع بالقرآن.
ولكنه أسبلها على كل من يمتكل سلطة التحكم والتوجيه فقال كلكم راع,, وكلكم مسؤول عن رعيته.
فأطلق بذلك شحنات التربية باستراتيجية فريدة من كل المواقع في نفس الوقت لا تعتذر حلقة من حلقاتها بأن تلك مسألة تخص فريقا دون فريق,, أو لها زمن دون آخر، وهذا في الحقيقة حصار جماعي واع للشرور، لا يمكن للأجهزة وحدها في أمة أن تقوم به، هذا إن صلحت طبعا,,!
وإذا كان التمكين يعطي فرصة اجتياز حدود الآخرين، فإن تربيتنا تهتم أن تكون قبلية فهي لا ترضى أن تكون في موقع رد الفعل.
إنها لا تنتظر حتى يتم اختراق الحدود فعلاً وتقع الثغرة أو الثغرات أو حينما تشتبك الإرادات البشرية في معارك طاحنة ثم نأتي لنفكر في معضلات فك الاشتباك ومسلسل العدوان المتبادل.
وتربية هذا شأنها لا يمكن الاستهانة بآثارها العقلية في مستبقبل الأمة,, فالذي يضع خطط الوقاية ليمنع اندلاع النار في بيت صغير، من المؤكد ألا يترك الفرصة للرياح لكي تجتاح النار مدينة بأسرها.
والله الهادي إلى سواء السبيل,,.
|
|
|