Tuesday 28th December, 1999 G No. 9952جريدة الجزيرة الثلاثاء 20 ,رمضان 1420 العدد 9952


تطلعات حول الاستراتيجية النفطية
د, مفرج بن سعد الحقباني*

يعيش الاقتصاد السعودي في هذه الأيام مرحلة من إعادة البناء من أجل رفع كفاءة الأداء وفاعلية المواجهة للمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية, ولعل إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى يمثل الخطوة الرئيسة في هذا المجال كمحاولة لتلافي سلبيات المرحلة السابقة التي أعقبت الطفرة الاقتصادية وما صاحبها من أخطاء استراتيجية ملحوظة, ونظراً للمكانة العالمية التي تحتلها المملكة العربية السعودية في مجال إنتاج وتسويق النفط نتيجة للموارد النفطية الهائلة ونظراً لأهمية القطاع النفطي في المسيرة التنموية الشاملة للمملكة العربية السعودية، فقد كان القطاع النفطي محل الاهتمام منذ انطلاق مرحلة إعادة البناء حيث شكلت لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي وزير الخارجية وعضوية اصحاب المعالي الوزراء ذوي العلاقة بهدف رسم استراتيجية شاملة للقطاع النفطي تكفل لهذا القطاع الاستمرار الفاعل في دعم التنمية الوطنية, وتشير الأنباء إلى اكتمال هذه الاستراتيجية حيث لم يتبق سوى الإقرار النهائي لتشكل بعد ذلك الإطار العام للعمل في هذا القطاع الهام, وإذا كانت هذه الأنباء لم تتناول المكونات الرئيسة لهذه الاستراتيجية، فإن المواطن السعودي بشكل عام والمهتم بشؤون النفط والتنمية بشكل خاص يتطلع إلى استراتيجية نفطية تأخذ في الاعتبار النقاط التالية:
1 نظرا للأهمية القصوى التي يلعبها النفط في التشكيل والتأثير على معدلات النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء، ونتيجة لارتباط معظم المتغيرات الاقتصادية وتأثرها بالتحركات والتقلبات التي تتعرض لها اسواق النفط العالمية, ونتيجة للتجربة المريرة التي عاشتها الدول المستهلكة للنفط وفي مقدمتها الدول الصناعية الكبرى خلال فترة السبعينيات وعجزها عن ايجاد البديل الكامل أو شبه الكامل للنفط كمصدر رئيس وربما وحيد للطاقة، فقد تحول النفط من سلعة اقتصادية إلى سلعة اقتصادية ذات طابع سياسي ملحوظ, ولعل استخدام النفط كسلاح سياسي ابان الحرب العربية الإسرائيلية قد لفت الانتباه العالمي إلى ضرورة العمل من اجل إضعاف سيطرة الدول المنتجة للنفط على هذه السلعة الاقتصادية الهامة, وبالتالي فإن المهتم بشؤون النفط يتمنى أن تكون الاستراتيجية النفطية قد أخذت في الاعتبار هذا الجانب ولم تخضع النفط للاعتبارات الاقتصادية المجردة, وإجمالاً أعتقد أن أي استراتيجية نفطية لاتعطي للجانب السياسي الدور الأهم في صناعة وصياغة القرار النفطي ستفتقد لمقوم هام من مقومات النجاح أو ربما ستكون عالم هدم سياسي واقتصادي خطير.
2 يتطلع المواطن المهتم بالشؤون النفطية إلى أن تكون الاستراتيجية النفطية قد أدركت عدم قدرة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على تحقيق أهدافها الرئيسة نتيجة لافتقادها لمقومات السيطرة التي مكنتها في السابق من تحقيق التأثير المباشر والقوي على الاسواق النفطية , وبالتالي فإن الاستراتيجية النفطية لا بد وان تكون قد رسمت الإطار العام وحددت المسارات الرئيسة للتحركات الدولية التي تستهدف التنسيق بين السياسات النفطية للدول ذات النفوذ المؤثر على المتغيرات الرئيسة في اسواق البترول العالمية بغض النظر عن عضوية هذه الدول في المنظمة من عدمها, وهنا لابد وان نبارك لأنفسنا النجاحات الكبيرة التي تحققت في مجال التنسيق الدولي نتيجة للجهود المؤثرة التي بذلتها المملكة العربية السعودية من أجل إعادة الاستقرار لأسواق النفط العالمية ورفع معاناة الدول المنتجة للنفط التي عانت كثيرا من انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في التاريخ إذا تم تعديل هذه الاسعار وفقا لمعدلات التضخم العالمية.
3 يتطلع المواطن السعودي ايضا إلى أن تكون الاستراتيجية النفطية قد حرصت على تخفيف اعتماد الاقتصاد السعودي على تصدير النفط الخام من خلال إقرار السياسات اللازمة التي تكفل مساندة ومساعدة الصناعات الوطنية التي تعتمد على النفط الخام في عملياتها الإنتاجية.
وأعتقد أننا نحتاج في هذا الوقت بذات إلى هذا النوع من السياسات حتى نستطيع تخفيف حدة تأثر الاقتصاد السعودي بالتقلبات العالمية التي تتعرض لها اسعار النفط الخام وحتى نستطيع مقاومة الحرب الاقتصادية التي يتعرض لها النفط الخام تحت غطاء المحافظة على البيئة العالمية, كما أن هذا النوع من السياسات سيمكن اقتصادنا الوطني من تحقيق الاستغلال الامثل للموارد الاقتصادية من خلال تشجيع الصناعات الوطنية التي تعتمد على النفط الخام وتتمتع بميزة نسبية محلية وعالمية خاصة في ظل التنظيم التجاري العالمي الذي تقوده منظمة التجارة العالمية.
4 يتطلع المهتم بالشؤون النفطية إلى أن تكون الاستراتيجية النفطية قد وضعت الإطار العام للاستثمار في القطاع النفطي خاصة ما يتعلق بطبيعة التعاقدات مع الشركات النفطية العالمية وبدور القطاع الخاص السعودي في هذا المجال, نتطلع إلى أن يكون هذا الإطار العام قد اشتمل على معايير عامة لنقل التكنولوجياوالخبرة الدولية ولمضاعفة دور الأيدي العاملة السعودية في مجال الاستثمارات النفطية ولخطة طويلة الأجل تكفل المقدرة الفنية والمالية الازمة لتحقيق التوسع اللازم في الاستثمارات النفطية, وفي هذا الخصوص نشير إلى أن الأسواق النفطية العالمية قد شهدت في الآونة الأخيرة العديد من حالات الاندماج بين الشركات النفطية العالمية مما سيقلل من البدائل المتاحة أمام المفاوض السعودي ويضاعف من القوة التفاوضية لهذه الشركات والذي سيمكنها من فرض شروطها الجوهرية بغض النظر عن مصلحة الاقتصاد المحلي مستفيدة من عدم قدرتنا في الوقت الحاضر على تحقيق التوسع الاستثماري دون تمويل فني ومالي من هذه الشركات العملاقة, وبالتالي فإننا مطالبون بتشجيع القطاع الخاص السعودي على الدخول في مجال الاستثمارات النفطية حتى نستطيع ان نخفف من حدة الحاجة إلى الغير وحتى نوجد البديل القادر على تنفيذ سياساتنا الاستثمارية النفطية على الاقل في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية، باختصار نحتاج إلى سياسة تعالج واقع الاستثمار النفطي في الأجل القصير وأخرى تضع الإطار العام للقطاع النفطي في الأجل الطويل وتعطي عناصر الإنتاج السعودية الدور الأهم في تنفيذ السياسات الاستثمارية.
5 نتيجة للمكانة الهامة التي يلعبها النفط في تشكيل الصورة النهائية للتنمية الاقتصادية الوطنية، ونتيجة للدور الكبير والمكانة العالية التي تحظى بها المملكة العربية السعودية على المستوى العالمي، فإن المهتم بالشؤون الاقتصادية يتطلع إلى أن تكون الاستراتيجية النفطية قد تضمنت التوصيةبإنشاء مركز وطني للمعلومات النفطية تحت مظلة وزارة البترول ويهتم بمتابعة وتحليل المتغيرات الاقتصادية بشكل عام والنفطية بشكل خاص على المستويين المحلي والدولي.
نتطلع إلى هذا المركز الوطني ليكون مصدرا رسميا للمعلومات والبيانات النفطيةومسانداً حقيقياً لصاحب القرار في القطاعات الاقتصادية المختلفة, نتطلع إلى هذا المركز حتى يستطيع الباحث السعودي الحصول على المعلومة الدقيقة والحديثة التي تساعده على تقديم المساندة الفكرية لصاحب القرار السياسي والاستثماري, أعتقد ان النفط الذي قدم لنا الكثير يستحق منا الكثير ولا اقل من أن نخصص مركزاً للبحوث والمعلومات النفطية يستفيد منه المهتمون في القطاعين العام الخاص ويساهم في إرشاد المستثمرين في القطاعات الاقتصادية المختلفة ويساند صاحب القرار في وزارة البترول وغيرها من الجهات المهتمة بالمعلومات النفطية.
6 يتطلع المواطن السعودي إلى أن تكون الاستراتيجية النفطية قد صورت الإطار العام للصادرات والتعاملات الدولية في مجال تجارة النفط وبشكل خاص يتطلع المهتم بالشؤون النفطية إلى أن تكون الدول النامية المستهلكة للنفط قد حظيت باهتمام خاص حيث تشير التقديرات إلى تنامي الطلب على النفط من قبل هذه المجموعة الدولية, كما ان القوة التفاوضية للمملكة العربية السعودية ستكون في صورة أفضل عند التعامل مع هذه الدول بالمقارنة مع الدول ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي القوي كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية واليابان وغيرها وهذا بطبيعة الحال لايعني إهمال الدول المؤثرة اقتصادياً وسياسياً لكوننا نؤمن بأن النفط لم يعد سلعة اقتصادية صرفة.
وأخيراً نتمنى ونتطلع إلى الاستراتيجية النفطية حتى نتعرف على مستقبل دور هذه السلعة في مسيرتنا التنموية متمنين أن نكون قد نجحنا في وضع اللبنة الأولى على طريق التخلص من عقدة الاعتماد المباشر على النفط الخام وما يترتب على ذلك من سلبيات عدة.
*أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved