Tuesday 28th December, 1999 G No. 9952جريدة الجزيرة الثلاثاء 20 ,رمضان 1420 العدد 9952


وجهة نظر
هل ستنطفىء الأنوار في عام 2000م
صالح محمد التركي *

لقد كثر الحديث في الشهور الأخيرة عن مشكلة الكمبيوتر في العام 2000, و يرجع سبب المشكلة التي ستكلف الحكومات ومؤسسات الأعمال في مختلف أنحاء العالم مئات البلايين من الدولارات إلى خطأ وقصر نظر مهندسي ومصممي أنظمة الحاسب الآلي قبل 40 سنة الذين اهتموا في تصميم برامجهم التشغيلية والتطبيقية بتغيير الخانتين الأوليين الخاصتين بالسنوات الأحادية والعشرية فقط في حقل التاريخ في تلك الأنظمة, وهذا بدوره أدى الى هذه الزوبعة والضجة الكبيرة التي نسمع ونقرأ عنها حالياً في وسائط الاتصالات الحديثة من صحافة وتلفاز وانترنت.
وبالرغم من هذه الضجة والنقاشات المتضاربة والندوات والمؤتمرات التي عقدت لإيجاد حلول لهذه المشكلة فإنه لا يزال هناك عدم وضوح في تقدير وتأكيد حجم الاضرار التي ستحل بكثير من المؤسسات والافراد حول العالم, وبالرغم من الجهود التي بذلتها كثير من الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية حول العالم لمعالجة ورفع الوعي الفردي والمؤسساتي فيما يتعلق بمشكلة العام 2000 فإنه لا يزال هناك عدد كبير من المؤسسات التي لم تأخذ هذا الموضوع مأخذ الجد ولم تفحص أنظمتها التشغيلية والتطبيقية للتعرف على مدى تأثر أعمالها بهذه المشكلة في حالة وقوعها وهذا يدل على نقص كبير في الوعي الإداري والتقني الذي يستفحل في فكر واسلوب إدارة الأعمال لدى بعض ملاك ومديري هذه المؤسسات.
ومما يزيد المشكلة تعقيداً ترابط أو اعتماد بعض الشركات بعضها على بعض فمثلاً شركات الخدمات العامة كالاتصالات والكهرباء والماء التي توظف أنظمة معلومات وتحكم كبيرة ومعقدة جداً في أعمالها سيؤدي فشل أنظمتها بالاضرار بمؤسسات الأعمال التي تعتمد في أعمالها على خدمات هذه الشركات, وهذا يعني أنه لا يكفي أن تكون أنظمة المؤسسة متوافقة مع العام 2000 بل يجب عليها التأكد من صلاحية أنظمة مورديها وأنظمة شركات الخدمات العامة, وهناك مؤسسات كثيرة تعتقد أن أنظمتها متوافقة مع العام 2000 ولكن بعد قيام متخصصين مستقلين (من خارج الشركات الموردة أو المستفيدة) بفحص أنظمة هذه المؤسسات فإن أنظمتها فشلت, وأحد الاسباب الرئيسية لهذا الفشل هو تنوع وعدم توافق الأنظمة المستخدمة في هذه المؤسسات بعضها مع بعض لأن هذه الأنظمة تم شراؤها وتركيبها من موردين مختلفين.
من وجهة نظر أخرى ليست الأهمية فيما يتعلق بالعام 2000 تكمن في توافق برامج المؤسسات المختلفة مع العام 2000 في حد ذاته إنما تكمن في مدى قدرة هذه المؤسسات على مواجهة هذه المشكلة في حالة وقوعها وهل هي مؤسسات قادرة على القيام بالأعمال والخدمات المطلوبة منها وبنفس المستوى المتوقع منها, فعلى سبيل المثال لا الحصر أحد أكبر البنوك التجارية في جنوب أفريقيا ابرم عقداً مع شركة سيسكو Cisco أحد أكبر الشركات المتخصصة في أنظمة الحاسب الآلي في العالم للإشراف على عملية دخول البنك وأنظمته الحاسوبية القرن القادم وذلك كاجراء وقائي وعلاجي في حالة وقوع اي عطل في أنظمة البنك.
وللمؤسسات والشركات التي تقدم خدمات الحاسب الالي دور كبير في تثقيف ومساعدة مؤسسات الأعمال وفي تقليل المخاطر المتعلقة بمشكلة العام 2000 إذا قامت بالنصيحة والاخلاص في أعمالها وذلك بعدم بيع أنظمة وبرامج وأجهزة غير متوافقة مع العام 2000 إلى المؤسسات والأفراد.
وإذا تحدثنا عن مؤسسات وشركات أعمال منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص فكم من مؤسسة تستطيع أن تعلن بشكل صريح ودقيق أن أجهزتها الحاسوبية وأنظمتها التي تدير بها أعمالها متوافقة مع العام 2000؟ اننا لن نجد عدداً يزيد عما يعادل واحداً بالمائة من المؤسسات والشركات في هذه المنطقة تستطيع أن تعلنها صراحة بتوافق انظمتها الحاسوبية مع العام 2000 ومعظم هذه الشركات في قطاع البترول والبنوك لتوفر السيولة النقدية لدى هذه المؤسسات الكبيرة, ولكن ماذا عن ال 99% الأخرى من المؤسسات التي ترتبط باشكال مختلفة باستقرار حياة الافراد والمجتمعات في هذه المنطقة.
وحتى المؤسسات الكبيرة التي ستعلن عن توافق برامجها مع مشكلة العام 2000 لا تستطيع تأكيد مائة في المائة أن كل أنظمتها وبرامجها مضمونة ضد هذه المشكلة لذا يجب على هذه المؤسسات أن تضع خططا لمواجهة أي عطل أو كارثة قد تقع وهذا ما يسمى في عالم الإدارة بإدارة الأزمات والمخاطر (Crises and Risk * Management), ويؤكد كثير من المتخصصين في تقنية المعلومات بأن على مؤسسات الأعمال وضع خطط وقائية لتوفيق أنظمتها مع عام 2000 وخطط علاجية وطوارىء في حالة وقوع عطل في أنظمتها وذلك بعمل نسخ احتياطية من البيانات والمعلومات التي لديها للتقليل من تكاليف إعادة تشغيل أنظمتها في حالة وقوع المحظور.
وفي حالة مؤسسات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط فإن هناك اعتماداً كبير على البيانات والضمانات التي تصدرها الشركات التي تقدم خدمات الحاسب الآلي بأن البرامج والأجهزة التي تبيعها متوافقة مع العام 2000 وبالتالي فإن كثيرا من مؤسسات الأعمال في المنطقة تكتفي بضمان شركات الحاسب الآلي ولا تقوم بفحص مدى توافق أنظمتها مع العام 2000 وهنا يكمن بيت القصيد، فالأجدر هو عدم الاكتفاء بتصريحات الشركات الموردة لأنظمة الحاسب الآلي لعدة أسباب رئيسية منها:
* ان مصير المؤسسة أو الشركة إذا كانت ممن أدخل الحاسب في معظم أعمالها سيتأثر كثيراً بمدى توافق أنظمتها مع العام 2000 عملياً و ليس خطابياً.
* ان كثيراً من شركات الحاسب الآلي في المنطقة تريد أن تبيع الأنظمة والأجهزة التي في مخازنها بأسرع ما يمكن قبل دخول العام 2000 ولسان حالهم كمن يقول لكل مقام مقال ولكل حدث حديث ,
* ان شركات الحاسب الآلي في المنطقة ستحصل على عقود كبيرة مع دخول العام 2000 لتوريد أجهزة وأنظمة جديدة للشركات التي لم تتوافق مع العام 2000.
لذا يجب على مؤسسات الأعمال والأفراد في منطقة الشرق الأوسط بعدم الاكتفاء بتصريحات شركات الحاسب الآلي بل يجب عليهم طلب إجابات محددة ودقيقة عن الأنظمة والأجهزة الموردة من هذه الشركات وأخذ تعهدات مكتوبة منها وموثقة من الجهات الرسمية بأنه في حالة تعطل الأنظمة الموردة من شركات الحاسب الآلي فإن هذه الشركات ستدفع تكاليف التعطيل والخسائر المترتبة, وما زال الوقت في صالح مؤسسات الأعمال الصغيرة لاختبار أجهزتها وأنظمتها قبل فوات الفوت حين لن ينفع الصوت أما المؤسسات الكبيرة التي لم تتحرك لحماية نفسها حتى الآن فأعتقد أن الكرة سقطت من يدها والله يكون في عونهم وعون عملائهم,وأدعو الله العلي القدير أن يحفظ علينا أمن وأمان المعلومات وأن يسدد مؤسساتنا لتوفيق انظمتها مع العام 2000 وألا تزداد تخلفاً تقنياً وألا تصبح منطقتنا مقبرة للأنظمة المتخلفة من الدول المصدرة لتقنية المعلومات, وأرجو أن تكون مشكلة العام 2000 درساً نستفيد منه افراداً ومؤسسات وحكومات لنعتمد على أنفسنا في بناء أنظمة تقنية المعلومات الضرورية لمجتمعاتنا في القرن القادم.
* جامعة لستر بريطانيا
sma9*le.ac.uk

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved