عندما يرثي الدكتور غازي القصيبي شاعر العربية الكبير عمر ابا ريشة الذي مات وهو يخاطب امته: أمتي هل لك بين الامم منبر للسيف او للقلم.
عندما يرثيه برائعة من روائعه يستهلها بما يتضمن رفع قيمة الشعر وابراز قيمة هذا الشاعر وذلك لان الشعر لا يموت بموت قائله حيث يقول:
الشعر لا الموت في اقدارنا القدر تبقى القوافي وتبقى انت يا عمر أظن طيفك لما جاء وابتدرت له القوافي ولّى وهو يعتذر للموت ما جمع الفانون من نشب وليس للموت هذاالرائع الوتر |
كان هذا قبل اكثر من عقد من الزمن حيث توفي ابو ريشة رحمه الله عام 89م في الرياض بعد مرض ألم به، بعد هذا اقول ما هي الطقوس التي صاحبت انتاج هذه المرثية للدكتور غازي؟
وهل تزامت مع لطم الخدود وشق الجيوب كما يتواتر في ثقافتنا الشعبية حيث صار دارجا ان يقول الشاعر: انه ضرب بالعقال والشماغ ارضا ونفش شعره و,,, و,,, حتى رأت النور هذه القصيدة او تلك!!
جاء الجواب من الشاعر الدكتور غازي عبر الفضائية الكويتية قبل ايام حيث كان هناك تكريم له بعد موقفه في ازمة الكويت، فماذا قال:
انه وببساطة وحينما يكون اثناء كتابة قصيدة ما فانه لا يكاد يختلف عن حالته الطبيعية الا ما قد يطرأ عليه من قلة الاهتمام بما حوله وعدم الانتباه وقد ذكر في مقابلته ان احد ابنائه كان قد طلب منه ان يخبره عندما يكون في حالة ولادة شعرية لان الابن فيما يبدو قد تشبع بما يقال عن الشعراء وعن التدمير الذي يحدث اثناء انشاء القصيدة,.
في تراثنا العربي الشعري الفصيح ما يناصر هذه الدعاوي كنا في حادثة الفرزدق والانصاري وذلك عندما خرج الفرزدق على حدود المدينة بحثا عن الهدوء وحاول استنصار الشياطين وهذا في رواية مشهورة عنه، كنت قد تعرضت لجانب منها في مقال سابق وكذلك كان هناك شيء من ذلك يحدث مع جرير في معركة النقائض التي اشتعلت بينه والفرزدق والاخطل حيث يروى عنه انه كان يتمرغ على الارض اثناء نظمه لاحدى هجائياته فهل كل هذا واقع؟!
اثناء تلك المقابلة كنت ارقب الفرق واضحا بينها ومقابلة اخرى قبل شهور تمت مع شاعر شعبي معروف جرفه التيار فجلس يحدثنا عما يعانيه ويمارسه اثناء عملية النظم؟! وربما ساعد في ذلك ان المقابلة تمت على رأس نفود (ذاري)!
لقد كان فرق الثقافة واضحا جليا بين الشاعرين وهذا ما ينقص شعراء الاتجاه الشعبي غالبا فيما أظن فهم يتكلمون فيما يحسنون وفيما لا يحسنون وربما كان ذلك لان الشاعر ينبغي ان يعرف كل شيء وبالذات ونحن في مجتمعات تنمي هذه التعرجات والتجاوزات,.
حقيقة ينبغي ان نطرد شعر المناسبات من الدائرة الابداعية في جانبي الشعر: الفصيح والشعبي لانه يتم وفق آلية مملة واضحة التكلف غالبا وربما ظن الشاعر ان المتلقي قد لا يشعر بهذا وربما استعان بأشياء تغطي هذه الفجوة، ولكن وفي الغالب يتسع الخرق على الراقع فتبقى كل تلك المحاولات دون تأثير يذكر ولكن هل يلزمنا هذا التوجه في نفي شعر المناسبات ان نزعم ان الشعر يجب ان يصاحب بتلك الممارسات الغريبة؟ وهل هي لازمة لكل شاعر يريد ان يعترف به؟!
ان تلك التصرفات او الادعاءات تكون مقبولة اذا كانت حقيقة غير مفتعلة، واذا كان هذا العويل صادقا لم يفت المتلقي بل زاد في درجة القابلية عنده وهذا وبطبيعة الحال يكون بينا في نفس القصيدة نفسها وهذا يتحقق ويظهر كما في قول الشاعر الشعبي:
يا خيّر لامره ونهيه مطيعين يا سامع الداعي وهو ساجد له اسألك باسماك العزيزة تكافين لاج لجا محمل غرامي يتله وبحق ما باسطار طه وياسين تجلي عن اللي به من الدهر خله قلبه الى نامت عيون الفريقين يلعي من الوجلا صدى ضيقة له |
فمثلا لا يستطيع من يفتعل المشاعر ان يوظف لفظه (يلعي) هذا التوظيف مهما اجتهد.
* الاخ صالح محمد الزيد من بريدة اشكرك على مشاعرك وبخصوص الشعراء المجيدين غير المعروفين فاني لا ازعم انهم كثير ولكنهم على كل حال موجودون.