Thursday 30th December, 1999 G No. 9954جريدة الجزيرة الخميس 22 ,رمضان 1420 العدد 9954


تلويحة
الخيار
1 - 5
عبدالعزيز مشري

(العلم خير، قولوا يالله في الخير)
بهذا المفتتح المتفائل كان عمدة القرية، يبدأ حديثه الذي سيتكلم فيه عن أمر مهم يعني القرية في شأن مخفي ما, وكان الحاضرون في ساحة المسجد بعد صلاة الجمعة، يرددون جميعهم ب (يا لله، في الخير).
كان القوم ينصت الى حد ان صوت الذباب يكاد يُسمع، من شدة الهدوء، وهذا الانصات لم يكن قد علِّم او حدث تحت تأثير العصا والتلقين ولا التهديد بالخصم من درجات السلوك او الدرس.
لم يكن لاحد ان يكسر حضرة الجماعة فيعطيهم قفاه ويمضي الى شأنه الخاص,,
ذلك لان نتائج الفردية في التصرف الانفعالي النزق,, ستعود على صاحبه، ولأن الجماعة لا تستغني عن بعضها اي افرادها واعتقد ان هذا قد تحول مع الزمن الى سلوك على هيئة (احترام) بين العلاقات الفردية,, الى حد الجماعية، بدليل ان هذا التصرف الجميل يحدث في كل اجتماع يستوجب الكل فيه ان يهب حواسه المتجمعة في سمعه وبصره أيضا، فإذا ما شوهد أحد يحول نظره عن المتحدث,, فإن لهذا معنى مفهوما لكل من يراقبه,, جوهره يدل على أن هناك معارضة ما,, سيأتي وقت عرضها بعد نهاية قول المتحدث الذي بدأ ب (العلم خير)، وعادة ما يقول أي المبتدىء بالحديث (العلم خير,, يا جماعة).
* * *
إن هذا المسلك العادل لم يتلقه آباؤنا وأجدادنا من الفلسفة الهيجلية، ولا الديكارتية، او الكانتية، بل ان اغلبهم في القرى والبوادي لا يحسن قراءة فاتحة الكتاب، بل انهم ربما نشأوا وعاشوا ودفنوا دون ان يقرأ عليهم وقد يسمعوا سطرا او كلمة من سيرة (حاتم طيء) ومع ذلك كانوا كرماء انسانيين بالفطرة، وكانوا في اجتماعاتهم لا يذكرون (الموسر) قبل (المعسر)، وإذا كان ثمة من يرغب في إبداء الرأي فإن الكل يعطيه حق الاستماع، فتبادل الرأي في حضرته هو بداية الأخذ والاعطاء الى آخر الاصوات.
وإذا كان هناك من سؤال فهو: أليست ايقاعية الحياة الواقعية عندهم وجماعية الآلة الانتاجية,, هي السبب الاساسي؟!
أعلم انك كنت تتوقع سؤالا غير ضامن على جواب محضَّر، لكنك قد تبهر اذا علمت ان البناء بالطوب والحديد كان عيباً في القرية، وأن الغائب في صلاة مسجد الجمعة والجماعة,, كان يفتقد ويسأل عنه، فإن كان مريضا عادوه، وإن كان مسافرا تمنوا له العودة وعادوا اهله في الغياب، وإن كان مشغولاً قالوا: (الله يعينه).
وربما أجاب احد عنه معنيُّ فقال: سافر بزوجته الى (مكة) لعلاجها.
و(مكة) تعني المدينة المتمدينة منهم خارج القرية، والمجاوب يعني أنه الوحيد في القرية الذي تملك زوجته بحكم السفر العلاجي سابقا ً عبادة.
* * *
لا اريد ان احدثك بما كان عليه مجتمعنا في الماضي، وإن كنت ارغب بحرقة، فقد ذكر أحد الاصدقاء من شمال جزيرتنا,, ان شخصا في (حائل) الحبيبة داهمه ضيوف، فلم يجد ما يكرمهم به (وأول كرم أجدادنا في الاستقبال هو البطن) فقام الى بعيره الوحيد الغالي فنحره لهم وعشاهم عليه,, أتدري بماذا سموه بعد ذلك؟ لقد سموه ب (الهبيل) ومرادفتها (الغبي) و(الاطوش) و(الساذج)، هذه التعليقات جاءت بعد جيل او يزيد من هذه الحادثة، ولست ادعو الى كرم الماضين الذي جاء اساسه على واقع الترحال البعيد في الفيافي والصحارى كذلك وسيلة التنقل المعروفة، منها ان زماناً قد تغيرت فيه الوسائل الترحالية والاقامات,, لم يعد عيبا الا على الضيف الذي يهاتفك من اجل الاقامة والطعام في معيتك بدلا من الذهاب الى غرفة في اي فندق يستأجرها فيه فيريح ويستريح.
* * *
إن احداث الامور في غير مواقعها اليوم، وعلى اي صعيد ليس الا نوعا من الفرض القسري الجاهز دون اية مراجعة او تفكير، وبالطبع,, باعتبار ان الماضي هو المجتمع بأكمله شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، او كما ذكر زميلنا في القلم الاستاذ (حسن السبع) في ملحق (الرياض) الاسبوع قبل الماضي (معذرة ان كنت قد تغاوبت بين ملحقي (الرياض) و(الجزيرة) الصادرين في ذات اليوم).
ان هندسة الروح كما ذكر الزميل قد يصعب تحديد اتجاهاتها,, لانك ككاتب شاعر لا تستطيع ان تفرط في اي اتجاه,, لكنني والله أعلم قد رغب دون دوافع استشهادية الى الاشارة حول ديمقراطية الرأي للصالح العام فيما تكتبه الاقلام المتلونة، التي تدعي الثقافة دون الغير في صفحات الجرائد الثقافية المحدودة، ولك ان تتناول المسطرة والفرجار لتقيس فوارق الزمان والمكان، وها إن الواقع دون ادنى حياء يرفع في الوجه ذيله,, بل في الوجه والعين والاذن واللسان والعقل، أما اذا كنت تدور عن عجالة الملخص,, فإني سأجيبك بما قاله الموروث:
لا يدري المرء احيانا,, إذا كان بعضه مصابا بخفة العقل او بخفة الدم) وشكرا!


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved