Thursday 30th December, 1999 G No. 9954جريدة الجزيرة الخميس 22 ,رمضان 1420 العدد 9954


خمسة أيام إلى بارقة العنزي بينما العناكب تلف خيوطها
محمد العثيم

تعامل المسرحيون مع الفنان السعودي المبدع (مشاري محمد) على انه طالب في جامعة الملك فهد لكنه في حقيقته ليس طالبا في الجامعة فقط بل مسرحي,, يبحث عن المعرفة المسرحية ويتابع عربيا وعالمياً وله وجود من خلال الجامعة في مهرجانات دولية.
ومشاري محمد مخرج رومانسي طيب وخجول لا يشتري شهرته رغم كل ما يحققه من انجاز,, ولعلنا لم نكن لنعرف عنه شيئا لولا المشرف المسرحي في جامعة البترول والمسرحي المعروف جبران الجبران والصحفي المثقف اثير السادة الذي كتب بفهم عن هذا المبدع ولكن بنقد يجعل اعماله دائما مثار اسئلة,, وكان مشاري يرحب بالنقد ويبدو واثقا أكثر من محترف.
قدم هذا المخرج في المهرجان السعودي للمسرح في الظهران مسرحية العناكب ومثلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن,, وفي الحقيقة ان هذا الفنان فاجأ منتظريه هذه المرة بمسرح الساحة ولكن بشكل مبدع فلم يعد وسط الساحة, ركز الفعل والحدث بل أطرافها,, وكان مشاري محمد يفترض ان يحتوي الفعل في صيرورته مشاهديه بشكل يخلق تأثيره ومن هذا الواقع خلق المخرج على الارض خمسة مواقع مسرحية تشكل كل منها موقعا لعرض فكان المشاهد محاطاً بعرض واحد او اكثر في اي اتجاه ينظر فيما عدا عرض الاحتواء النهائي الذي يختم به مشاري مسرحيته عندما يشنق الممثلون مخرجهم شنقا واقعيا وهي تلميحة للخلوص من سيطرة واهية لفردية هذا المخرج الذي لم يقد فريقه للخلاص ولعل الذاكرة تعود بكم الآن إلى ثيمات المخرج الايطالي الشهير لويجي براندلو في ست شخصيات تبحث عن مؤلف فنحن ازاء مسرح داخل مسرح ولكن هذه المرة بشكل متقدم بمعنى (مسرح داخل مسرح يحتوي المعيش والحياة).
رغم غرابة العرض عن كثير من مشاهديه فقد كان مشاري رائعا في بعض وسائل التوصيل,, بل وبسيطا واقعيا مثل المشهد الذي يلف حول متفرجيه خيوطاً تنسجها العناكب,, وتحديد المكان بعنصر النار عن طريق مواقد مشتعلة حول الساحة وكثير من المعطيات تنتهي بواقعية الشنق وترك البطل معلقا في جانب الساحة ليبدأ الحدث,, ثم الطقوس الحركية لاجراء الاعدام المسرحي.
والحقيقة اني مثل غيري ممن امتدحوا العرض لا نريد الدخول في مسائل تفصيلية عن هذا العرض المميز الذي اتمنى ان تتبناه جهة مختصة ليمثلنا في العروض الخليجية والعربية حتى لا نقدم وجهنا الصغير كما حصل في تونس هذا العام نتيجة ارتجال العمل وفقد التقييم السليم.
عرض مشاري عمد إلى بساطة انتاجية ولم يقدم النمطيات المسرحية المطروحة في العروض النخبوية,, وكان شجاعا في طرح معطياته والالتصاق بها والدفاع عنها,, وكنا عندما نسأله عن معطى يعيد السؤال الذكي كيف وصلك هذا المعطى الفني,,؟ فكنا نطلب التفسير فيحيلنا الى التأويل.
ومشاري نفسه ليس تجربة جديدة في مسرح المنطقة الشرقية لكنه كان في الماضي مثل كثيرين ينتظر فرصته إلى ان اعطته جامعة الملك فهد الضوء الأخضر ليصير مخرجها (لانه طالب هناك) فاشرق ابداعه وطلع نجمه بخجل لكني أجزم أن مشاري سيكون اسما لامعا في المسرح السعودي خصوصا في مجال الاخراج وقد اشرت إليه مرارا بعد انجازاته الجميلة عبر قناته الجامعية.
وكانت ممازجة الفنان بين بعض العناصر المرموز بها تجريديا احدى السمات التي تدل على اطلاعات انثروبولوجية وفلسفية في تفاسير سر النماء والحياة من طرح المعطيات الحرارية (النار والهواء) ثم البئر الذي جرد في المكان,, وكان كثير من النقاد في المهرجان يمتدحون لمشاري مزاوجاته التراثية مع عناصره الحداثية مما يجعل مشاري محمد مبدعا له سطور خلف السطور وليس شفافا رغم بساطته.
لن أجامل مشاري محمد ولا غيره فرغم الترحيب بالمسرح النخبوي الذي يمتدحه كل اهل الثقافة فإننا نرجو ان يتجه الشباب الى مستوى اقرب من الجماهير العامة لاننا في مرحلة ترويجية للمسرح لا مرحلة ترف ومكابرة.
لن أخرج دون الاشارة إلى الانارة التي خدمت الحدث وبقيت المفردات السينوجرافية فمشرف العرض استطاع تقديم صوت ورؤية في مكان مفتوح لا تسهل السيطرة على معطياته كما احمد للمخرج عدم الاسراف في طرخ الديكور والاكسسوار وهي ميزة انتاجية تسجل له.
ولكي يأخذ كل ذي حق حقه فقد أدار الممثلون انفسهم بتكرار جعل كل منهم بطلا وانعكاساً في نفسه للجانب الآخر إلى ان اتفقوا على الخروج على المخرج وكانت من الملامح الجميلة.
** تلك البارقة الفارقة:
أعمال أدبية ترغمك على قراءتها وتلح للكتابة عنها لأن مجرد تناسيها واهمالها اخلال بشرف مهنة القلم,, وقد مر بي من هذه الاعمال مجموعة الزميل الصحفي (فالح العنزي) البارقة الصادرة عن دار الانتشار العربي في هذا العام وتحوي المجموعة اثنتي عشرة قصة تتمحور اكثرها حول بطولة مطلقة تدور حولها الاحداث,, ولكن هذه المحوريات تقود في معطياتها جوقة رباعية من الازمنة والامكنة وصراعات الذات والآخر وانفعالات البدائية بالحضارة والطقس والحب والكره,, وميزة اكثر هذه الشخصيات الهزيمة التي تعمها فكأنه تبدأ حكاياتها لتعلن هزائم العربي والمولود والمحب والغازي والمسافر,, وباختصار فحتى انتصارات تلك الشخصيات دراماتيكية تجنح إلى (الميليودرامية).
والحقيقة اني في البدء لم أكن عازما على القراءة الكاملة بل أردت ان أقرأ ثلاث قصص من المجموعة لأتفرغ لمسرحي (المعلق) لكني ذهلت اني اقرأ الكتاب السلس البسيط إلى النهاية,, فالمؤلف يعمد إلى اسلوب الحكي (الاجراء السردي) في كثير من هذه القصص المحورية التشكيل وهو بالتالي لا يأخذك في اغراق اسلوبي يفقدك خطك السردي,, وتنتهي من واحدة من تلك الحكايات لتجد نفسك اكثر رغبة باعادة قراءتها لأنك متأكد ان لم تقرأ بما يكفي,.
من هنا أكرر مرة اخرى اننا كنا لزمن طويل نتمنى أن تعود القصة القصيرة حكاية بسيطة تقول شيئا بسيطا لا فجا ولا مكررا ولا نصوصاً ايحائية فارغة,, وكان القاصون المتميزون يجدون صعوبة في العودة للحق لأنه ليس هناك من يعلق الجرس.
بقي أن أقول إني لم أقرأ القصص بما يكفي لسبب أنني بعد الفراغ منها واعادة قراءة اكثر من قصة للمرة الثانية وجدت المعنى قد خاتلني,, عل احدا من أهل التخصص يخاتل هذه الحكايات الملونة فكما قال أحد الابطال في قصة البارقة: بقي علينا خمسة ايام لنصل الماء.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved