Saturday 1st January, 2000 G No. 9956جريدة الجزيرة السبت 24 ,رمضان 1420 العدد 9956



خمسُ خُطبِ جمعةٍ للذكرى: الخطبة الخامسة
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

الحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته وعلمه وعدله ورحمته، ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأبان لهم هدايته الشرعية والكونية وأقام عليهم الحجة: بأن أنزل عليهم كتبا، وأرسل إليهم رسلاً، وجعل الدنيا مزرعة للآخرة، وضرب لهم فيها أجلاً، وأمضى سنته في إهلاك من تكبر وطغى لا يجدون عنها حولاً، وجعل الحق طريقاً واحداً مستقيماً، فتفرق المبطلون سُبلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله هو، وقد أفلح من تمسك بالشهادة، وقام بمقتضاها، فيعلو قدره يوم القيامة درجات ونزلاً,, والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله المبعوث بالهدى ودين الحق، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الناس: فإنه سيسبق دخول الخلق في منازلهم من الجنة أو النار يوم مقداره خمسون ألف سنة يُحَصحِصُ الله فيه ميزان القضاء في عباده، فيفوز قوم برحمته، ويهلك أقوام بعدله ومقته، وهو يوم الملك الديان سبحانه ليس لأحد فيه قول، وليس لأحد عنه مفر,, قال سبحانه وتعالى:يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً سورة النبأ/38 ، وقال:مَن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه سورة البقرة/255 ، وقال:يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً سورة طه/109 ,, وهو يوم قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:كنا في دعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع اليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة وقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذاك؟,, يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فينظرهم الناظر ويسمعهم الدعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم,, ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟,, فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتون فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر: خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة: ألا تشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا؟,, فقال: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت,, نفسي نفسي نفسي,, اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح,, فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى اهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي, نفسي نفسي نفسي، إذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى ابراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا الى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟,, فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني كنت كذبت ثلاث كذبات,, نفسي نفسي نفسي,, اذهبوا الى غيري، اذهبوا إلى موسى,, فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله: فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس: اشفع لنا إلى ربك,, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها,, نفسي نفسي,, اذهبوا إلى غيري، اذهبوا الى عيسى,, فيأتون عيسى فيقولون: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد: اشفع لنا الى ربك,, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟,, فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعد مثله ولم يذكر ذنباً ,, نفسي نفسي نفسي,, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم,, فيأتون محمدا فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر: اشفع لنا إلى ربك,, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟,, فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد: ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع,, فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب فيقول: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب,, ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مَصَاريع الجنة كما بين مكة وحَميرَ، أو كما بين مكة وبصرى .
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم:ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً سورة الإسراء/79 ,, بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو البر الرحيم.
***
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الداعي إلى جنة ربه ورضوانه، وعلى آله وصحبه المهتدين بهداه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الناس: فاعلموا أن أول ما يقضي الله فيه بين الناس الدماء,, بذلك صح الخبر عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في صحيح البخاري ومسلم وفي صحيح مسلم:عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: أتدرون من المفلس؟,, قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع,, فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته,, فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول: أتعرف ذنب كذا,, أتعرف ذنب كذا؟,, فيقول: أعرف يار ب، أعرف يا رب,, فيقول: سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم,, ثم يعطى صحيفة حسناته,, وأما الآخرون من الكفار والمنافقين فينادى بهم على رؤوس الخلائق,, هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين .
اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة,, اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا من سيئات أعمالنا، وما أسررنا وما أعلنا، وضاعف حسناتنا، واجبرنا برحمتك ولطفك,, اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه,, لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين,, لئن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين,, اللهم أصلح لنا وأصلحنا، اللهم اهد واعصم شباب المسلمين وشيبهم، وفتياتهم وعجائزهم,, اللهم أنبت أطفالنا نباتاً حسناً، واجعلنا وإياهم من السعداء في دنيانا وآخرتنا,, اللهم قنا الزلازل والفتن والمحن وجميع الكوارث ومصارع السوء، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن,, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين، وأدر دائرة السوء على الكفرة والملحدين، واخذل واقمع أهل البدع والفسق,, اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك, ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر,, اللهم اهد ولاة العرب والمسلمين، وانصر دولتنا بالإسلام، وانصر الإسلام بها,, اللهم من أراد شعبنا ودولتنا ووطنا وديننا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدميره في تدبيره, اللهم صلَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده المرسلين، وأقم الصلاة.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

لقاء

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.